رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

وطنى ..نبضى .. وكيانى!!


فما يعنينى الآن هو «كُنه» الوطن ومقدراته . والوطن هو الملجأ والملاذ والحضن الدافئ لكل من نبت على أرضه، فمن الطبيعى والمنطقى أن يكون الشغل الشاغل لكل قاطنيه هو المحافظة على كيانه ووحدته:

عندما صرخ «أدولف هتلر» بأعلى الصوت: «ألمانيا فوق الجميع !!» .. كان المحرك والدافع لتلك الصرخة، هو حبه الشديد للوطن، ولست أدافع هنا عن الطاغية المجنون «هتلر»، ولا عن مسئوليته عن دخول البشرية فى الحرب العالمية الثانية التى عانى العالم من آثارها طويلاً، ولكنى أتحدث عن الدافع والمحرك له فى هذا الجنون بحب الوطن بعدما تآمرت عليه كل العصابات الصهيونية فى الشتات وفى داخل ألمانيا نفسها.. واستطاع أن يلهب حماس الشعب الألمانى وترسيخ عقيدة ثابتة داخل وجدان الشعب أن الجنس «الآرى» هو أول من خرج إلى الوجود من نطفة ونسل «آدم» عليه السلام .. بصرف النظر عمَّا آلت اليه الحرب وهزيمته وانتحاره فى آخر المطاف، ولكنه مات على عقيدته الراسخة بحب الوطن ؛ وبأنه رغم أنف العالم: فوق الجميع !!

فما يعنينى الآن هو «كُنه» الوطن ومقدراته . والوطن هو الملجأ والملاذ والحضن الدافئ لكل من نبت على أرضه، فمن الطبيعى والمنطقى أن يكون الشغل الشاغل لكل قاطنيه هو المحافظة على كيانه ووحدته: تضاريس وبشرًا، والوقوف فى وجه من يحاول أن يغتال فيه روح الإبداع والجمال والبراءة والسماحة والحب.. فالإنسان بلا وطن هو زرع شيطانى لا جذور له ولا حياة ولا مستقبل، ومن يحاول أن يطفئ جذوته.. هو عدوُ ُ لنفسه وللبشرية جمعاء .

والذى دفعنى اليوم الى الحديث عن «الوطن» هو تلك الهجمة الشرسة التى تحيط بنا من كل جانب ومن كل القوى الغاشمة الشريرة التى تريد القضاء على الهويَّة و«تعطين» الجذور، لتفسد نبتة القلب الذى يستمد نبضاته من شرايين الوطن وعروقه. وإن كان «هتلر» لم يكن على صواب لأنه أراد امتلاك العالم نُصرة لوطنه، وهو بالتأكيد كان على خطأ فى تصوراته ومقاصده .. فما بالكم ونحن ندافع عن وطن امتدت جذوره فى عمق التاريخ وصنع حضارات البشرية كلها، وندافع عنه تحت راية الحق لنصرة رجاله الأقوياء الذين يبذلون الروح فداءً له حبا وكرامة لأنهم تعلموا وعن عقيدة راسخة أن الوطن هو السكينة والسكن.

وتدل المعاجم اللغوية على تفسير الكلمة بكل أبعادها اللفظية وتعطى مالها من دلالات قاطعة أنه «المقام» و «التوطُّن» ويعتبر «الكعبة» التى تحج اليها أرواح ساكنيه.. أو كما قال الفيلسوف البابا شنودة : الوطن يسكن فينا ولا نسكن فيه !! وأينما حللنا يكون بداخلنا حتى لو ذهبنا إلى أقاصى الأرض .. فهو مسقط رأسنا وأول النور الذى سطع فى عين طفولتنا وصبانا وشبابنا وهرمنا وشيخوختنا، وعلى ضفاف نيله تنسَّمنا أولى نسماته التى ملأت رئتينا وصدورنا، ورضعنا مع حليب الأم كيفية عشقه والتفانى من أجله.

هل نسمح بعد هذا أن يأتى من لايعرف قيمة وجلال الوطن لأن ينازعنا فيه ويدنِّس أراضيه ـ لا عاش ولا كان ـ من يريد بنا هذا الهوان الذى ما بعده هوان.

والآن عفوًا.. دعونى استرد أنفاسى بهذا الماراثون الطويل فى وقائع التاريخ البعيد والقريب، لأقص عليكم قصة ومعنى كلمة: وطن .. فلقد كان دافعى هو المساس بشغاف القلوب والأرواح لتحافظ على هذا الكيان الذى يسكن فينا، ولأردد مع الشاعر حسين السيد فى مطلع ذات قصيدة: «مين اللى يقـدر ياوطن يحتلـِّـنى .. إلا أنت ؟ لاأحـــد بالتأكيـد .. سوى حبك إلى ما لا نهاية.. يا وطنى !!».

مركز اللغات والترجمة ـ أكاديمية الفنون