رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

سيناء فى قلب المجهود الرئيسى!


ما زلت آمل أن يكون لشيوخ القبائل فى سيناء دور مهم فى مواجهة تلك الأخطار، وهم الذين حافظوا على انتمائهم المصرى أثناء الاحتلالين البريطانى والإسرائيلى وشاركوا فى مقاومتهما، وأنه يمكن للدولة أن تعمل على تنشيط دورهم الوطنى فى تأمين سيناء من المخاطر الأمنية المحيطة بها وبمصر.

تعتبر الأحداث الأخيرة فى سيناء من أخطر ما تتعرض له مصر حيث تتعرض وحدة أراضى مصر للتقسيم، وتنتهك سيادة الدولة، وتتعرض مؤسسات الدولة الرئيسية للتحدى، كما تتعرض منشآت الدولة للخطر. لقد ظلت سيناء آمنة فترة طويلة من الزمن، بل إننا لا نذكر أنها تعرضت لما تتعرض له الآن، وكان أهل سيناء أول من يدافع عن انتمائهم المصرى، حتى أولئك الذين كانوا يخالفون القوانين لم يكونوا ليعرضوا وحدة أراضى مصر للخطر.

لقد اشتملت المخاطر الأخيرة على تحد لسلطة الدولة ممثلة فى قوات الأمن والقوات المسلحة، كما تعرضت القوة متعددة الجنسيات المتمركزة فى منطقة الجورة جنوب الشيخ زويد للهجوم، وقامت جماعات إرهابية بمهاجمة السيارات المدرعة بمقذوفات مضادة للدبابات، وأطلقت نيرانا ضد الطائرات، بما يعنى أن هذه الجماعات تمتلك أسلحة مضادة للدبابات وأخرى مضادة للطائرات، وأن أفراد هذه الجماعات مدربة على استخدام هذه الأسلحة بما يوحى باحتمال أن يكون من بينها أفراد قادمون من مناطق أخرى، ويزيد من هذا الاحتمال أن بعض هذه الجماعات رفعت علم تنظيم القاعدة فى سيناء سبق أن رفعته فى ميدان التحرير، إن هذه الجماعات تستغل نجاح عناصر التيار الإسلامى فى الانتخابات السابقة، سواء فى مجلس الشعب أو الشورى لكى تهاجم قلب الدولة، سواء على حدودها فى المنطقة الحساسة أو فى قلب ميادين القاهرة، هكذا رأيناها فى منتصف شهر سبتمبر تحول ميدان التحرير فى قلب القاهرة إلى ساحة قتال، وتهاجم رجال الشرطة المصرية بالحجارة ثم بالعبوات الحارقة المسماة بـ«المولوتوف» وتهاجم سفارة أجنبية وتتسلق سورها، ويدعو بعضها إلى طرد السفيرة، أى أن هذه الجماعات منحت نفسها سلطة الدولة، ولم تراع الالتزامات الدولية التى يجب على كل سلطة أن تحافظ عليها.

فى الوقت نفسه كانت هذه الجماعات تهاجم معسكر القوات متعددة الجنسيات فى معسكر الجورة جنوب الشيخ زويد فى سيناء، وبعدها هاجمت قوات الأمن فى منطقة المهدية والمقاطعة جنوب شرق العريش فى سيناء أيضا، ثم هاجمت موقع مديرية أمن شمال سيناء من المبانى المجاورة لمديرية الأمن، وقسم شرطة الشيخ زويد، وكانت قد سبقت وهاجمته كما سبق أن هاجمت قسم شرطة العريش، وكمين الريسة أكثر من عشر مرات، دون أن ننسى هجومها الغادر على نقطة الحدود فى رفح فى الخامس من أغسطس الماضى، وهجومها عشرات المرات، لم يقتصر الأمر على ذلك إذ إنها أطلقت مقذوفات مضادة للدبابات على العربات المدرعة للشرطة وللقوات المسلحة، وأطلقت نيرانا على الطائرات بما يوحى بأن لهذه الجماعات أسلحة مضادة للدبابات وأخرى مضادة للطائرات وتثير أسئلة عن مصدر هذه الأسلحة والذين يستخدمونها، حيث من الواضح أن هناك مدربين على استخدامها.

فى ضوء ما سبق لابد من إعادة النظر فى أولويات الدولة، حيث يعتبر الحفاظ على سلامة الوطن ووحدة أراضيه أولوية قصوى، ومن المؤكد أن وحدة أراضى الدولة المصرية لم تتعرض للخطر فى أيام الاحتلال البريطانى والاحتلال الإسرائيلى كما يتعرض له فى سيناء، ولم يتعرض كيان الدولة ممثلا فى الشرطة والقوات المسلحة للخطر كما تتعرض له الآن فى سيناء، خاصة أن من يفعلون ذلك إنما يفعلونه تحت ستار كاذب باسم الإسلام، ويشاركهم فيها عناصر أجنبية، لكن المؤكد أن أى خطر أجنبى إنما يعتمد على خطر داخلى.

