رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

من هو وزير الداخلية القادم؟


أظن أنه من الضرورى أن يعطى وزير الداخلية، أى وزير داخلية، زمناً كافياً ليعيد ترتيب وزارته، وفقاً لأهداف يتفق عليها بينه وبين رئيس الجمهورية ورئيس الوزارة وبناء على خطة يضعها ويعرضها على الاثنين وبحضور وتعاون باقى الأجهزة المعاونة مثل وزارة الدفاع والمخابرات العامة والاقتصاد ووزارة الخارجية.

لا شك أن الكثيرين قد فوجئوا باسم وزير الداخلية السابق اللواء جمال الدين ضمن التغييرات التى حدثت فى وزارة الدكتور هشام قنديل، حيث كان من المتوقع أن يتغير وزراء بالذات سواء لاستقالتهم، أو لغيابهم أصلاً، أو لشعور طاغ بفشل هؤلاء الوزراء. والحقيقة أن الوزراء فى بلدنا عموماً يعملون فى مناخ يكاد يلغى فرصة أن يحققوا إنجازاً، بل إن مجرد قبول الوزراء فى المناخ الحالى للوزارة أمر يستدعى الدهشة والتعجب، فكيف لشخص أن يقبل بتولى الوزارة معروف مقدماً أنها مكلفة مسبقاً بإجراء انتخابات فى خلال فترة قصيرة للغاية، وأن هذه الانتخابات لابد أن تأتى بآخرين غير الذين فى الوزارة، ربما باستثناء المنتمين إلى جماعة الإخوان المسلمين وحزب «الحرية والعدالة»، وأن الفترة المتيسرة لأى وزير لا يمكن أن تسمح له بتحقيق إنجاز، وأن أقصى ما يطمع فى تحقيقه هو تحقيق نوع من الاستقرار وإطفاء الحرائق التى تشتعل. لذا فإننى فى الحقيقة أتعجب لقبول شخص عاقل تولى منصب الوزارة فى هذا المناخ وهذه الظروف، وفى نفس الوقت لا أستطيع أن أتهم من قبلوا الوزارة كلهم بالجنون أو البلاهة.

لكن وزارة الداخلية هى إحدى الوزارات الخاصة التى تعتبر إحدى الدعامات الرئيسية لأى نظام، ونلاحظ أنه قبل ثورة 1952 كان وزير الداخلية أحياناً هو نفسه رئيس الوزراء أو أنه نائبه أو أنه من أهم وأخطر أعضاء الحزب الحاكم، وبعد ثورة يوليو 1952 تولى وزارة الداخلية جمال عبد الناصر قائد الثورة الحقيقى، ثم زكريا محيى الدين وهو أقدم أعضاء مجلس قيادة الثورة، وكان قد تولى قبلها إدارة المخابرات وشكل المخابرات العامة على نحو يضاهى أعرق وأقوى أجهزة المخابرات فى السى أى إيه الأمريكية والكيه جى بى السوفييتية وإم آى 6 البريطانية، ثم تولى الوزارة السيد شعراوى جمعة، وكان له وضعه الخاص فى الاتحاد الاشتراكى، وكان قد عمل فى المخابرات العامة قبل ذلك، وانتقلت وزارة الداخلية بعده وبعد 15 مايو 1971 إلى ضباط الشرطة، ومنذ ذلك التاريخ استمر اختيار وزراء الداخلية من ضباط الشرطة المتقاعدين ثم العاملين، وكان اختيار وزير الداخلية دائماً موضع اهتمام رئيس الجمهورية، ولكن فى أغلب الأحوال كان وزير الداخلية موضع اهتمام الكل، كما أن تغيير الوزير كان محدوداً.

وعلى مستوى الوطن العربى كان دائماً موضع سخرية وتهكم المثقفين العرب أن أكثر أجهزة ومؤتمرات الجامعة العربية انتظاماً وانضباطاً هو اجتماع وزراء الداخلية العرب، وانقلبت السخرية لا من اجتماعات باقى الوزراء التى لا تنتظم ولا تنضبط، إلى اجتماعات وزراء الداخلية التى وصفت بالانتظام والانضباط، وأعتقد أن هذا الانتظام الذى كان موضع السخرية والتهكم لم يعد قائماً، حيث لم يعد أحد يعرف من هو وزير الداخلية فى أغلب الدول العربية، وبدلاً من التهكم أصبحنا نتحسر على زمن كانت الأمور فيه مستقرة وكان الأمن فيه شبه مستتب، وبدلا مما كنا ننتقد أن وزير الداخلية قد طال بقاؤه فى منصبه أكثر مما يجب، أصبحنا لا نعرف من سيكون وزير الداخلية باكراً، مما يعنى فى الحقيقة أننا لا نعرف على وجه الدقة ما نريده، خاصة إذا ما وضعنا فى الاعتبار ما نشر على لسان الوزير السابق جمال الدين من تفسير لما حدث من تغيير وزير الداخلية.

