رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

المنصورة مقبرة العزاة.. والإرهابيين


الإرهابيون أغبياء، ويبدو أنهم أميون أيضاً، لا يقرأون، ولا يتعلمون، ولا يعلمون أن مدينة المنصورة، قد استطاعت التصدى ببسالة لقوات الاحتلال الفرنسية، وألحقت بها هزيمة مذلة، وأسرت قائدها المتغطرس، لويس التاسع، وحبسته فى «دار بن لقمان»، التى لا تزال شاهداً على هذه الملحمة البطولية الخالدة.

ولأنهم بهذا الجهل فقد اختارروا «جزيرة الورد» المصرية، التى تغير اسمها إلى «المنصورة» بعد ما فعلته بـ «الفرنجة الفرنسيس»، كمسرح مكشوف لإرهابهم الأسود، وساحة عمليات للقتل وسفك الدماء، صباح أمس الأول، الأربعاء، عندما سولت لهم أنفسهم المريضة والجبانة تفجير قنبلة فى محيط مديرية أمن الدقهلية.

وبصرف النظر عما تنطوى عليه هذه العملية القذرة من خسة ونذالة، فإنها تمثل نقطة تحول خطيرة فى مسار العنف الأعمى الذى يجتاح البلاد منذ عزل الدكتور محمد مرسى من منصب الرئاسة فى 3 يوليو الجارى، إثر خروج طوفان بشرى لم يسبق له مثيل – فى العالم بأسره وليس فى مصر فقط – رافعاً شعاراً رئيسياً هو «ارحل.. ارحل»، لا لموقف شخصى ضد الرجل، وإنما لفشله الذريع فى أن يكون رئيساً لكل المصريين، وإخفاقه فى إدارة شئون البلاد، بل وتعريضه الأمن القومى للخطر، وتقويض الدولة الوطنية، وتفكيك الأمة، وإعادة إنتاج نظام الرئيس المخلوع حسنى مبارك الذى خرجت الملايين قبل ثلاثين شهراً ضده وضد سياساته الاستبدادية والراعية للفساد.

وبدلاً من أن يستمع أنصار الرئيس المعزول إلى صوت الملايين، وأن يحللوا أسباب الثورة الشعبية ضد «حكم المرشد»، ويعملوا على إزالة هذه الأسباب من خلال عملية نقد ذاتى، وتغيير ومحاسبة القيادات التى ألحقت هذه الأضرار الجسيمة بالجماعة الإخوانية، والوطن بأسره، تشبثت القيادات الفاشلة بمواقعها، وتبنت سياسة صدامية انتحارية، باسم الدفاع عما تراه «شرعية» سرقت منها على يد ما تروج أنه «انقلاب عسكرى».

وهذه بطبيعة الحال تبريرات لا تقف على قدمين، وقد تم تفنيدها وتبيان حقيقة الأمر من قبل، ومع ذلك يتناسى أنصار الرئيس المعزول الحقائق الموضوعية التى أدت لقيام الثورة، ولا يتوقفون عن الحديث عن «الانقلاب العسكرى»، وليست المشكلة فى «الحديث»، فمن حق جماعة الإخوان أن تعبر عن رأيها السلبى تجاه ثورة أطاحت بحكمها، وإنما المشكلة أن الأمر خرج عن حدود التعبير السلمى عن الرأى إلى التورط المباشر وغير المباشر فى عمليات عنف، وبطبيعة الحال فإن دائرة العنف دائرة شريرة، حيث يولد العنف عنفاً مضاداً، وتقفز إلى دائرة الدم عناصر وفئات لم تكن على البال والخاطر، لكل منها مصالح خاصة، تعمل لحسابها حيناً وبالوكالة عن أطراف داخلية وخارجية أحياناً، خاصة مع دخول كميات رهيبة من السلاح إلى البلاد.

وتستطيع جماعة الإخوان المسلمين أن تتنصل من مسئوليتها عن هذا العنف، بل وأن تؤكد أنها ضحية له، وأن تتهم من تسميهم «الانقلابيين» بممارسة العنف ضدهم وضد مسيراتهم واعتصاماتهم، لكن كل هذه «المرافعات» تطعن فيها شواهد كثيرة، موثقة، تدل على أن بعض المسيرات والاعتصامات ليست سلمية فى كل الأحوال، وأن بعض المعتصمين والمتظاهرين ليسوا عزلاً دائماً، وأن بعض من يصعدون إلى منصة رابعة العدوية يلقون خطباً نارية، تذاع على الهواء، تحرض على العنف، كما تحرض على استهداف الجيش والعمل على تقسيمه وتشجيع ضباطه وجنوده على التمرد.

ناهيك عن الحرب الدائرة فى سيناء، والتى تشنها عناصر تسمى نفسها «سلفية جهادية»، ضد الجيش والشرطة، وهى حرب قال أحد أبرز القياديين الإخوان إنها لن تتوقف إلا بإعادة محمد مرسى إلى قصر الاتحادية، وبصرف النظر عن تبادل الاتهامات حول من يستخدم العنف، فإن المؤكد أن هناك دماء مصرية تراق، وأن كل الدم المصرى حرام، سواء كان هذا دماً مؤيداً لمرسى أو معارضاً له، رغم أن بعض الأصوات الكريهة تصر على رفع شعارات تميز بين هذا وذاك بذريعة «أن قتلانا فى الجنة وقتلاهم فى النار»، و«إما نحن أو هم»!

ولذلك أكد من تبقى من عقلاء فى هذا البلد ضرورة حقن الدماء، كل الدماء، وهذا لن يتحقق بأسلوب أمنى فقط، وإنما بإرادة سياسية فى المقام الأول، من خلال الإسراع بتحقيق العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية معاً، وفى الوقت الذى يجرى فيه النضال من أجل تحويل هذه الكلمات إلى واقع، تفاجئنا جحافل الإرهاب بتفجير المنصوره الجبان، الذى يمثل نقطة تحول يجب أن ننتبه إليها جميعاً – سواء المؤيدين للثورة أو المناوئين لها - لأنها يمكن أن تكون نذير شؤم باستنساخ النموذج العراقى، وأساليب تنظيم «القاعدة»، وهذه بذرة مدمرة يجب اجتثاثها من البداية.

وحسناً فعل مرشد جماعة الإخوان، الدكتور محمد بديع، الذى سارع بإصدار بيان يندد فيه بالتفجير الذى وقع فى مدينة المنصورة، لكن الأمر يتطلب، منه ومن غيره، ما هو أكثر من بيانات الشجب والاستنكار، والبحث بنزاهة عن الأطراف والسياسات المسئولة عن خلق المناخ المواتى للإرهاب والبيئة الحاضنة للإرهابيين، لكن المؤكد هو أن المنصوره التى أذلت الغزوة الفرنسية وأسرت لويس التاسع ستكون مقبرة للإرهابيين، أى كانت انتماءاتهم وجنسياتهم