رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

دلالات البيان العملى.. ولكن!


هنا لابد من أن نتذكر أولاً أهالى شبه جزيرة سيناء والضفة الشرقية للقناة، ولكننا نتذكر أيضا هيئة قناة السويس، وموانئ بورسعيد والسويس، ومنابع البترول فى سيناء والمنشآت البترولية فى السويس وحولها، ونتذكر خبرتهم وذكرى فترات الاحتلال، ثم المناطق والمنشآت الصناعية فى كل من سيناء والقناة وهى لا تمتلك خبرة سابقة فى هذا المجال. ماذا نحن فاعلون؟ هذا هو السؤال!

أما منطقة القناة، فهم أغلى ما لدينا فى هذه المنطقة، وقد سبق أن عانوا من فترة احتلال إسرائيل لسيناء وسط الجدال الدائر حول النزاع بين مؤسسة الرئاسة والمؤسسات القانونية لاحظت تقريراً عن أن رئيس الجمهورية حضر بيانا عمليا لاقتحام وعبور قناة السويس نفذته وحدات من القوات المسلحة، وأن البيان حضره إلى جانب رئيس الجمهورية كل من وزير الدفاع والإنتاج الحربى الفريق أول عبدالفتاح السيسى، كذا الفريق صدقى صبحى ــ رئيس أركان حرب القوات المسلحة ــ وقادة الأفرع الرئيسية وكبار قادة القوات المسلحة، ومن الطبيعى أن كان من بين الحاضرين قائد وكبار ضباط الجيش الثالث الميدانى باعتبار أنه التشكيل التعبوى المنظم للبيان العملى، وقيل إن هذا البيان العملى يأتى فى إطار احتفالات مصر والقوات المسلحة بالذكرى التاسعة والثلاثين لانتصارات أكتوبر المجيدة.

كذلك فقد أفادت التقارير بأن البيان العملى قد بدأت مراحله بعرض الخصائص الفنية للمركبات والمعدات المشاركة فى العبور وإعداد وتجهيز الوحدات المشاركة لاقتحام وعبور القوات للمانع المائى لقناة السويس باستخدام الوسائل الذاتية للمركبات وناقلات الجنود المدرعة للوصول إلى الضفة الشرقية للقناة وتأمين رأس كوبرى لعبور القوة الرئيسية وتنفيذ أعمال الإصلاح والنجدة والإخلاء للمركبات أثناء العبور.

وفى تفاصيل البيان ذكرت الصحف أن عناصر المهندسين العسكريين بالجيش الثالث الميدانى قامت بفتح كبارى المواصلات وكبارى الاقتحام سريعة الإنشاء باعتبارها من الوسائل الرئيسية لعبور القوات الميكانيكية والمدرعة وباقى الأسلحة المعاونة لما تحققه من معدلات تدفق عالية وذلك تحت ستر عناصر من القوات الجوية ووسائل وأسلحة الدفاع الجوى والمدفعية التى قامت بتأمين العبور لاكتمال تنفيذ باقى المهام القتالية المخططة فى ظل النشاط المكثف للعدو الجوى والإلكترونى واستخدامه للغازات الحربية والمواد الحارقة.

عادة ما أهتم بأخبار عناصر تدريب القوات المقاتلة سواء كانت قواتنا المقاتلة أو قوات دول أخرى باعتبار أن موضوعات وعناصر التدريب تعكس تصورات القيادة التى خططت التدريب لأنواع وصور القتال التى يمكن أن تخوضها، فليست هناك قوات تتدرب من أجل التدريب فقط، وإنما التدريب من أجل الاستعداد القتالى، بل إن التدريب يكاد يقتصر فقط على كل ما هو ضرورى للحرب، وكثيرا ما أتذكر أننا لم نكن نتدرب على اقتحام الموانع المائية قبل الحرب عام 1967 حيث لم يكن من المتوقع أن نضطر إلى اقتحام موانع مائية سواء كانت هذه الموانع هى نهر النيل أو أفرعه أو قنواته أو قناة السويس.

كذلك فإننا لم نكن نتدرب على القتال فى المناطق الجبلية قبل الانتقال إلى اليمن للقتال هناك عام 1962، ولم نتدرب لا على القتال فى المدن أو فى المناطق الجليدية. هنا يصبح موضوع التدريب وعناصره دالا على توقعات قيادة القوات المسلحة لطبيعة الحرب المقبلة أو المحتملة واحتمالات استخدام الدولة وقيادة القوات المسلحة لعناصر القوات المسلحة، أى أن موضوعات وعناصر تدريب الوحدات تختلف باختلاف نوع الوحدات والتشكيلات ومكانها المحتمل فى تشكيل قتال الوحدة أو التشكيل. كذلك فإن موضوع التدريب يشير إلى تصور القيادة العامة للقوات المسلحة للظروف المحتملة أو المتوقعة التى قد تسود عند بدء القتال، هكذا فإن النص الذى ورد عن ستر القوات الجوية ووسائل وأسلحة الدفاع الجوى والمدفعية التى تؤمن العبور، وعن ظل النشاط المكثف للعدو الجوى والإلكترونى واستخدامه للغازات الحربية والمواد الحارقة هو انعكاس لتصور الظروف التى يمكن للوحدات أن تخوض فى ظلها الصراع المسلح.

