رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

"حلم رجل مضحك" رواية دوستويفسكى الفلسفية

حلم رجل مضحك
حلم رجل مضحك

الكتابة ليست وسيلة للتسلية بل هي سلم يصل بالبشرية إلى أعلى عليين، هكذا تعرف وأنت تقرأ للكاتب الروسي العبقري دوستويفسكي وتتجول بين سطوره.
في روايته القصيرة "حلم رجل مضحك" أراد الرجل أن يدخل بنا عوالم النفس البشرية بأسلوب فلسفي لا اقول بسيطًا وفي الوقت نفسه لا يمكنني القول بأنه أسلوبًا معقدًا بل هو بين هذا وذاك.

كان البطل هو نفسه الراوى الذي لا ينكر أنه رجل مضحك وهذا ما جاء في صدر الرواية، والمضحك هنا هو الذي يظنه الناس ساذجًا أو مجنونًا، ذلك لأنه لا يرى قيمة للأشياء، فكل ما يحيط به مجرد توافه لا تستحق الوقوف عندها، فكر الرجل المضحك في الإنتحار حتى إنه اشترى مسدسًا وحشاه بالأعيرة النارية ولكنه كان يجبن عن إفراغه في رأسه في كل يوم.

وفي ليلة أخذ القرار وتوجه تلقاء بيته الملئ بالصخب من قبل السيد وأصدقائه السكارى الذين يُحدثون جلبة في المكان دون رادع من الرجل المضحك أو من السيدة أم الأطفال اليتامى، الذين يحبسون أنفاسهم كل ليلة خشية أن يغضب عليهم السيد وزبانيته.

وأثناء سير الرجل المضحك إلى بيته رأى نجمًا وحيدًا في السماء، فظنها إشارة لرحيله، فأخذ يتحدث إليه، إلا أن طفلة خرجت من إحدى الحواري تستنجد به كي ينقذ أمها التي تحتضر فتركها دون استجابة، فركضت خلفه فلم يستجب وطلب منها أن تذهب إلى أحد رجالات الشرطة ثم أكمل سيره، فركضت خلفه مرة أخرى تستعطفه بكل عبارات الاستجداء، فما كان منه إلا أن ضرب بقدمه الأرض ونهرها ففرت منه كما يفر الغزال من الأسد.

رجع إلى بيته ووضع مسدسه فوق الكوميدنو وأخذ يحملق فيه فغشيه النعاس، ثم رأى أنه أطلق على نفسه الرصاص، فخر صريعًا ثم قام بعض الأشخاص بدفنه ثم رأى نفسه داخل القبر، بعدها جاء شخص وحمله وتوجه به إلى أعلى ثم رأى النجم الذي رٱه في اليقظه ورأى شمسًا تشبه الشمس التي يعرفها، ومن بعد ظهرت أرض جديدة ذهب به الشخص إليها وهذا الشخص نستنبط من سياق الرواية أنه ملك يخترق به الحواجز.

وصل الرجل المضحك إلى الأرض الجديدة فرأى الناس في نعيم مقيم بينهم مودة ورحمة في إشارة من دوستويفسكي أنها الجنة، تعامل أهل الجنة معه بمنتهى الود والمحبة لم يكرهوه لأن قلوبهم لا تعرف الكره أو الغل أو الحسد، وبعد فترة من الزمن بدأ أهل الجنة يتأثرون به فعرفوا المجاملة ثم الكذب ثم الحقد فخرج من بينهم دعاة يريدون للناس خيرًا فما كان منهم إلا أن قتلوا الدعاة وسنوا قوانين للعقوبات، فصرخ الرجل المضحك فيهم أن عودوا إلى ماكنتم عليه، ثم قال أنا سبب معصيتكم فسخروا منه، ثم استيقظ الرجل المضحك من نومه وقرر ألا ينتحر.

وإذا أمعنت النظر في حلم الرجل المضحك سنرى عدة تفصيلات تفيد أن دستوفيسكى أراد أن يقول إن بعد الموت بعث وأن الله لطيف بعباده كما تطرق إلى الصعود إلى الجنة وأقول أنه ربما كان يقصد رحلة "الإسراء والمعراج"، وهنا يشير إلى الإسلام، كما أنه قال للمذنبين سأتى لكم بصليب وفي هذا إشارة إلى المسيحية، وربما قصد باليهود قتل الدعاه وهم الأنبياء، وفي النهاية نقول إن العمق الفلسفي والبعد النفسي قد أكسبا القصة متعة عالية خاصة وأن الرجل المضحك قرر أن يبحث عن الطفلة التي تمثل الإنسانية.