رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

هم يتطورون.. ونحن نتفرج!


إن أهمية ما سبق من تطور القدرات الإسرائيلية وغيرها أن قلق إسرائيل من الصواريخ العربية قد يقل لدرجة أن يشجع إسرائيل على القيام بعدوان أكبر لم يمنعها منه إلا خوفها من الرد الصاروخى، بينما تعرف إيران أن قوتها الصاروخية هى بمثابة ضمانة لاستمرار قوتها.

لاشك أنه مما يغيظ المرء فى أغلب الأحوال أن يجد الأمم من حولنا تتقدم، بينما نحن فى أحسن الأحوال نتوقف حيث كنا منذ سنين، ويزيد الأمر صعوبة وغيظا أن يكون هذا فى مجال الدفاع والأمن. سواء فى سياسات الأمن، أو فى تكنولوجيا الأمن، وهما مرتبطان ببعضهما ارتباطا وثيقا.

قد مر علينا الأسبوع الأخير من شهر أكتوبر ونحن نشاهد من حولنا تطورات مهمة فى مجال الدفاع ولا أجد ما يقابلها عندنا، فمثلا نجد أن إيران تعلن عن أنها قد طورت طائرات دون طيار أكثر تقدما وتطورا من تلك الطائرة التى كان قد أطلقها حزب الله فى سماء فلسطين المحتلة والتى استمرت فى الجو فترة طويلة وقطعت مسافات كثيرة فوق فلسطين المحتلة وفوق البحر المتوسط، وحلقت فوق وقرب أهداف حساسة إلى أن أسقطتها طائرات العدو، واعترف الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله أن الطائرة صناعة إيرانية وتجميع لبنانى، وطبعا تشغيل لبنانى أيضا.

من جهة أخرى نجد أنه قد حدث انفجار كبير فى مصنع اليرموك للذخيرة فى السودان بالقرب من الخرطوم، واتهمت السودان إسرائيل بأنها هاجمت المصنع بأربع طائرات، أما السلطات الإسرائيلية فقد امتنعت عن التعليق على الخبر فلا هى أكدته، ولا هى نفته، وإذا كان لنا أن نحكم فلنا أولا أن نقول: صحيح أننا لا نملك دليلا ماديا على اشتراك إسرائيل ، ولكن من السهل أن نشير إليها بالاتهام، ليس فقط لأنها تملك التكنولوجيا، ولا لأنها سبق أن قامت بعمليات مشابهة فى السودان، ولكن لأنه ليست هناك دولة أخرى فى المنطقة لديها الدافع للقيام بعمل كهذا، وبالرغم من ذلك، فإنى أتمنى أن تجد حكومة السودان من بين بقايا ونتائج الانفجار ما يؤكد دور العدو الصهيونى فى قصف مصنع اليرموك، وأن تجد فى الوقت نفسه الوسائل لكى تؤمن منشآتها من العبث الإسرائيلى الذى يستهين يوما بعد يوم بكل القدرات العربية. وهنا لا بد أن نذكر أنه لكى تقوم طائرات إسرائيلية بقصف مصنع اليرموك فى السودان فإن هذه الطائرات فى أحسن الأحوال قد طارت فوق ميناء إيلات، ثم فوق خليج العقبة باعتبار أنه ممر مائى دولى وفوق مضيق تيران، ثم فوق البحر الأحمر حتى جنوب الحدود المصرية السودانية، لتدخل إلى الأراضى السودانية وتقصف المصنع، وهى وإن مرت فوق المياه الدولية فى أحسن الأحوال، إلا أنها كانت قرب الأجواء الإقليمية لكل من مصر والأردن والمملكة العربية السعودية، وأنه لو أن هناك تعاونا ما بين هذه الدول لأمكن إنذار الدفاع الجوى السودانى، وربما كان من الممكن تفادى الخسائر، أو بعضها على الأقل، أو على الأقل كان من الممكن اعتراض هذه الطائرات عند عودتها من نفس المسار تقريبا. وليس الأمر هنا هو أمن السودان فقط، فما حدث للسودان بالأمس يمكن أن يحدث لباقى الدول فى المستقبل.

