رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الدكتور الهلالي الشربيني الهلالي يكتب: إدارة التنظيمات غير الرسمية فى المؤسسات التعليمية

الدكتور الهلالي الشربيني
الدكتور الهلالي الشربيني الهلالي

يمثل التنظيم الرسمي وظيفة إدارية تنشأ مع نشأة المؤسسة التعليمية أيًا كان مستواها ، ويتم بموجبها تحديد الهيكل التنظيمي للمؤسسة، وتحديد المستويات والعلاقات، وتقسيم الأعمال وتوزيع الاختصاصات ، وتحديد أبعاد السلطة والمسؤولية ، والقواعد التي تعبر عن العلاقة الرسمية بين العاملين ، وذلك بهدف تنفيذ سياسات العمل ، والقيام بأدوار الإشراف والرقابة، وإجراء عمليات التحديث والتطوير والتدريب، والاستغلال الأمثل لقدرات المؤسسة، وتحقيق أقصى فاعلية وقيمة مضافة للعمليّة التعليمية، وفى هذا الإطار تمثل الإدارة داخل تلك المؤسسات التنظيم الرسمي ، الذى يتخذ في الغالب شكلاً هرميًا ؛ حيث تتجمع كل السلطات في شخص واحد هو وكيل أول الوزارة أو رئيس مجلس الجامعة أو الوزير المختص ، كما أنه يعتمد على مجموعة من المبادئ الإدارية والقواعد القانونية المكتوبة.

أما التنظيم غير الرسمي فيتمثل فى شبكة العلاقات الاجتماعية التي تنشأ نتيجة التفاعل الطبيعي بين العاملين دون تدخل من التنظيم الرسمي . ويشير هذا المصطلح أيضًا إلى كل التصرفات والأنشطة التي يقوم بها العاملون بعيدًا عن التنظيم الرسمي ؛ فقد لاحظ فريدريك تايلور – على سبيل المثال – أن العمال يتباطؤون ولا يبذلون أقصى جهدهم في العمل لإنتاج أكبر كمية من المنتجات ، كما لاحظ أن كل عامل يتعرض لضغط من زملائه كي يقلل كمية إنتاجه ، وتوصل تايلور إلى أن ذلك يرجع إلى تخوف العمال من فصل بعضهم من العمل فيما لو زاد الإنتاج عن حد معين.

ولكل تنظيم غير رسمي قيادة لا تختارها بالطبع الإدارة ، ويكون لهذه القيادة أتباع تجمعها بهم مصالح مشتركة ليس من بينها في الغالب أهداف التنظيم ؛ فقد يتجمع بعض العاملين في شكل تنظيم غير رسمي لوجود صلة قرابة بينهم ، أو لأنهم أصلاً من بلد أو حى واحد، أو تجمعهم هوايات أو اتجاهات فكرية مشتركة ، وقد يجمع بينهم الرغبة في نشر مبادئ أو قواعد معينة أو تطبيقها، وقد يمارس أعضاء هذا التنظيم عملهم من داخل مكان العمل أو من خارجه ، بهدف تحقيق مصالح معينة لكل منهم مثل الشعور بالانتماء أو القوة .

