رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أخطار القرارات والتصريحات !


إذا كانت القوات المسلحة قد التزمت بالتغييرات التى حدثت وهو ما يحمد لها، ومرت الأحداث سلميا، وكان يمكن أن تكون غير ذلك، فإنها قد تأثرت معنويا بدرجة قريبة من تأثر الشرطة بما حدث فى يناير 2011، وهو ما لا يظهر إلا فى المواجهات التى يمكن أن تدخلها.

أشعر وأنا أطلع على الصحف والأخبار الآتية من مصادر مختلفة بأن مصر، وأمتها العربية من خلفها تواجه أخطاراً جسيمة عدة، بعضها يتعلق بنتائج إلغاء الإعلان الدستورى المكمل، والقرارات التى اتخذت فى القوات المسلحة، وتصريحات تبشر بقرب تحقيق أهداف المهمة فى سيناء والإعلان عن أسماء المسئولين عن العملية الإجرامية التى جرت فى رفح.

سبق أن أوضحت أن خطورة قرارات رئيس الجمهورية ليست فى إحالة المشير والفريق، أو حتى أعضاء المجلس الأعلى للقوات المسلحة إلى التقاعد، حيث إنهم كانوا لابد أن يتقاعدوا قريباً خلال أشهر أقل من عدد أصابع اليد الواحدة، وأنهم أبدوا حرصهم على تسليم السلطة إلى حكومة مدنية منتخبة فى الموعد، وهكذا فإن تقديم موعد التقاعد لا يشكل خطرا، أما الخطورة الكبرى من وجهة نظرى فهى فى الطريقة التى ألغى بها الإعلان الدستورى المكمل، فرغم أن الرئيس منتخب، إلا أن صلاحياته لم تكن لتسمح له بإلغاء الإعلان الدستورى وإصدار إعلان دستورى جديد، وكان هناك إعلان دستورى صدر عن السلطة التى تولت المسئولية عن الفترة السابقة والتى حددت أسلوب انتقال السلطة بعد بطلان مجلس الشعب، وما فعله رئيس الجمهورية هو أنه منح نفسه سلطات لم يتمتع بها رئيس سابق، بل إنها سلطات مطلقة تمكنه من أن يفعل ما يريد، وأظن أن أحداً لا يستطيع الآن أن يوقف الرئيس من أن يستأثر بالسلطة ويتخذ ما يريد من قرارات، خاصة أنه يجد ترزية القرارات الذين يستطيعون أن يحللوا له ما يتخذه من قرارات وآخرين مستعدين لتأييد قراراته بغض النظر عن مضمونها. إن الطريقة التى صدرت بها القرارات تمثل أخطارا شديدة يعلم الله وحده مداها وقد ظهر بعضها فعلا، وتتطلب يقظة شعبية كبيرة أشك فى تحققها.

قرأت واستمعت كثيرا عما جرى عند إصدار قرارات التغييرات فى القيادة العسكرية وأغلبها غير مقنع، وربما كان حديث الفريق مهاب مميش هو الوحيد الذى يمكن الاستناد إليه، حيث إنه معروف المصدر ويمكن الرجوع إلى صاحبه، أما باقى التفسيرات والتى اعتمدت على مصادر «مطلعة» أو «قريبة» ولكنها رفضت ذكر اسمها، لا يمكن الاعتماد عليها، خاصة أن بها تناقضات كفيلة بهدم أصل الحديث. وهنا لابد من القول إن هذه التغييرات لم تحدث بالتشاور، حيث تشير الأحداث السابقة عليها إلى أن خلافات حدثت قبلها، وأن الطريقة التى تمت بها تشكل إهانة للسلطة التى كانت قائمة والمتمثلة فى القوات المسلحة، وأن هذا انعكس على وسائل الإعلام التى ترجمت الإحالة إلى التقاعد إلى إقالة، وإلى ثورة جديدة، ولا شك أن ما حدث أشار إلى ضعف فى المجلس الأعلى للقوات المسلحة حيث لم يستطع أن يواجه موقفا مفاجئا، كما أنه كشف أن المجلس كان به أعضاء لم يلتزموا بنظام المجلس، وأمكن أن يتصرفوا خارج القواعد المنظمة لعمل المجلس مما يثير شكوكاً حول احتمالات تصرفاتهم المستقبلية.

ينعكس ما سبق على القوات المسلحة ككل، حيث يشعر أبناء الصفوف الخلفية بالضعف وبالإهانة، وإذا كانت القوات المسلحة قد التزمت بالتغييرات التى حدثت وهو ما يحمد لها، ومرت الأحداث سلميا، وكان يمكن أن تكون غير ذلك، فإنها قد تأثرت معنويا بدرجة قريبة من تأثر الشرطة بما حدث فى يناير 2011، وهو ما لا يظهر إلا فى المواجهات التى يمكن أن تدخلها. ولا شك أن ذلك مرشح للاتساع خاصة مع احتمالات تغيرات أخرى فى مستقبل ليس ببعيد.

