رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الحاضر الغائب فى الساحة السياسية المصرية


هناك شرطة ومؤسسات ومسئولون يتعرضون للعدوان، وهناك مواطنون يتعرضون للتعذيب والسحل، ولا أعتقد أن أياً منهم سياسة مقصودة، وإن كنت أتهم الرئاسة بأنها غضت الطرف عن مخالفات القانون حينما تعرضت أقسام الشرطة للهجوم والإحراق.

تعج الساحة السياسية المصرية بالحاضرين سواء فى الميادين، أو فى القنوات التليفزيونية، أو على صفحات الصحف، أو على أبواب الاتحادية، لكنى رغم كل ذلك أشعر بغياب كبير للقانون، حيث يصعب أن نجد احتراما للقانون، فالاعتصام مخالف للقانون، والتظاهر ليس وفقا للقانون، والعمل بقانون الطوارئ غير محترم، وقرار حظر التجول غير محترم، وأمن الفنادق والسياحة غير محترم، وقصر الاتحادية غير محترم، وقسم الشرطة غير محترم، والمحكمة الدستورية غير محترمة، والإعلام ممثلا فى مدينة الإنتاج الإعلامى غير محترم، والسفارات الأجنبية فى قصر الدوبارة وحول ميدان سيمون بوليفار غير محترمة، وكرامة الإنسان غير محترمة.

والسادة المعارضون يطالبون فيما يطالبون بمحاكمة رئيس الجمهورية ووزير الداخلية، وهم يتناسون أن القانون يحدد أساليب للتعامل مع المتهمين سواء كانوا مسئولين أم من غير المسئولين، ولست مدافعا عن رئيس الجمهورية أو المرشد أو جماعة الإخوان المسلمين، لدرجة الترحم على أيام الرئيس السابق رغم ما أصابها من عوار، بل إنى أعتبرهم قد فشلوا فى قيادة البلاد وإدارتها، وأنهم أوصلوا البلاد إلى وضع يتطلب إعادة البناء من جديد، بل وإن الوضع بموجب سياستهم أصبح أسوأ مما كان عليه فى أيام رئاسة حسنى مبارك.

هناك شرطة ومؤسسات ومسئولون يتعرضون للعدوان، وهناك مواطنون يتعرضون للتعذيب والسحل، ولا أعتقد أن أياً منهم سياسة مقصودة، وإن كنت أتهم الرئاسة بأنها غضت الطرف عن مخالفات القانون حينما تعرضت أقسام الشرطة للهجوم والإحراق، وحينما تعرضت رئاسة مجلس الوزراء ومحيط وزارة الداخلية وشارع محمد محمود، ووزارة الدفاع للهجوم، وتم إحراق منشآت، وبعضها ما زال بشكله المحترق كما لو كان تذكارا لما حدث فيها، لكن الأغرب أن نرى هذا يتكرر لنجد من يريدون إزالة الجدار الأسمنتى، ومن يتجمع عند كوبرى قصر النيل، ومن يهاجم، بل وينهب فندق سميراميس وكأن لدينا فائضا من السياح نسعى إلى تطفيشهم. ولا أستطيع أن أخلى الدولة ممثلة فى مؤسسة الرئاسة، وفى وزارة الداخلية ثم القوات المسلحة التى كان يجب أن تسعى إلى الحفاظ على هيبة الدولة من المسئولية. إن غياب القانون عن الشارع مسئولية كل مصرى ولكن ليس بدرجة واحدة فالمسئولية هى على قدر السلطة، وبالتالى فإن المسئولية الكبرى مسئولية رئيس الجمهورية ويليه باقى المسئولين كل حسب سلطته.

لكن هذا لا يعفى الشعب من المسئولية، فيبدو أن البعض قد نسى أو تناسى أن أفراد الشرطة والأمن سواء ضباطا، أو جنودا أو موظفين هم من أبناء هذا الشعب وهم لهم حقهم فى هذا البلد، ومن حقهم أن يدافعوا عن أنفسهم، كما أن الخسائر جميعها من الشعب ومن الشرطة هى خسارة مصرية فى النهاية، كما لو كنا قد نسينا أن القانون إنما وضع لحماية الشعب من أعدائه سواء كانوا يحملون الجنسية المصرية أو يحملون جنسية أخرى، سواء كانوا من العاملين بالشرطة، أو من العاملين المدنيين، أو غيرهم.

