رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

رحيق اللغة


صديقنا المنوفى الخبير اللغوى الأحمدى الشلبي، يسعى سعياً جميلاً – حيث يسرنا ويسره، أن يتحفنا برسائل أدبية ثرية بين حين وآخر. يثير فى تلك الرسائل أمراً من أمور الوطنية الجميلة، وهى أيضا ذات صلة بمواجهة الجهل، وربما التغريب من خلال لغتنا الجميلة. كما يسميها الشاعر فاروق شوشة فى برنامجه العظيم. رسالة صديقنا العزيز بعنوان «رحيق اللغة» يقول فيه.

... «إن رحيق اللغة بلا شك يعين على تطوير الخطاب الدينى الذى أصبح ضرورة ملحة، ولكن لا بد أن يكون برؤية، من خلال القاعدة الفقهية «لا إفراط ولا تفريط»، بعدما أفسد شيوخ الفتنة الخطاب الديني، وهذا راجع فى المقام الأول إلى افتقارهم لبهاء اللغة العربية، الذين حاولوا أن يعوضوا عجزه اللغوى، وبالتالى الفكرى، بوجوه مكفهرة وتأويلات تثير فى النفس الاشمئزاز واليأس، عكس إمامنا الشيخ الشعراوي– رحمه الله تعالى - الذى كان متمكناً من أدواته اللغوية، نحواً وصرفاً وبلاغة، مما يسرَّ له تمكنه الفقهى، وكانت الابتسامة لا تفارق شفتيه حتى فى آيات العذاب، نتاجاً طبيعياً لرقى اللغة وتذوقها، فانساب رحيقها كالشهد المصفى، والتفت حوله القلوب قبل العقول، كما التف حوله الناس على درجات ثقافتهم.

ومن أخطر نتاج الإهمال الثقافى انحدرت الأخلاق، لأن الثقافة والرقى الأخلاق ىصنوان، فبيوت وقصور الثقافة أصبحت مكاتبات وتقارير وظيفية، وافتقرت فى الغالب إلى الموظف المثقف المبتكر. وهناك انفصام تام بين الوزارة باهتماماتها الفوقية وتصريحات مسؤوليها، التى تنم عن روتينية لا تناسب المرحلة، ولا طموحات القيادة السياسية، وكان الأحرى بمسئوليها الانخراط فى تجميع الشباب، والنأى بهم بعيداً عن مهاوى التخلف الثقافى والفكري، المؤدى حتماً إلى مهاوى الإرهاب، إما بالمشاركة أو التعاطف أو عدم المبالاة، مع العلم أن أقل بيت ثقافى تصل مرتباته فوق المائة ألف جنيه شهرياً، فى إهدار مستتر صارخ للمال العام، وضياع الوقت والمبانى المخصصة بلا جدوى.

إن دور الثقافة ضرورى لإرساء مفاهيم تتماشى مع أيديولوجية مصرية بعيداً عن أيديولوجية كسدت فى بلد المنشأ وما زلنا متمسكين بها.

نحن فى مسيس الحاجة إلى رقى اللغة، والبحث المستنير فى عقيدتنا الإسلامية وتراثنا الأدبي، والارتقاء بالمتلقى من الناحية اللغوية والثقافية. وتحضرنى هنا قصة أبى العميثل حينما سأل الشاعر أبا تمام: لم لا تقل ما يفهم؟ فقال له أبو تمام:لم لا تفهم ما أقول؟ قاصداً الارتقاء بالمتلقى وليس النزول إليه. وخطورة ذلك ما آلت إليه ثقافتنا المزرية إلى حد بعيد، فالنزول إلى المتلقي، يمثل سقوطاً وإفلاساً عند من يدعون الإبداع، وكلهم تقريباً ينتمون إلى أيديولوجية واحدة. ورغم قلتهم، إلا أنهم يسيطرون على الثقافة ومقدراتها من أعلى مناصبها، حتى أنهم انقسموا فريقين، الأول يحمل راية التغريب، والثانى يحمل راية التسطيح.

والضحية هى لغة القرآن وبالتالى ثقافتنا الرحبة الفياضة ونتاجنا الأدبى الذى انحدر إلى أدنى مستوياته، ممهداً الطرق إلى الانحدار الأخلاقي، والدليل لغة الأغنية والموسيقى والأفلام التى تنذر بكارثة أكبر، إذا لم تتداركها الدولة ومؤسسة الرئاسة. فالإنسان المثقف أكثر فهماً وإدراكاً وحواراً، كما ذكرنا «الأدب يحدث عملية التطهير فى نفوسنا كنظرية نادى بها أرسطو». انتهت رسالة صديقنا العزيز المنوفى الخبير اللغوى الأحمدى الشلبى.. رغم كل مظاهر التخلف اللغوى، الذى بسط تخلفه على التعليم والثقافة والتربية والأدب والفن والسياسة، فإن ربط التخلف اللغوى بالإرهاب ظاهرة تستحق الدراسة والاهتمام باللغة العربية ورحيقها، فن الجهل باللغة وتأويلها عند بعض أهل الفتاوى الشاذة، يقف بكل تأكيد فى صف المساندين للإرهاب إن لم يكن من بين المحرضين عليه. لذلك فإن معالجة الإرهاب، تحتاج إلى استراتيجية شاملة، يشارك فيها – إلى جانب المؤسسات المعنية - جموع الشعب وفى مقدمتهم العلماء والفقهاء والأدباء والفنانون والمثقفون والمفكرون، حتى لا يتحمل العقل الأمنى هذا العبء الثقيل والمرير.. والله الموفق