رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

كروت ترامب الخفية لإسقاط «حُكم الملالي»

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

حجر كبير أُلقى فى مياه راكدة بعد إعلان محامى الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، وجود نية والتزام لدى الأخير بالإطاحة بالنظام الحاكم فى إيران، وتحرير البلاد من قبضة «الملالى».
ويحاول خبراء السياسة والأمن تحليل تبعيات تلك النية، ومعرفة مدى جديتها لدى الإدارة الأمريكية، حيث سيترتب على تلك الخطة تغيير كبير من المقرر أن يحدث فى المنطقة العربية، وسيؤثر بشكل كبير فى طبيعة الصراع فى الشرق الأوسط.
ويسعى الخبراء لمعرفة ما إذا كان الرئيس الأمريكى ينوى شن حرب عسكرية على نظام إيران، أو سيتبنى وسائل أخرى غير مباشرة للإطاحة بالنظام، كما لوّحت صحيفة «واشنطن بوست» بأن أول إجراءات واشنطن ضد طهران ستكون نقض الاتفاق النووى المبرم بين البلدين.
ولم يحاول ترامب إخفاء نواياه تلك عن الإعلام، بل تحدّى صراحة فى تدوينة على صفحته بـ«تويتر»، وأعلن تضامنه مع الإيرانيين الذين خرجوا إلى الشوارع فى وقت سابق من العام الجارى، للاحتجاج على سياسات الحكومة الحالية فى طهران.


«مجاهدى خلق» ورقة واشنطن لخلخلة النظام.. وتسريب معلومات عن المواقع النووية
خطة ترامب لتغيير نظام الحكم فى إيران تتكشف خيوطها من خلال تصريحات عمدة نيويورك السابق رودى جوليانى، أمام مؤتمر المعارضة الإيرانية فى واشنطن، حيث قال إن ترامب تحدث علنًا عن رغبته فى تغيير نظام الحكم فى إيران، والانسحاب من الاتفاق النووى.
ولا بد أن ترامب يُعلق آمالًا على المعارضة الإيرانية التى تحظى حاليًا ببعض نقاط القوة، حيث قال وزير الطاقة الأمريكى السابق والحاکم السابق لولایة نیومکسیکو «بيل ريتشاردسون»، فى كلمته أمام المؤتمر، إنه يجب دعم الانتفاضة الإیرانیة، ورغبة الشعب الإیرانی فى إقامة دولة حرة ديمقراطية، تعيش فى سلام مع جيرانها.
وأكد ريتشاردسون، أن وقت التغيير قد حان، كما أعربت إيليانا رزلهتنن، عضو الكونجرس الأمريكى، عن دعمها للمؤتمر، وقالت للمعارضة: «إنكم تمثلون صوت الشعب الإيرانى، أولئك الذين يتظاهرون فى شوارع المدن الإيرانية».
فى حين أكد إليوت أنجل، عضو الكونجرس الأمريكى، أن هناك داعمين فى الكونجرس للمعارضة الإيرانية، وقال: «إنهم يريدون العمل على إحقاق السلام والاستقرار فى إيران».
مؤتمر المعارضة الإيرانية الذى حمل عنوان: «تحرير إيران من أجل حقوق الإنسان والديمقراطية»، وضم ممثلين من منظمة «مجاهدى خلق» والمجلس الوطنى للمقاومة الايرانية- ليس الفعالية الوحيدة التى يمكن من خلالها قراءة توجهات الإدارة الأمريكية.
ويعزز ذلك، صعود جون بولتون كمستشار للأمن القومى الأمريكى، حيث منح قبلة الحياة لمنظمة «مجاهدى خلق»، لأن وجوده ببساطة يمثل فرصة ذهبية للمنظمة، لتأكيد نفسها كلاعب محورى فى السياسة الأمريكية، وهو ما أعرب عنه مساعد فى الكونجرس للسياسة الخارجية، قائلًا إن «بولتون يميل إلى مجاهدى خلق، وستستطيع الجماعة الوصول إلى البيت الأبيض على الأقل».
وتتجلّى علاقة ميول بلتون، الوطيدة مع المنظمة الإيرانية المعارضة، حيث يلتقى بشكل شبه دائم بزعيمتها مريم رجوى، ويحرص على حضور فعاليتها بانتظام، كما شارك العام الماضى فى مؤتمرها السنوى الذى عُقد فى باريس، وألقى خطابًا حادًا، قال فيه إن «النظام الإيرانى لن يرى عامه الـ٤٠، وقبل حلول عام ٢٠١٩ سيحتفل مع مجاهدى خلق فى طهران بإسقاط النظام»، كما انضم فى مارس من العام الماضى، لتجمع لأنصار المنظمة فى ألبانيا بمناسبة عيد النيروز.
المحاولات الأمريكية لجمع شتات المعارضة الإيرانية، تحسبًا لأى حراك قادم تجاه إيران، تتضح أيضًا من خلال زيادة الدعم المالى للمنظمة، حيث عقد الكونجرس لقاءات مستمرة مع أعضاء «مجاهدى خلق»، تضمن أحدها كلمة مسجلة لزعيمة المنظمة مريم رجوى من منزلها فى فرنسا.
ويتزامن ذلك مع ما كشفه إيدى كوهين، الإعلامى الإسرائيلى والأكاديمى فى «معهد بيجين - سادات»، نقلًا عما وصفه بالمصادر الاستخباراتية، بأن الولايات المتحدة ستقود تحالفًا أمميًا، وبمشاركة إسلامية وعربية لإسقاط نظام الملالى، ولتحرير إيران وجعلها دولة ديمقراطية، تحكم ذاتها بانتخابات نزيهة متناغمة مع أمم العالم.
وكانت «مجاهدى خلق» التى يتزعمها مسعود رجوى أول من كشفت فى عام ٢٠٠٢ عن وجود منشأة لإنتاج الوقود النووى فى إيران، كما سربت فى عام ٢٠٠٨ معلومات حول المنشآت السرية بالبرنامج النووى، من بينها موقع «فوردو».
واضطلعت «مجاهدى خلق» بدور رئيسى فى حصول الموساد على ٥٥ ألف وثيقة سرية متعلقة بالبرنامج النووى.
فى كل الأحوال تبدو «مجاهدو خلق» بديلًا سياسيًا ملائمًا، حيث تعد من أقوى حركات المعارضة الإيرانية، ولها إطار تنظيمى كما ترتبط بشبكة واسعة من العلاقات فى الخارج، وخاصة مع الدول الأوروبية.
تواصلت ضغوط الأطراف الدولية المشاركة فى الاتفاق النووى الإيرانى على الرئيس الأمريكى، دونالد ترامب، لحثه على عدم الانسحاب من الاتفاق. وناشد وزير الخارجية البريطانى، بوريس جونسون، ترامب ألا يقرر إنهاء الاتفاق النووى الإيرانى، مؤكدًا فى مقال نشرته صحيفة «نيويورك تايمز» أن «الاتفاق به نقاط ضعف بالتأكيد، لكننى مقتنع أنه بالإمكان إصلاحها».
وبدأ جونسون زيارة تستمر يومين للولايات المتحدة، أمس الأول الأحد، فى محاولة لإقناع إدارة ترامب بعدم التخلى عن الاتفاق.
وفى سياق متصل، قالت صحيفة «بوسطن جالوب»، إن وزير خارجية أوباما، جون كيرى، منخرط فى اتصالات مكثفة مع الأطراف الدولية المشاركة بالاتفاق، للضغط على ترمب ومنعه من الانسحاب من الصفقة، الأسبوع المقبل.