هل أعفى الشرطة من المسئولية للحفاظ على هيبة الدولة، أو أدعو إلى التجاوز عن أخطائهم. بالطبع لا، حيث إن الدعوة إلى حضور القانون تعنى أن يكون القانون معيارا لقياس أى تصرف، بغض النظر عن موقع من يقوم به، فالقانون يحدد كيفية التعامل فى كل حال، وهو يحدد حالة يسميها الدفاع الشرعى عن النفس، وهى حال تعفى صاحبها من العقاب، حتى ولو كان قد قتل شخصا فى مجال دفاعه عن نفسه، ولكن الوصول إلى هذه الحال يمر بدرجات أخرى مثل تجاوز حدود الدفاع عن النفس، وقبلها القتل الخطأ، وضرب أفضى إلى موت، وهى درجات توفر جزءا من المعذرة لمن يقوم باستخدام العنف، وهو ما فسر كثيرا من أحكام صدرت لصالح عاملين بالشرطة والأمن خلال يناير 2011 وما بعده، ويمكن أن تكون كذلك لإعفاء مدنى كان يدافع عن نفسه فى مواجهة رجل أمن.

رغم ما سبق فقد يواجه المرء موقفا يرى فيه أن القانون ليس رادعا بشكل كاف لمن يرتكب الجريمة بالمخالفة للقانون، وهو ما يرى البعض أنه مخالف لروح الثورة، ويطالب بمحاكم ثورة، وأود بداية أن أقول إنه ليس من المناسب العودة إلى قوانين ومحاكم استثنائية فهى يمكن أن تطال نفس من يطالب بها، فالمشكلة أن هذه القوانين والمحاكم لا تربطها قاعدة، ولا تخضع للمراجعة الكافية قبل إصدارها، إضافة إلى أنها تعاقب على أفعال لم تكن تعتبر جرائم حين قام بها الشخص، فى حين أن الثورة لا يمكن أن تكون تدعو إلى الظلم أو معاقبة أبرياء، وربما أذكر بأن غالبية الذين صدرت ضدهم أحكام من المحاكم الاستثنائية التى شكلتها ثورة 23 يوليو قد صدر قرار بالعفو عنهم، واستأنفوا حياتهم الطبيعية إيمانا بضرورة منحهم فرصة للانضمام إلى الشعب الثائر، وأن هؤلاء هم فى النهاية جزء من الشعب المصرى.

إذن فإن الحل فى حال عدم الرضا عن القانون، هو المطالبة بتعديل القانون، لكن تعديل القانون يمر عادة بخطوات بطيئة رغبة فى الوصول إلى أنسب صيغة، وهنا فإن البعض سيرى فى هذا البطء تسويفا وإفلاتا للمتهم من الحساب، ولا شك أن هناك بعض الحقيقة فى ذلك، لكن هذا لا يبرر محاولة العجلة، وعلينا أن نتحلى بالصبر، وأن ننتظر تعديل القانون، وأن نحترم القانون القائم حتى يتم تعديله، وحينئذ، وحينئذ فقط، تبدأ المحاسبة على الجرائم التى ارتكبت بالمخالفة له ابتداء من التعديل وليس قبله. وعموما فإن القانون قبل التعديل وبعده يجب أن يكون حاضرا وألا نتهاون فى تطبيقه بكل حزم، حيث إنه فى حال التجاوز عن المخالفة فإن هذا سيكون أولا على حساب من يلتزم بتنفيذ القانون، كما أنه سيكون مشجعا على استمرار مخالفة القانون، وبالتالى التحرك نحو انتشار الفوضى.

يذكرنى هذا بما صدر عن الرئاسة من إعفاء البعض من المحاسبة على ما قاموا به فى شارع محمد محمود أو مجلس الوزراء أو محيط وزارة الداخلية أو وزارة الدفاع أو غيرها فى وقت سابق، وهنا فإن من يصدر مثل هذا القرار يساهم بطريق مباشر أو غير مباشر عن قصد وإدراك أو دون ذلك فى هدم الدولة وإشاعة الفوضى، وهناك فرق كبير بين العفو عن الجريمة والعفو عن استكمال تنفيذ العقوبة، أى السماح بالإفراج عن مرتكب الجريمة قبل نهاية فترة الحبس وتقييد الحرية. فلابد من إدانة الجريمة ومخالفة القوانين، ولكن يمكن لمن يسلك سلوكا جيدا أثناء توقيع العقوبة وقضاء فترة الحبس أن يفرج عنه قبل استكمال مدة العقوبة، ووفقا للقانون. وهذا طبعا يختلف عن تكريم مرتكب الجريمة وهو ما حدث فى أحوال كثيرة، لا أريد أن أقلب المواجع، لكن هذا لا يجوز أن نتجاوز عنه، وإذا كان هناك شعور بأنه قد ظلم يمكن إعادة المحاكمة لإثبات البراءة ورد الاعتبار.

■ خبير استراتيجى