رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

"صراع الثعالب الأمريكية يشتعل".. تسريب صوتي لـ"جون كيري" يفضح تناقض واشنطن في ‏سوريا.. و"جاستا" زاد تناحر الإدارة المكتوم.. وخبراء: تعيش مرحلة المربع صفر

جريدة الدستور

يبدو أن الإدارة الأمريكية لم تعد على وفاق فيما بينها، بعدما بات الاختلاف سمة أساسية بين مؤسساتها في تعاملها العام مع الأزمات الداخلية والخارجية، فقد ظهر هذا الخلاف الشديد جليًا بين الرئيس الأمريكي باراك أوباما، ومجلس النواب حول قانون "جاستا"، لكنه ‏تأصل واتضح أكثر في التسجيل الصوتي الذي تم تسريبه، أمس السبت، لوزير الخارجية الأمريكي "جون ‏كيري".‏

تسريب كيري
التسريب الذي حصلت عليه صحيفة "نيويورك تايمز" وأذاعته، كان للقاء غير معلن بين "كيري" ‏ومجموعة من السوريين ممثلون عن 4 منظمات إنسانية في دمشق، كشفت فيه عن عمق الخلاف الذي دب بين الإدارة ‏الأمريكية والكونجرس، والتناقض الذي شاب موقفهما بشأن الأزمة السورية. ‏

في التسجيل الصوتي، ظهر صوت "كيري" وهو يقر خلال الاجتماع الذي عقد على هامش الجمعية العامة ‏للامم المتحدة في 22 سبتمبر الماضي، إنه فقد الحجة داخل إدارة الرئيس أوباما لدعم الجهود ‏الدبلوماسية لإنهاء إراقة الدماء في سوريا بسبب التهديد باستخدام القوة العسكرية.‏

التناقض ظهر جليًا في جملة وزير الخارجية حين قال: "أعتقد أن ما بين 3 إلى 4 أشخاص فى الإدارة ‏الأمريكية كانوا مع فكرة التدخل العسكرى لكننى فقدت الحجة، بعدما رفض الكونجرس حتى التصويت ‏للسماح بذلك"، وهو ما يوضح أن الكونجرس بات مخالفًا دائمًا للإدارة الأمريكية.

وتأكيدًا على ذلك، فقد أصيب السوريون المشاركين في الاجتماع بالإحباط من ‏اختلاف السياسة الأمريكية التي لا تنتهي، ووصلت إلى حد تعليقاتهم بإنهم شعروا بالخيانة من واشنطن، ‏وإنها لن تقدم أي جديد.‏

‏الأزمة السورية
وبشكل عام فإن التعامل الأمريكي مع الأزمة السورية اتسم منذ يومه الأول بالتناقض بين رجال الدولة ‏الواحدة، فعلى سبيل المثال، ترى وزارة الدفاع الأمريكية، أنه لا يمكن الاعتماد على المعارضة السورية الموصوفة بالمعتدلة في القضاء على "داعش"، لأنها متحالفة مع مع جبهة النصر في مناطق سيطرتها.

أما المخابرات الأمريكية فلها رؤية مغايرة عن هذه الاستراتيجية، حيث يقود الـ"سي آي أيه" قضية دعم ‏المعارضة السورية المسلحة الموصوفة بالمعتدلة، أي أن الاستخبارات الأمريكية تنظر إلى ‏التعاون بين جبهة النصرة وبعض فصائل المعارضة السورية ضروري للقضاء على داعش.

وفي يونيو الماضي، تحدث الأمريكي "ريك موران" الكاتب في موقع "أمريكان ثانكر"، عن أن سوريا ‏تشهد صراع بين المسلحين الذين تدعمهم المخابرات الأمريكية والمسلحين الذين يدعمهم البنتاجون، بالقرب ‏من حلب والحدود السورية التركية.‏

وأشار إلى أن شهر فبراير الماضي شهد اشتعالًا في القتال بين جماعة فرسان الحق المدعومة من "سي آي ‏أيه" في مدينة ماري وجماعة القوات الديمقراطية السورية التي يدعمها البنتاجون ، وهو ما علق ‏عليه عضو الكونجرس الديمقراطي "آدم شيف" بإن الصراعات بين الجماعات التي تدعمها أمريكا ظاهرة ‏جديدة، ووصفها بأنها لعبة شطرنج ثلاثية الأبعاد في أرض المعركة بسوريا.‏

قانون جاستا‏
قبل أيام من ذلك التسريب، شهدت واشنطن خلاف قوي بين إدارتها ومجلس نوابها، بسبب قانون "جاستا" ‏الشهير، الذي بمقتضاة تحاول أمريكا محاكمة الدول التي يثبت مشاركتها في تفجيرات 11 سبتمبر، ومن ‏بينهم السعودية التي اشترك نحو 15 من مواطنيها في تدبير الحادث.‏

