رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

حول أولويات العمل الوطنى!


باقى القضايا فليست مهمة القوات المسلحة وحدها، وإنما يمكن المساهمة فيها مع باقى أجهزة الدولة. هكذا نتجنب الدخول فى صراع ممتد مثل ما هو حادث فى أماكن أخرى، كما نتجنب الدخول فى نزاع مع إسرائيل لسنا مستعدين له.

أشعر أننا نفتقر بشدة إلى تحديد أولوياتنا فى أكثر من اتجاه، وأولوياتنا العامة، فهناك تحركات الرئيس وهناك العملية «النسر»، وهناك التحرك الاقتصادى، وتعيين الفريق الرئاسى قبل سفر الرئيس، وليس معنى هذا أن ما يحدث خطأ، ولكنه ليس فى أولويته، وبدون أولويات قد نسير فى اتجاهات ملتوية تضيع الجهد والموارد، وتأتى بالقليل من العائد، وربما تستنفذ جهودنا ومواردنا.

ربما كانت تحركات الرئيس على رأس تحديد الأولويات، فلا شك أن مواجهة العالم الخارجى تقتضى ترتيب البيت الداخلى أولا، وبالتالى نستطيع أن نواجه الخارج، وقد حددنا له تصوراتنا وبرامجنا، أو نطلب منه ما تراه مناسباً لنا، فى حين أنه من الواضح أن الصورة الداخلية غامضة، وتحتاج إلى تحديد أولوياتها.

كان من الطبيعى أن تكون على رأس أولوياتنا أن نوضح ملامح ما سمى بـ «مشروع النهضة» الذى تقدم الرئيس إلى الانتخابات بموجبه والذى استمعنا وقرأنا لبعض قادة الإخوان المسلمين وقادة حزب الحرية والعدالة عنه، وأشاروا إلى مبالغ ضخمة متوفرة لتحقيق النهضة المطلوبة، وأظن أن هذا كان مهما قبل بدء رحلته الخارجية إلى الصين وإيران. وبناء على هذا المشروع كان يفترض أن تشكل الوزارة، فإذا بنا نجد وزارة يعترض حزب الحرية والعدالة على بعض تصرفاتها خاصة فيما يتعلق بقرض صندوق النقد الدولى، فإذا لم يؤيدها الرئيس فمن الذين يؤيدونها؟

وما موقف الرئيس منها؟ وقد لاحظت أن الرئيس قد أعلن تشكيل فريق رئاسى قبل سفره إلى الصين، ولم يوضح لنا ماهية علاقة هذا الفريق بالبرنامج أو المشروع المذكور، علما بأن بعضهم لا علاقة له بحزب الحرية والعدالة، فكيف نفهم العلاقة بينهم وبين الرئيس والوزارة والحزب؟ بل ألم يكن من الأجدى إعلان مهمة واختصاصات المستشارين قبل تعيينهم، وينطبق هذا أيضا على نائب الرئيس ومساعديه؟ وما فائدة إعلان الأسماء قبل سفر الرئيس الذى يتطلب تحديد مهامهم توقيعه؟!

إذا تحولنا لمناقشة رحلات الرئيس نجد أن مؤتمر عدم الانحياز كان أولى باهتمام الرئيس من عدة جهات، مع التسليم بأهمية العلاقات مع الصين. فمن جهة، فإن مصر هى الرئيس المنتهية ولايته لحركة عدم الانحياز، حيث كانت مصر قد تولت رئاسة الحركة بعد مؤتمر شرم الشيخ، وأصبح عليها وفق القواعد العامة أن تسلم الرئاسة للدولة الجديدة التى ستتولى رئاسة الحركة للسنين القادمة.

وكان من المهم أن يقوم الرئيس بنفسه بتولى هذه المهمة تجسيداً لاهتمام مصر بحركة عدم الانحياز. من جانب آخر فإن المؤتمر يضم أكثر من مائة دولة وكثير منها سيمثله رئيس الدولة، ولا شك أن لقاء رئيس الدولة برؤساء الدول مهم. وقد كان المؤتمر فرصة يصعب تكرارها للقاء كثير من قادة دول عدم الانحياز خلال المؤتمر، وهو ما لن يتحقق فى زيارته لطهران فى رحلة العودة، حيث من المخطط أن يبقى الرئيس فيها أربع ساعات، وهى تكفى بالكاد للتحرك إلى المؤتمر ومنه إلى المطار، ولإلقاء كلمة أمام المؤتمر. وقد كان من المهم على الأقل مناقشة المبادرة المقترحة لمعالجة الأزمة السورية من مجموعة تضم مصر وإيران وتركيا والسعودية. وقد يرى البعض أن موعد زيارة الصين قد تحدد، ولذا فإنها جاءت متعارضة مع موعد المؤتمر، وهو حديث مردود عليه بأن موعد انعقاد المؤتمر محدد منذ سنوات ولم نفاجأ به، وكان من الممكن ترتيب زيارة الصين بحيث لا تتعارض مع موعد المؤتمر، ولا أظن أن الصين كانت ستعارض ذلك. أخيراً فإن الحضور المجتزأ للرئيس فى المؤتمر مَثَّل موقفاً وسطاً بين عدم الحضور على مستوى الرئيس، وبين المشاركة الكاملة فى المؤتمر، فهل كان هذا هو المطلوب أو المقبول، وماذا يمكن أن نستنتج من هذا الموقف عن موقف مصر من حركة عدم الانحياز كما يتصوره الدكتور محمد مرسى، وهل هذا الموقف يرضى الولايات المتحدة؟ وهل كان طلب الولايات المتحدة أحد أسباب هذا الموقف؟!