استغلال «قضية الأحواز» وطوائف العرب والتركمان لصناعة انفصال داخلى
الداخل الإيرانى يبدو مهيأً أيضًا، لاستقبال الرسائل الأمريكية، لتصفية الملالى، إذ تحمل بنية النظام عوامل انهياره، وانكسار جدار التقديس، وحواجز الخوف، وتفتح ممرات الثورة.
فالإيرانيون باتوا يدركون أنه رغم تصاعد الخلافات بين التيار الأصولى المحافظ بقيادة خامنئى، والتيار المعتدل بقيادة روحانى، فإن كل طرف يعمل على ترجيح مصالحه الذاتية، بغض النظر عن المصلحة الوطنية وحياة المواطن.
عجز الدولة عن التعاطى مع ملف الحركات العرقية، ومحاولة احتوائها يمثل نقطة ضعف محورية بالأمن القومى الإيرانى، وأحد المؤشرات الدالة على تداعى نظام الملالى، إذ تضم الفسيفساء العرقية مزيجًا فريدًا من قوميات عدة غير فارسية، أهمها الترك، والكرد، والعرب، والتركمان، واللور، والجيلان، ويشكلون نحو ٦٠٪ من سكان إيران.
الحراك الانفصالى الداخلى، واتساع رقعة المعارضة فى الخارج، المتمثلة فى حركة «مجاهدى خلق»، قد يؤدى حال ترتيب الأوراق والتنسيق بينهم إلى تحريك الشعب وانهيار الدولة الخمينية.
السعى الدائم للتمدد ومحاولات الانتشار، رفع ميزانية الإنفاق الإيرانى على ميليشياته وأذرعه الخارجية، إلى ٣٠ بليون دولار سنويًا.
فالتمويلات المتزايدة للجماعات المسلحة أرهقت خزانة الدولة والمظلات الدعائية، أَضحت كالزبد فوق أمواج الفقر والبطالة، وبينما تحيط أكواخ الصفيح بالعاصمة طهران، يسيطر قادة الحرس الثورى على حوالى ثلث الاقتصاد، ويملك رجال الدين الذين يمسكون زمام السلطة، ثروات طائلة قدرتها بعض المصادر بأكثر من ٩٠٠ مليار دولار، ويحصل الحرس الثورى الإيرانى على أكثر من ١٢ مليار دولار سنويا.
التضخم الحاد بثروات رجال السلطة، يقابله على الشاطى الآخر، تردٍّ بالأوضاع المعيشية للسكان، يثير المزيد من سحب الدخان، فحسب تقديرات الحكومة فإن نحو ١٥ مليون شخص بواقع ٤٠٪ من الشعب الإيرانى يقبع تحت خط الفقر المدقع، وما نسبته ٢٥٪ من الإيرانيين يسكنون فى بيوت من الصفيح، بسبب عدم استطاعتهم تأمين المال الكافى لدفع الإيجار.
سياسة ترامب الرامية لتغيير النظام فى إيران لاتتطلب شيئًا سوى إضافة المزيد من الوقود إلى منطقة مشتعلة أساسًا، فجموع الشعب ليس بوسعها احتمال المزيد من العقوبات الأمريكية، كما أن تشجيع المجموعات العرقية المختلفة فى البلاد على القيام بثورة ضد طهران عبر ضخ الأموال إلى جماعات بلوشية أو كردية سيُقوّى شوكتها لمناهضة النظام، وقد يكون إحدى الأدوات الناجعة للتخلص من الملالى.