البداية كانت مع تقديم المشروعون في المجلس قانون يقضي بمحاكمة الدول الراعية للإرهاب، وتصويت الكونجرس عليه والموافقة على ‏محاكمة السعودية في الأحداث، إلا أن "فيتو" أوباما كان مثارًا للجدل بسبب إتخاذه موقف مضاد لمجلس ‏النواب، الذي ضرب باعتراضه عرض الحائط وصوت للمرة الثانية برفضه وتمرير القانون.‏

جماعة الإخوان
تصطف تلك المشاهد إلى جانب الصراع المكتوم بين الإدارة الأمريكية حول مصير جماعة الإخوان، ففي ‏البداية كانت أمريكا داعمًا أساسيًا لها في الوطن العربي، وبخاصة مصر حتى بعد عزل الرئيس الأسبق محمد مرسي، ‏حتى أعد مجلس النواب الأمريكي مشروع قانون لاعتبارها إرهابية ليظهر خلاف جديد في السياسة الأمريكية.

وفي نفس الوقت كان للأخيرة موقفًا مختلفًا، بعدما جددت على لسان الخارجية رفضها اعتبار ‏الإخوان منظمة إرهابية، ردًا على دعوة المشرعين في الكونجرس آنذاك، مؤكدة أن موقف الإدارة ‏الأمريكية لن يسير وفقًا للكونجرس‎.‎

‎ ‎‏المربع الصفر
المرحلة التي تمر بها الإدارة الأمريكية تُعرف في عوالم السياسة بـ"المربع صفر"، أي الفشل على جميع الأصعدة، يكللها تجاذبات بين مؤسسات الدولة، تمهيدًا لطي تلك الصفحة قريبًا، وفقًا لخبراء الشان السياسية الذين أكدوا لـ"الدستور"، أن الإدارة الأمريكية تشهد تناحر غير مسبوق سينتهي بالولاية الجديدة.

اتساع الصراع
الدكتور طارق فهمي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، يرى أن الإدارة الأمريكية تكتب الصفحة ‏الأخيرة من عمرها بمجموعة من الأصفار، سواء على المستوى الداخلي أو الخارجي، فهي قبل أن تطوي ‏صفحتها تريد الظهور في شكل الدولة القوية أو المتماسكة على عكس الواقع.‏

ولفت إلى أنها تمر بمرحلة كبيرة من الصراع والتوتر الداخلي والتجاذب مع الكونجرس بشكل واضح، ‏نابعة من قرب انتهاء فترة رئاسة أوباما، التي تسير على سياسة المربع صفر، بالدوارن في حلقة مفرغة ‏من الأزمات والتوترات.‏

وأشار إلى أن مساحة الخلاف بين الإدارة الأمريكية والكونجرس زادت بشكل كبير بسبب اختلاف ‏الأولويات بينهم والمهام قبل رحيل الإدارة بأكلمها، لاسيما أن ليس أوباما فقط من سيرحل ولكن هناك ‏انتخابات التجديد النصفي ستلي الانتخابات الرئاسية، ‏وتجدد دماء الكونجرس بين الديمقراطيين والجمهوريين.

وأوضح أن الكونجرس يحاول أن يصحح أخطاء الإدارة الأمريكية التي عاشت في غيبوبة طوال السنوات ‏الماضية، ارتبكت وفشلت في التعامل والتعاطي في ملق الأزمة السورية، وشابها الاختلاف في تصنيف ‏المعارضة ما بين مسلحة ومعتدلة.‏

خلاف خفي
ويقول مختار غباشي، نائب رئيس مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتجية، إن ما يحدث داخل ‏أمريكا هو خلاف ضخم خفي نشب بين المؤسسات، لاسيما البيت الأبيض والكونجرس الأمريكي، رغم ‏وجود نحو 55 نائب في مجلس الشيوخ فقط من الديمقراطيين المؤيدين للرئيس الأمريكي.‏

ويضيف: "أن تصويت الأغلبية المفترض أنها مؤيدة لأوباما برفض "الفيتو" الخاص به، دليل على أن ‏مرحلة الخلاف باتت على أوجها، في ظل صورة يأخذها العالم عن واشنطن بأنها دولة مؤسسات قوية ‏ورائدة ومهيمنة، وما زاد الأمر سوءًا تراجع بعض النواب عن تصويتهم وإعلانهم الندم على القانون".‏

وعلى صعيد تسريب "كيري"، يرى "غباشي" أن أمريكا لديها أكثر من تعامل مع الأزمة السورية، ‏وتحتوي إدارتها على رؤى مختلفة اتضحت منذ اليوم الأول في تعاملها مع الأزمة السورية، مشيرًا إلى أن ‏فكرة التدخل العسكري لن تكون محل خلاف أمريكي، لأنها لن تتدخل نهائيًا لعدم وجود مصالح لها داخل ‏المشهد السوري مثل العراق.‏