رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

رئيس مؤسسة العلوم الروحية بباريس: فرنسا بدأت تحجيم الجمعيات السلفية

جريدة الدستور

قال سليم حمودى، رئيس مؤسسة العلوم الصوفية والروحية لدراسات وأبحاث التصوف بمدينة تولوز الفرنسية، إن الفكر الصوفى له دور كبير فى تصحيح الصورة المغلوطة عن الإسلام فى أوروبا، عبر نشر قيم المحبة والمعرفة والرحمة بين الناس.
وأضاف «حمودى»، فى حواره مع «الدستور»، أن الحكومة الفرنسية استوعبت جيدًا الخطر الذى تشكله جماعات الإسلام السياسى، ولذلك تساند الفكر الصوفى بشكل كبير، مشيرًا إلى أن هدف مؤسسته إنقاذ المسلمين من براثن الفكر المتطرف والمتشدد، خاصة مع انتشار الجماعات المتشددة فى أوروبا.
■ بداية.. هل أنت مسلم منذ مولدك أم اعتنقت الإسلام حديثًا؟
- أنا مسلم منذ مولدى، لكنى أتصور أن إسلامى لم يكتمل إلا بعد التعرف على الفكر الصوفى الذى يهذب النفوس ويرقيها.
■ كيف تعرفت على الفكر الصوفى؟
- تعرفت عليه عبر حضور حلقات الذكر الصوفية فى فرنسا، التى قابلت خلالها متصوفة تابعين للطريقة النقشبندية، تأثرت بأخلاقهم السمحة والسلام النفسى الذى يجمعهم، ومن هنا اقتنعت بذلك الفكر وقرأت عنه، وكان ذلك بالتزامن مع حراك صوفى كبير فى فرنسا وانتشار كبير لذلك الاتجاه الدينى.
والتقيت مجموعة من مريدى الطريقة النقشبندية جعلونى أرى وجهًا مشرقًا للدين الوسطى ذى الأهداف والقيم السامية. ومن هنا أود أن أشير إلى مساهمة الصوفية فى تصحيح الكثير من المفاهيم المغلوطة حول الإسلام بعد أن صدر دعاة الغلو والتطرف وجهًا غير صحيح للدين.
■ هل تقبلت أسرتك اعتناقك الفكر الصوفى؟
- كان الأمر غريبًا على الأسرة فى البداية، لكن ما إن بدأ أفرادها يقرأون عن الفكر الصوفى ويتعرفون عليه عن قرب ويتلمسون الروحانيات التى تنبع منه، وكذلك السلام والخير والمحبة التى يدعو إليها، حتى أصبحوا مقتنعين تمامًا به وصاروا من مريدى الصوفية.
■ ما الذى يميز الفكر الصوفى فى نظرك؟
- رأيته طريقًا للحب والمعرفة، لأنه يرتبط بـ٣ محاور هى الخضوع لله ثم الإيمان ثم الإحسان، وهذه هى الخصال الحقيقية للمسلمين، كما أن الصوفيين ليس بينهم متطرفون أو متشددون كتيارات الإسلام السياسى، التى شوهت صورة الدين فى أوروبا تحديدًا، وكانت سببًا رئيسيًا فى تشويه صورة الإسلام عند الغرب، وتخويف الأوروبيين من الدين الحنيف الذى يحمل فى طياته محبة ورحمة هائلة.
■ ما الدافع وراء إنشاء المؤسسة؟
- الدافع وراء إنشائها كان انضمام الكثيرين من الفرنسيين للفكر الصوفى، فأردت أن تكون مجمعة لأصحاب ذلك الاتجاه، من أجل زيادة انتشاره وتعريف الناس بالعلوم الروحية التى تهدف إلى تربية النفس وإنقاذ المسلمين من براثن الفكر المتطرف والمتشدد، خاصة أن هناك الكثير من الجماعات المتشددة فى أوروبا وفرنسا تحديدًا، تسعى لجذب الشباب إليها لتنفيذ مخططاتها الشيطانية.
■.. وطبيعة نشاط مؤسستك؟
- المؤسسة تركز كل طاقتها على الشأن الصوفى، وإعطاء أهمية كبيرة لكل الأمور التى تخص ذلك الفكر بجميع أنحاء فرنسا، إضافة إلى تنظيم ندوات ومحاضرات دينية تتحدث عنه بمشاركة عدد كبير من شيوخ التصوف والطريقة النقشبندية، وتلعب المؤسسة دورًا كبيرًا فى التصدى لظاهرة الإسلاموفوبيا التى توجد بصورة كبيرة فى الغرب، من خلال عقد لقاءات وندوات يشارك فيها مختلف الباحثين والشيوخ من كافة أنحاء العالم.
■ ماذا عن الطرق الصوفية فى فرنسا؟