لا شك أن زيارة الصين مهمة ومطلوبة على الأقل من أجل توسيع هامش المناورة، حيث نكاد نكون محشورين فى زاوية، والصين دولة كبرى من الأعضاء الدائمين فى مجلس الأمن. لكن لابد أيضاً أن نضع فى الاعتبار أن الرئيس السابق مبارك قد زار الصين مرات كثيرة، وبالتالى فمن المهم معرفة الجديد فى زيارة الصين، وقد فهمت أن الزيارة تشتمل على توقيع ثمانى اتفاقات اقتصادية بين مصر والصين، وهى أولاً اتفاقات سبق التحضير لها قبل وصول الرئيس إلى الحكم، بل وقبل ترشحه للرئاسة، وبالتالى هو يكمل أعمال من سبقوه، وثانيا فإن من المهم متابعة الاتفاقات الموقعة خلال الزيارة وقبلها، حتى لا تتوقف عند التوقيع كما حدث فى كثير من الاتفاقات السابقة.

يدور جدل شديد حول قرض صندوق النقد الدولى، فهناك من يرفضه على أساس أنه قرض ربوى حرام، وهناك من يرى أن مصر بها أموال كثيرة وليست فى حاجة إلى قروض، وهناك من يدعو إلى استعادة أموالنا فى الخارج وهى فى جميع الأحوال مسألة أولوية، هل الحصول على القرض من أولوياتنا، أم أن هناك أولوية أخرى فى مجال الاقتصاد، وهل يمكن لوزارة هشام قنديل أن تعد خطتها دون الحصول على القرض؟ أيضا هذا السؤال يحدد لنا الأولوية، خاصة أن هناك من يذكر بمبدأ أن «الضرورات تبيح المحظورات».

يبدو أن العملية «النسر» التى تخوضها القوات المسلحة فى سيناء تعانى هى الأخرى من الأولويات، فقد تحولت مهمتها من القبض على الذين ارتكبوا جريمة الهجوم على نقطة الحدود فى رفح إلى عدة مهام إضافية بعضها يتعلق بهدم الأنفاق بين مصر وقطاع غزة، والآخر تطهير وتدمير المجموعات الإرهابية فى سيناء، إلى مكافحة تهريب الأسلحة والمخدرات إلى سيناء، ثم النزاع مع إسرائيل حول معاهدة السلام بيننا وبينها، ثم العلاقة مع بدو سيناء وقضية تنمية سيناء.

هكذا وجدنا وزير الدفاع الجديد يمضى أغلب وقته فى سيناء ثم يتبعه رئيس الأركان، وشاهدنا صورهم يتحدثون مع شيوخ القبائل هناك، لا أظن أن أحدا يعارض أى مهمة من المهام السابقة إلا أن محاولة تحقيق كل المهام مرة واحدة هى أمر مستحيل، خاصة أن أغلب هذه المهام سبق محاولة تنفيذها، وقد سبق أن رأينا كبار المسئولين بمن فيهم رؤساء للوزارات زاروا سيناء ولاقوا مشايخ القبائل، كما وضعت عدة خطط لتنمية سيناء، وأنشئ أكثر من جهاز لتنمية سيناء.

والمهم هو تحقيق اختراق فى العلاقة مع سيناء، وأعتقد أن مهمة القبض على مرتكبى جريمة رفح لها الأسبقية، أما باقى القضايا فليست مهمة القوات المسلحة وحدها، وإنما يمكن المساهمة فيها مع باقى أجهزة الدولة. هكذا نتجنب الدخول فى صراع ممتد مثل ما هو حادث فى أماكن أخرى، كما نتجنب الدخول فى نزاع مع إسرائيل لسنا مستعدين له.

■ خبير سياسى واستراتيجى