من جهة ثالثة نجد أن أسطول الولايات المتحدة يجرب تكنولوجيا إسرائيلية من إنتاج « رافاييل» لصناعات الدفاع المتطورة الإسرائيلية متمثلة فى قوارب موجهة بالسيطرة عن بعد «الريموت كنترول» للاستخدام فى بعض المواجهات البحرية مع إيران، حيث هناك معلومات عن أن إيران اشترت عددا كبيرا من السفن الصغيرة ووضعت عليها أطقما من ضباط الحرس الثورى الإيرانى، وأن هذه السفن مقصود منها تعطيل أو مهاجمة أى حاملة طائرات تحاول أن تمر من مضيق هرمز. ووفقا لمعلومات استخبارات الأسطول الأمريكى فإن إيران ستستخدم هذه السفن بطريقة مماثلة لاستخدام اليابان لطيارى الكاميكازى فى الحرب العالمية الثانية. لذا فإن الأسطول الأمريكى يفكر فى شراء نظام «بروتكشن» «حماية» وهو قارب موجه عن بعد مطور بواسطة نظم الدفاع المتقدمة «رافائيل». ووفقا لتقارير أجنبية بدأ الأسطول الإسرائيلى فى استخدام قوارب روبوت وسلحها بصواريخ « سبايك» المضادة للدروع. وقد قام الأسطول الأمريكى بإطلاق النيران من مركبات موجهة من غير أفراد، وأجرى تجارب، ويقال إن التجارب كلها كانت دقيقة. ومن أهمية التجارب أن تدفع إلى تحديد تسليح القوارب ماركة « موزس» «موسى» أو بروتكشن. ويمكن استخدام هذه القوارب فى حماية الموانئ وعمليات دفاعية وسيناريوهات متعددة.

ولا يتوقف التطور عند السفن الموجهة وإنما هناك نظم الدفاع الصاروخى التى بدأت تحتل أسبقية أولى عند كل من الولايات المتحدة وإسرائيل والغرب عموما. وقد انعكس ذلك بصفة خاصة بالمناورات التى تجرى حاليا تحت عنوان «التحدى الصارم 12» «أوستير تشالنج» التى يقودها ضابط أمريكى برتبة فريق طيار كريج فرانكلين والتى جاء الجنرال جاك ديمبسى رئيس لجنة الأركان المشتركة الأمريكية للإشراف عليها، وزار تل أبيب ووزير الدفاع الصهيونى، وكما هو معلوم فإن هذه المناورات المشتركة ستستمر نحو ثلاثة اسابيع، وأن هذه المناورات التى وصفت بأنها أكبر مناورات مشتركة للدفاع المضادة للصواريخ، وأنها جرى التخطيط لها منذ عامين، ويشارك فيها نحو ثلاثة آلاف وخمسمائة جندى أمريكى ونحو ألف فرد من إسرائيل، يتمركز نحو ألف منهم فى فلسطين المحتلة، بينما يتمركز الباقى فى أوروبا والبحر المتوسط ويقود المناورات سفينة طراد من طراز «إيجيس» وهى طراد مضاد للصواريخ ولديه قدرات قيادية، والتى تتمركز فى قاعدة الأسطول الصهيونى فى حيفا شمال فلسطين المحتلة. ويجرى التدريب على استخدام أنواع مختلفة من أسلحة الدفاع المضاد للصواريخ، منظومة « القبة الحديدية» الإسرائيلية، ونظام «أرو» المضاد للصواريخ البالستية الإسرائيلى الصنع إلى جانب النسخة الأخيرة من نظام «باتريوت» الأمريكى التصميم والصنع والذى له قدرات مضادة للصواريخ ويتوافر لدى كل من الولايات المتحدة وإسرائيل.

وتفترض المناورة احتمال أن تنهمر الصواريخ المختلفة من كل من إيران وسوريا ولبنان وقطاع غزة فى وقت واحد، وتحاول أن تجد حلولا لمثل هذا الافتراض، وتنفى قيادات المناورة ربط المناورات بأى أحداث جارية، وتؤكد أنها سابقة التخطيط بما يبعدها عن أى أحداث جديدة وقد أكد البريجادير جنرال نيتزان نوريل الذى يقود الجانب الإسرائيلى فى المناورة ذلك ويقول إن إسرائيل حددت برنامجا ناجحا لاعتراض كل الصواريخ القادمة لتقليل الدمار الناجم عن البنية التحتية الإسرائيلية، بينما يقول الجنرال كريج أن الغرض من التدريب ليس إرسال الرسائل ولكن أن تثبت قدرة إسرائيل على الدفاع المضاد للصواريخ.

إن أهمية ما سبق من تطور القدرات الإسرائيلية وغيرها أن قلق إسرائيل من الصواريخ العربية قد يقل لدرجة أن يشجع إسرائيل على القيام بعدوان أكبر لم يمنعها منه إلا خوفها من الرد الصاروخى، بينما تعرف إيران أن قوتها الصاروخية هى بمثابة ضمانة لاستمرار قوتها. لكن تتبقى ملاحظة أن القوى الأخرى تطور نفسها، فماذا تفعل مصر؟ وماذا تفعل الأمة العربية؟ وهل نحن على الطريق؟!!

■ خبير استراتيجى