- بعد دخولى التصوف، عبر الطريقة النقشبندية، تعرفت على العديد من الطرق الصوفية فى فرنسا، مثل الطريقة المدنية والعلاوية والتيجانية والأحمدية والبرهانية وطرق أخرى كثيرة، واقتربت منهم ووجدتهم الوحيدين القادرين على فهمى والحديث معى، لأن الصفاء الروحى هو الذى يجمعنا ويربط بيننا.
■ هل يواجه الفكر الصوفى أى تضييق من قبل الحكومات الأوروبية؟
- لا.. الصوفية مسالمون إلى أكبر درجة والجميع يعلم ذلك، والحكومات فى أوروبا تنظر إليهم على أنهم عامل استقرار وليس عامل تخريب أو انهيار مثل بعض التيارات المتشددة الأخرى، ولذلك هناك مساندة ومحبة كبيرة من قبل الحكومات فى أوروبا للمتصوفة، خاصة أن ذلك الاتجاه يحاول، بكل ما أوتى من قوة، القضاء على الفكر الإرهابى فى فرنسا وغيرها من دول الغرب.
■ ما طبيعة العلاقة بين الحكومة الفرنسية والصوفية؟
- العلاقة بين الصوفية والحكومة الفرنسية جيدة، والصوفيون لا يسعون خلف السياسة، ولا يرغبون فى الحصول على مناصب أو مكاسب لأنهم أهل دين وليس دنيا، وهم يسعون دائمًا إلى التربية الروحية الصافية.
■ هل هناك تواصل بين الصوفية وتيار الإسلام السياسى بفرنسا؟
- لا.. نحن على النقيض تمامًا، تيار الإسلام السياسى فى فرنسا يحاول دائمًا استخدام الدين للوصول إلى السلطة والحكم، ويحاولون نشر أفكارهم بالقوة والعنف، ويحاولون دائمًا الظهور فى المشهد السياسى، بخلاف الصوفية الذين يسعون لنشر مبادئ التربية الروحية، ابتغاء مرضات الله وليس لشىءٍ آخر.
■ هل توجد فى أوروبا مراكز لمحاربة التشدد عبر التصوف؟
- بالفعل.. هناك مراكز موجودة بكثرة فى باريس تحديدًا، وأنشئت نتيجة الدور المحورى الذى لعبه التصوف مؤخرًا، ولدينا مؤسسة بحثية تهدف لدراسة التصوف كعلم ومنهج، وتخرج أبحاثًا وتكتب تقارير بشكل مكثف لمعرفة الدور الذى يمكن أن يلعبه التصوف فى تفنيد أفكار الجماعات المتشددة.
■ لماذا انجذب الفرنسيون لحضرات الذكر؟
- لأن من يحضرونها يستشعرون روحانيات هائلة تجلب إليهم الصفاء النفسى والهدوء والمحبة، وكلها أشياء يبحث عنها الناس بكل جهدهم.
وحضرات الصوفية لا تقدم إلا هذه المنح والعطايا الروحية الجميلة، والفرنسيون المسلمون وجدوا فى ساحات الصوفية الملاذ والملجأ لهم ليجدوا ذلك الصفاء، وهربًا من الجحيم، الذى يسببه دعاة التكفير والتشدد المنتشرون هناك، فالجميع الآن ينظر حوله، ويرى الدمار الذى سببه هؤلاء فى البلدان وبين الشعوب.
■ هل هناك أوروبيون دخلوا الإسلام عبر الصوفية؟
- نعم، يوجد الكثير من مواطنى الدول الأوروبية الذين دخلوا الإسلام على يد الصوفية، وأنا عندما أتيت إلى المغرب للمشاركة فى الملتقى الصوفى الدولى، وجدت المئات من الحاضرين من دول إسبانيا وألمانيا وإيطاليا وفيتنام والعديد من الدول الأخرى، والذين كانوا يهودًا ومسيحيين وبوذيين قبل اعتناقهم الإسلام، وهو أمر أسعدنى كثيرًا وعلمت وقتها أننى أسير على طريق أهل الحق، وأن التصوف الإسلامى هو أفضل المناهج الدينية التى يجب أن يتمسك بها المسلم، بروحه وقلبه وحياته، لأنه لا يحرض ولا يكره أحدًا مثلما يحدث فى التيارات الأخرى المتشددة، كما أنه يظهر الروح الحقيقية للدين الإسلامى.
■ ماذا عن نشاط الجمعيات السلفية فى أوروبا؟
- الجمعيات السلفية موجودة فى أوروبا، ولكن نشاطها قليل جدًا بسبب فكرها المتشدد، حيث أصبح الانتشار الأكبر للطرق والمراكز الصوفية، وهذا تجلى بشكل أكبر بعد ظهور جرائم تنظيم داعش الإرهابى، فأصيبت الشعوب والحكومات الأوروبية بهواجس من الجمعيات السلفية، خشية أن تكون منابر لنشر ذلك الفكر المتشدد.
وسارعت الحكومات لإعادة النظر فى نشاطات الجمعيات السلفية، خاصة فى باريس، ما حجّم تحركاتها بشكل كبير.