أظن أنه من الضرورى أن يعطى وزير الداخلية، أى وزير داخلية، زمناً كافياً ليعيد ترتيب وزارته، وفقاً لأهداف يتفق عليها بينه وبين رئيس الجمهورية ورئيس الوزارة وبناء على خطة يضعها ويعرضها على الاثنين وبحضور وتعاون باقى الأجهزة المعاونة مثل وزارة الدفاع والمخابرات العامة والاقتصاد ووزارة الخارجية. فإذا اتفق على الخطة فيجب أن يمنح مهلة زمنية لتنفيذها فى حدود القانون، ويمكن متابعة التنفيذ بالمراقبة عن بعد، ولكن تغيير الوزير يجب أن يتم بمعايير محددة، كما يجب أن يتوقف الأسلوب الحالى فى إقالة المسئولين أو تغييرهم بأسلوب عشوائى يضر أكثر مما ينفع، وأظن أن فترة سنة تعتبر حداً أدنى مقبولاً يجب ألا تقل عنها المهلة إلا فى حال الضرورة القصوى والتى تنذر بكارثة لا يمكن تفاديها، كما لا بد من أن يوضع فى الاعتبار أن الوضع الاقتصادى المصرى لا يحتمل اهتزازاً جديداً، وأن هذا الاهتزاز سيكون متعلقاً بدرجة كبيرة باستمرار فى وزير الداخلية فى مكانه وباستقرار الأوضاع داخل وزارة الداخلية وتحقيق التعاون بينها بين باقى الأحهزة المساعدة والمعاونة.

وإذا كانت الأوضاع فى وزارة الداخلية مهمة وبقاء الوزير فى منصبه له معاييره، فإن أسلوب اتخاذ القرار عموماً له أثره سواء فى الاستقرار فى وزارة الداخلية أو فى استقرار الأوضاع داخل البلاد، وهذا مرتبط بأسلوب اتخاذ القرار، ولقد كان هذا الأسلوب فى الفترة منذ تولى الدكتور محمد مرسى مسئولية رئاسة الجمهورية شاذاً وغير مقبول ويتسم بالارتباك وبتغير القرارات أحياناً باستمرار، وأحياناً بالعناد غير المبرر والذى يتسم بالتسرع فى التغيير لتحقيق السيطرة على الدولة والتمسك بمفاتيح السلطة. إن أسلوب اتخاذ القرار أحد عوامل الاستقرار فى أى بلد، واتخاذ القرار يحتاج إلى الاهتمام بجمع المعلومات واستشارة الأجهزة المختصة والتحسب لردود الفعل المتوقعة، والاستعداد لمواجهة عواقب اتخاذ القرار مع العمل على تخفيف وقع اتخاذ القرار على الفئات الفقيرة من الشعب، وفى الوقت نفسه فإن الأمن والاستقرار مرتبطان بتحقيق المساواة فى المعاملة بين أفراد الشعب، وخاصة من يعتبرون أنفسهم من تابعى وأعضاء التنظيم السياسى الغالب نتيجة للانتخابات، حيث لا يجوز اعتبارهم فوق القانون أو أن لهم مزايا خاصة فهذه أمور كفيلة بهدم دولة القانون التى هى أساس أى نظام يريد أن يستقر فى مكانه، وأن يحافظ على تأييد الشعب به، وليتذكر الجميع أن النظم القائمة على التنظيمات ذات الطابع الدينى قد تنجح فى إقناع الناس بانتخابهم نتيجة يأسهم من الباقى، لكن هذا لا يستمر طويلاً وسرعان ما ينكشف نتيجة فشله فى الاستجابة لمطالب فئات الشعب الكثيرة العدد، وأمامنا أمثلة كثيرة وتكفى نظرة إلى الوضع فى السودان، وفى إيران، وفى الصومال وفى تونس التى تعتبر توأم النظام المصرى سواء فى طريقة الوصول إلى السلطة أو حتى فى ترتيب ما يسمى بالربيع العربى، حيث يلاقى النظام صعوبة فى توفير مرتبات الموظفين.

إن كل ما سبق له تأثيره بالضرورة فى أمن مصر واستقرارها الذى يتعرض لأخطار خارجية وداخلية، وأظن أن ما تم الكشف عنه قريباً من تكديس لأسلحة ودعوات ذات طابع انفصالى واتباع أسلوب قطع الطرق وتعطيل المواصلات كأسلوب للضغط، ورفع علم للصعيد ودعوة انفصالية فى النوبة والتمرد والأسلحة فى سيناء ومحاولة تفجير كنيسة فى رفح كل ذلك يشكل خطورة كبيرة لا تتناسب مع التغيير المستمر فى شخص وزير الداخلية!

■ خبير استراتيجى