إن بداية المواجهة يجب أن تكون سياسية وثقافية، ويتحمل التيار الإسلامى المسئولية الأكبر فى ذلك، حيث يجب أن يكون من الواضح أن ما يحدث ليست له علاقة بالإسلام، وأن الإسلام يدين ما تفعله هذه الجماعات، وعلى عناصر التيار الإسلامى المتحالفة مع جماعة الإخوان المسلمين أن تعلن ذلك بوضوح، وعلى جماعة الإخوان المسلمين وحزب «الحرية والعدالة» أن يعلن إدانته الواضحة لهذه الأفعال والجرائم، وأن على الجميع أولا أن يلتزموا بالتزامات مصر الدولية بغض النظر عن رضانا عنها أو رفضنا لها، فالالتزامات التزامات مصر، وليست التزامات العهد السابق، والالتزامات الدولية جزء من المشاركة فى النظام الدولى واحترام للقانون الدولى، وهنا فإن المثقفين على اختلاف مشاربهم الثقافية يتحملون مسئولية كبيرة فى إدانة هذه الأفعال سواء فى سيناء أو فى أى مكان على أرض مصر، لكن الأمر فى سيناء يتميز بشكل خاص لخطورته وخطورة ما يجرى هناك، والحقيقة أن هذه الجماعات تعتبر متحالفة مع العدو الإسرائيلى حيث لا يتمنى العدو أكثر من ذلك.

ما زلت آمل أن يكون لشيوخ القبائل فى سيناء دور مهم فى مواجهة تلك الأخطار، وهم الذين حافظوا على انتمائهم المصرى أثناء الاحتلالين البريطانى والإسرائيلى وشاركوا فى مقاومتهما، وأنه يمكن للدولة أن تعمل على تنشيط دورهم الوطنى فى تأمين سيناء من المخاطر الأمنية المحيطة بها وبمصر. وقد يكون من المناسب البحث عن دور للضباط الذين خدموا فى القوات المسلحة والشرطة فى فترات سابقة، ولا زلت أذكر أن نائب مدير المخابرات الحربية كان فى وقت من الأوقات من أبناء سيناء، كما كان أحد قادة اللواءات من أبناء سيناء، وكان طبيب من أبناء سيناء فى وحدة طبية لوحدة كنت أقودها، وغالبا كان هناك آخرون فى الجيش والشرطة، ولا شك أن من الممكن البحث عنهم واستكشاف إمكانية الاستفادة من دورهم، ولا أنسى دور الذين تولوا مسئوليات تنفيذية فى سيناء بنجاح.

كذلك فإن خطط الشرطة والقوات المسلحة فى مواجهة هذه الجماعات الإرهابية والخطرة تحتاج إلى مراجعة، وأول ما يجب مراجعته المناطق المجاورة لأماكن تمركز وحدات ومنشآت الشرطة وكذا مناطق تمركز وحدات القوات المسلحة بحيث لا تتعرض هذه العناصر لعدوان من أماكن قريبة، كذلك فإن استخدام القوات يجب أن يراجع بحيث يعتمد بدرجة أكبر على طائرات الهليكوبتر والطائرات بدون طيار، ويستبعد تماما استخدام الدبابات حيث ليست مناسبة للاستخدام ضد هذه الجماعات، ويجب أن تستخدم الطائرات على ارتفاع أبعد من مدى أسلحة هذه الجماعات، ومن المفضل أن تخصص طائرات هليكوبتر لمهام الأمن وأن يدرب طياروها على مهام مطاردة ومقاتلة الجماعات، كذلك فإن القوات المسلحة يجب أن تعتمد بدرجة أكبر على وحدات مدربة على معاونة قوات الأمن، كما أتصور ضرورة أن تكون هناك بصفة دائمة قوات احتياطية مستعدة للعمل فورا لمساعدة القوات التى تتعرض لهجمات أثناء تنفيذهم لمهامهم، وهذا يرتبط أيضا بضرورة الحصول على أكبر قدر من المعلومات عن هذه الجماعات، وما حصلت عليه من أسلحة، وعن مخابئها ومخازنها، وهذا لا يمنع من أن تكون هناك فترة إعادة تنظيم تتوقف فيها العمليات النشطة مع المحافظة على الاستعداد الدائم، وأن يتم فيها إعادة التنظيم والتدريب، ومراجعة نظام القيادة والسيطرة.

يعتبر ما سبق محاولة المساهمة فى تقديم تصور لمواجهة خطر أشعر به تتعرض له مصر لم يسبق أن تعرضت له فى تاريخها، ولا أدعى أنه كامل، كما لا أدعى أنى آت بما لم يأت به الأوائل.

■ خبير سياسى واستراتيجى