رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

في ذكرى صاحب أول ترجمة لـ"الإلياذة".. ماذا قال كبير شيوخ الأزهر عن سليمان البستاني؟

سليمان البستاني
سليمان البستاني

سليمان البستاني، والذي يتزامن تاريخ اليوم مع الذكري الـ 168 لمولده، حيث ولد في مثل هذا اليوم من العام 1856 في لبنان.

وفي تاريخ الأدب، حجز “البستاني” لنفسه ريادة أول ترجمة للملحمة اليونانية “الإلياذة”، والتي أنجز ترجمتها وقدمها لقراء لغة الضاد في العام 1904.

 

أثر ترجمة سليمان البستاني للإلياذة

 

ويذهب المفكر الراحل دكتور جابر عصفور في أحد فصول كتابه “هوامش على دفتر التنوير”، الذي تناول إسهامات سليمان البستاني في حركة الثقافة العربية، إلي أن “صدور الترجمة كان حدثا في الحياة الثقافية العربية في ذلك الزمان، فلأول مرة يقوم عربي بتقديم ترجمة كاملة، نظما، لإحدى الملاحم الأوروبية الأساسية، ولا يكتفي بالترجمة المنظومة، وما صحبها من جهد مضن في تطويع اللغة العربية لتأدية المعاني الأسطورية والمجازات اليونانية بل يقدم للترجمة بدراسة رائدة فريدة عن هوميروس وشعره، ودراسة مقارنة بين آداب العرب واليونان.”

ويوضح “عصفور”: لقد كان سليمان البستاني يعرف أنه يسهم في تأسيس نهضة ثقافية، ويعرف أن قرائه يتطلعون إلى هذه النهضة ويباركونها، وبقدر ما كان الكتاب والقراء يشتركون في حلم واحد هو استعادة الحضارة العربية لعافيتها التي أسهمت بها في التاريخ الإنساني، فأنهم كانوا يدركون هذا الإسهام المتوقع لا يمكن أن يتحقق إلا بالتنوير.

 

ماذا قال كبير شيوخ الأزهر عن سليمان البستاني صاحب أول ترجمة للإلياذة؟

 

وما أن صدرت ترجمة “الإلياذة” للغة العربية والتي قدمها سليمان البستاني، حتي ضجت الحياة الثقافية المصرية ابتهاجا، فعقدت في فندق شبرد احتفالية لإطلاق الكتاب في مساء الثلاثاء الموافق 14 يونيو عام 1904، واكتتب قبلها 100 مثقف مصري لتحمل نفقات الاحتفالية، وانضمت للاكتتاب لجنة إحياء اللغة العربية والتي كان يرأسها الإمام محمد عبده مفتي الديار المصرية وكبير شيوخ الأزهر حينها.

وحضر الاحتفال وجوه المجتمع المصري ونخبته المثقفة من بينهم: محمد توفيق البكري نقيب الأشراف، وسعد زغلول المستشار في محكمة الاستئناف الأهلية، وعبد الخالق ثروت أحد أعضاء لجنة إحياء اللغة العربية وسكرتيرها، ومحمد فريد المحامي من أعضاء لجنة إحياء اللغة العربية، وعمر لطفي المحامي وكيل مدرسة الحقوق، والشيخ رشيد رضا صاحب مجلة المنار، وإبراهيم رمزي صاحب جريدة التمدن، والشيخ إبراهيم اليازجي، وغيرهم من الكتاب.

ومن الملفت تنوع الحضور ودلالته القومية والإنسانية، ففي الوقت الذي جمعت القائمة العربي بالأوروبي من المؤمنين بوحدة الثقافة الإنسانية، فإنها جمعت بين الشامي والمصري والعراقي وغيرهم للاحتفاء بمترجم سوري ــ سليمان البستاني في القاهرة عاصمة الأمة العربية.

 

الإمام محمد عبده مفتي الديار المصرية ورئيس جمعية إحياء اللغة العربية ورغم أنه كان علي رأس قائمة المدعوين لحضور حفل سليمان البستاني، إلي أن كبير شيوخ الأزهر قد تخلف عن الحضور لعذر طارئ، فأرسل كتابه بديلًا عنه ليقرأه سكرتير الجمعية التي يرأسها، وجاء في الكتاب:

«لحضرة العالم سليمان أفندي البستاني.. تمت لك ترجمة الإلياذة لنابغة شعراء اليونان هوميروس المشهور، ونسجت قريحتك ديباجة ذلك الكتاب، كتاب الترجمة، فإذا هو ميدان غزت فيه لغتنا العربية ضريعتها اليونانية، فسبت خرائدها وغنمت فرائدها، وعادت إلينا في حلل من آدابها، تحمل إلى الألباب قوتًا من لبابها، وما أجمل ذلك الغلب في زمن ضعف فيه العرب، حتى عن الرغب في نيل الأدب، ما ينال منه عن كثب، فضلًا عما يكسب بالتعب، فحق لك الشكر على كل من يعرف قيمة ما وقفت لإكمالها من العمل.

فقد سددت به ثلمة كانت في بنية العلم العربي من عشرة قرون، فقد أغار قومنا على دفائن الفنون اليونانية في القرن الثالث من الهجرة وما بعده، فنثروا منها ما كان مخزونًا، ونشروا للناس ما كان مدفونًا، ولم يدعوا غامضًا إلا جلوه، ولا بعيدًا إلا قربوه، ونالت اللغة العربية بصنيعهم ذلك ما لم يكن في حسبانها، فقد صارت لسان العلم والصنعة كما كانت لسان الدين والحكمة.

ويستدرك “عبده” في خطابه عن ترجمة سليمان البستاني: لكن كان أولئك الأساطين الأولون يرون أن ذلك ما يفرضه الحق عليهم في جانب العلم الذي لا يختلف فيه مشرق عن مغرب، ولا يختلف على حقائقه الأعجم والمعرب، وظنوا أن ما رواء العلم من آداب القوم ليس مما يتناسب مع آدابهم، لبعد ما بين أنساب أولئك وأنسابهم، فلن يمدوا نظرهم إلى ما كان في اليونانية من دواوين الشعراء، وما صاغته قرائح البلغاء، فلم تنل اليونانية من عنايتهم ما نالت الفارسية والهندية.

وكان مؤمل اللغة منهم ألا يحرموها نفائس ما اخترع اليونانيون كما زينوها بزينة ما أبدع الهنديون والفارسيون، وبقي ذلك المؤمل في غيب الدهر حتى أتيت ترفع عنه الستر، فما أقر عين العربية بنيل طلبتها، وظهور ما كان منتظرًا لشيعتها، أرجو أن ينال كتابك من الإقبال عليه، والانفتاح به، ما يكافئ تعبك، ويبعث همم العاملين علي تعبك.