تشير معايير الاختيار إلى احتمالات المستقبل، وهنا لابد من الإشارة إلى أنه ليس هناك اعتراض على شخص ما، فالقوات المسلحة المصرية بها الكثير من الكفاءات وتتسم عموما بالوطنية، والحقيقة أن المشير طنطاوى كان حريصا على بث الروح الوطنية فى القوات المسلحة، قد نختلف فى الأسلوب وهذا طبيعى، لكن هذا لا يحجب الحقيقة. لكن الاختيار ربما لم يكن تقليدياً حيث قليل من مديرى المخابرات الحربية من تولى وزارة الدفاع نذكر منهم الفريق أول صادق، والمشير أبوغزالة بعد توليهم منصب رئيس الأركان، وعادة ما يكون المرشح هو رئيس الأركان (فوزى وصادق، والجمسى وأبوغزالة) أو رئيس هيئة العمليات (طنطاوى)، كما أن الغالب أن يعين رئيس هيئة العمليات رئيسا للأركان (عبدرب النبى حافظ، والعرابى) أو رئيس هيئة (أحمد بدوى، وصفى الدين أبو شناف) أو قائد قوات (محمد على فهمى، وسامى عنان) باعتبار أنهم أكثر دراية بالأوضاع ولا يحتاجون إلى زمن للتعرف على الأوضاع. ليس فى ما سبق ما يقلل من وضع الوزير ورئيس الأركان الجدد، ولكنه يشير إلى أننا فى مواجهة معايير جديدة تشكل خطرا على البلد، وعلى القوات المسلحة. هكذا أخشى أن تكون التعيينات القادمة بعد تغيير القيادة الأعلى أكثر خطورة حيث لا يهتم الرئيس كثيرا بظروف التغيير.

الخطر التالى يكمن فى أسلوب معالجة الوضع فى سيناء وما صدر من تصريحات مغرقة فى التفاؤل، وكنت قد ذكرت منذ البداية أن علينا أن نكون حريصين على تطبيق القانون، وأن نبتعد عن فكرة الانتقام، أو «الرد المزلزل» ومن الواضح أن السلطات بدأت العملية دون الحصول على معلومات مناسبة لبدء العملية، وأنها أسرعت بإرسال قوات إلى المنطقة بما فيها من دبابات وعربات مدرعة، وطائرات قتال، وأعلن عن إصابة ومقتل إرهابيين، وقرب الكشف عن شخصية الذين قاموا بالجريمة فى رفح، وأصبح السؤال: «متى تنتهى العملية؟» والانسياق وراء مثل هذه التصريحات يشكل خطورة، لأنه يعنى أننا لم ندرس العمليات المشابهة، هنا لا بد من تذكر عمليات القوات المصرية فى اليمن منذ 1962 إلى 1968، والعمليات الأمريكية فى كل من العراق وأفغانستان والتى لم تتوقف منذ عام 2001 حتى الآن. كذلك نذكر عمليات القوات اليمنية وقوات المملكة العربية السعودية ضد الحوثيين والتى لست متأكداً من نهايتها رغم أن نشاطها قد انخفض كثيراً، ولكن ليس لأنها هزمت، ولكن لأنها انضمت إلى أحداث اليمن التى نرجو أن تنتهى بنهضة الشعب اليمنى.

لابد من إعادة دراسة العملية، وتجنب ما يؤدى إلى امتدادها كثيراً، والعمل على تحقيق الهدف فى أقل وقت وبأقل خسائر، وبالتعاون مع كل القوى الممكنة، وألا تكون العملية عسكرية فقط بل يكون العمل العسكرى إلى جانب الاقتصادى والاجتماعى والسياسى. ومن الناحية العسكرية فلا أعتقد أن هناك حاجة كبيرة إلى الدبابات، بينما الحاجة أكبر إلى الطائرات عموماً وبخاصة الطائرات العمودية، والطائرات دون طيار التى يمكن أن تفرض رصدا للنشاط فى سيناء طوال اليوم بأقل جهد وتكلفة وبأقل تكلفة بشرية. لكنى لا أستطيع إلا أن أكرر التنبيه إلى التحذير مما يمكن أن يؤدى إلى الانجرار والتورط فى صراع ممتد ومواجهة مخاطرها إلى جانب باقى المخاطر السابقة.

■خبير دراسات استراتيجية