على ضوء ما سبق لا بد للمراقب المهتم أن يهتم بأن موضوع البيان العملى اشتمل على اقتحام وعبور قناة السويس، أما العبور فهو منطقى وطبيعي، حيث نعلم أنه طبقا للملحق الأول لمعاهدة السلام بين مصر وإسرائيل فإن القوات المسلحة المصرية المسموح بوجودها فى المناطق «أ»، و«ب»، و«ج» هى قوات محدودة وأن القوات المصرية الرئيسية بالطبيعة ستكون غرب قناة السويس، وأنها لكى تشارك فى الدفاع فى سيناء عليها أن تعبر بالقوات الرئيسية من غرب قناة السويس، وهكذا فأن يكون موضوع التدريب وبالتالى موضوع البيان العملى مشتملا على عبور قناة السويس يعنى أن القيادة تتصور أنه فى حال الحاجة إلى الدفاع عن سيناء أو عن مصر كلها فإن مصر تحتاج إلى انتقال قواتها الرئيسية من غرب قناة السويس إلى شرقها، وهذا يعنى أنها تنتقل عبر الكبارى والأنفاق القائمة أو المقامة على القناة دون أن تتعرض لتدخل من العدو البرى أى من مدفعيته أساساً، وذلك نتيجة لأن القوات المحدودة الموجودة شرق القناة تقوم بستر وحماية عبور القوات من تدخل العدو.

لكن لابد للقارئ المهتم أن يتوقف عند «لفظ اقتحام قناة السويس» إذ إن هذا يعنى توقع احتمال تدخل مؤثر من قوات العدو البرية ومدفعيته فى انتقال القوات الرئيسية من غرب قناة السويس إلى شرقها، وهذا يعنى أن تكون قوات العدو قد وصلت إلى بعد عشرين كيلومتراً أو أقل حيث مدى العنصر الغالب من مدفعية العدو البرية، وهذا يعنى أن القيادة العامة لا تستبعد أن يكون وصول قوات العدو الرئيسية أو عناصر مؤثرة منها إلى منطقة قناة السويس أسرع من انتقال القوات المسلحة المصرية الرئيسية إلى شرق القناة حيث تضطر القوات إلى استخدام الوسائل الذاتية للمركبات وناقلات الجنود المدرعة للوصول إلى الضفة الشرقية للقناة وتأمين رأس كوبرى لعبور القوة الرئيسية وتنفيذ أعمال الإصلاح والنجدة والإخلاء أثناء للعبور.

هكذا يؤكد ما سبق توقعاتنا السابقة فى مناقشتنا لمعاهدة السلام بين مصر وإسرائيل، وما بها من عوار، لكننا غير قادرين على تغيير هذا الواقع إلا عن طريق تغيير موازين القوى بحيث نكون قادرين على تغيير الوضع القائم فى حال رفض العدو للقبول بالتغيير.

يدفع ما سبق إلى التفكير فى الآثار الأخرى للاحتمال السابق، فوصول قوات رئيسية برية للعدو إلى قناة السويس بحيث يضطر القوات المسلحة لاقتحام قناة السويس يعنى أيضا وفى نفس الوقت تعرض كل أهدافنا ومصالحنا فى سيناء للخطر، كما يعنى تعرض قطاعات ليست بالصغيرة من منطقة قناة السويس للخطر، وإذا كانت القوات المسلحة ستلجأ إلى الاقتحام وإلى استخدام الوسائل الذاتية للمركبات والناقلات، فما الذى ستلجأ إليه باقى العناصر المدنية فى كل من سيناء ومنطقة قناة السويس؟ هنا لابد من أن نتذكر أولاً أهالى شبه جزيرة سيناء والضفة الشرقية للقناة، ولكننا نتذكر أيضا هيئة قناة السويس، وموانئ بورسعيد والسويس، ومنابع البترول فى سيناء والمنشآت البترولية فى السويس وحولها، ونتذكر خبرتهم وذكرى فترات الاحتلال، ثم المناطق والمنشآت الصناعية فى كل من سيناء والقناة وهى لا تمتلك خبرة سابقة فى هذا المجال. ماذا نحن فاعلون؟ هذا هو السؤال!

■ خبير استراتيجى