ومن عيوب التنظيم غير الرسمي أنه قد يتسبب في كثير من المشكلات والصراعات داخل المؤسسة التعليمية سواءًا كانت مدرسة أو جامعة أو حتى وزارة ، منها : رفض التغيير وتطوير الإجراءات أو السياسات أو التجهيزات ؛ من منطلق الحرص على مصالح أعضاء التنظيم ، كما أن أهداف هذا التنظيم قد تتعارض مع أهداف التنظيم الرسمي ولا تستوفى معاييره ، مما يؤدى إلى عدم اهتمام أعضاء التنظيم بمطالب الإدارة ، وعدم الولاء والانتماء للمؤسسة ، ونشر الشائعات حول أمور حساسة مثل خفض الحوافز والاستغناء عن بعض العاملين ، واتهام الإدارة بالفساد ، وتسريب أسرار العمل خارج المؤسسة ، وافتعال المشكلات مع المخالفين للرأى، وعدم الاعتراف بالخطأ ، وعدم الامتثال لتعليمات السلطة المختصة ، وبثّ روح التمرّد والإحباط داخل المؤسسة ، ومحاولة الانقلاب على الإدارة ، ورفع سقف المطالب ، والميل إلى العنف ، وسرعة الغضب ، وتصديق الشبهات حول الإدارة ، والشك في توجهات المؤسسة ، الأمر الذى قد يقود المؤسسة إلى صراع داخلي بين التنظيمين (الرسمي وغير الرسمي )وعرقلة العملية التعليمية وتطويرها ، وبالتالي تراجع مكانة المؤسسة، هذا بالإضافة إلى أن قيادات هذا التنظيم قد تستغل ضعف قيادة التنظيم الرسمي ؛ لتمرير مصالح شخصية ، والتحريض على مخالفة الأنظمة ، وعصيان الأوامر.

وإذا كانت التنظيمات غير الرسمية فى ضوء ما تقدم تمثل نقاط ضعف فى المؤسسات التعليمية يجب معالجتها، فهى ليست في مجملها سيئة، ويمكن إذا ما أُحسِن توظيفها أن تُمثِل نقاط قوة تُكسِب المؤسسة مزايا تنافسية تميزها عن غيرها؛ من منطلق أن التنظيم غير الرسمي بإمكانه أن يعمل ضد الإدارة وبإمكانه أيضًا أن يعمل معها ويدعم أمور مثل سرعة الاتصال، وتبادل المعلومات ، والأفكار الابتكارية حول تطوير الأداء ، وتسهيل التنسيق بين العاملين ، وخلق روح الفريق بينهم ، وتسهيل عملية التكيف في المؤسسة ، وإيجاد رقابة جماعية ، وتقويم العيوب ، وتحسين النواتج ، وفهم رغبات واحتياجات العاملين الاجتماعية وإشباعها باعتباره متنفس لهم من ضغوط العمل ، ومن ثم فعلى إدارة المؤسسة أن تحاول فهم خصائص التنظيمات غير الرسمية لكى تكون بمثابة سندًا لها ، خاصة فى مواجهة التحديات الخارجية ، والكشف عن الطاقات والقدرات التى لم تحصل على فرصة داخل المؤسسة ، ومن ثم تعزيز ارتباط الجميع بالمؤسسة وبيئة العمل.

ويكاد يُجمِع علماء الإدارة والتربية وعلم النفس على أن نجاح الإدارة في تحقيق أهداف المؤسسة ، يعتمد بشكل كبير على قدرتها على إحداث نوع من التوازن بين التنظيم الرسمي والتنظيم غير الرسمي بها ، والكف عن محاربة الأخير أو التفكير في التخلص منه ، لأن مثل هذه المحاولات غالبًا ما تبوء بالفشل ولا تحقق إلا نتائج عكسية ، وفى ضوء هذا المبدأ يجب على الإدارة سد حاجة العاملين بالمؤسسة من الأنشطة والبرامج الاجتماعية الهادفة ، وتوثيق العلاقة الودية بين رئيس المؤسسة وقيادات التنظيمات غير الرسمية على أساس من الاحترام المتبادل ، والتفاعل مع الأنشطة التي يقيمونها ، والكف عن عرقلتها، دون مبررات مقنعة ، ومساعدتهم في حل مشكلاتهم الخاصة ، والمعالجة الفورية لأي انشقاق أو صراع بين التنظيم الرسمي والتنظيم غير الرسمي ، من خلال الحوار الهادئ ، وتطبيق اللوائح الإدارية والقواعد القانونية بحزم ودون تباطؤ أو تساهل
ـ وزير التعليم السابق