رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

2070.. «حرب الزانون».. الآلات الذكية تحرس جنة المتفوقين وتقهر الفقراء

الخيال العلمى
الخيال العلمى

منذ عقود مضت، كانت الأعمال الروائية والسينمائية فى الخيال العلمى تُصور ملامح تطور تكنولوجى بدا فى حينها فانتازيًا أكثر منه عالمًا قابلًا للتحقق على أرض الواقع، وعلى الرغم من البعد التخييلى بتلك الأعمال القديمة، فإن النبرة التحذيرية من المآلات المحتملة لم تكن غائبة يومًا. اليوم وفى ظل التقدم التكنولوجى غير المسبوق فى تاريخ البشرية إلى حد بات معه يهدد أسس البناء الاجتماعى والسياسى للمجتمعات، لم تعد الصيحات التحذيرية فى الأعمال الروائية سوى تخوفات حقيقية تجد ما يبررها على أرض الواقع بقوة. 

تشغل قضية الذكاء الاصطناعى وتطوراته المرعبة الفلاسفة الغربيين؛ فهناك مئات الأحاديث والكتب والمناقشات حول التهديدات المحتملة بالمستقبل، والمصير الذى سيئول إليه الإنسان فى ظل مستقبل من المتوقع أن تتسيد فيه الآلة وتتحكم، عصر ستؤدى فيه الآلة المهام التى اعتاد البشر أداءها إلى جانب المناقشات الفكرية، فليس غريبًا أن الروايات والأفلام المنطلقة من ثيمة الذكاء الاصطناعى بالمستقبل لا تكف عن التكاثر فى الغرب.

فى العالم العربى، صارت القضية حاضرة، ولكن بالطبع ليس على قدر مماثل من الزخم والثراء. وعلى الصعيد الإبداعى، تظل الأعمال التى تواكب التطورات التكنولوجية الأحدث وتساؤلاتها معدودة، ومن هنا تكتسب رواية «٢٠٧٠.. حرب الزانون»، لمهندس البرمجة المصرى فادى زويل، والصادرة مطلع العام عن «الدار المصرية- اللبنانية»، أهميتها. 

تصور الرواية عالمًا مستقبليًا يتحدد فى ٢٠٧٠، تتفاقم فيه ثنائية الشرق والغرب فى عالم اليوم إلى انقسام العالم إلى مجموعتين من البشر؛ الأولى هى الطائفة المميزة جينيًا التى تتمتع بمختلف المميزات وتستمتع بكل ما تخيله الإنسان من قبل حلًا لمشكلاته، أما الثانية فهى الطائفة المعيبة التى تحتفظ بعيوبها الجينية القديمة وتحيا وفق أسس الماضى دون تغيير، وبين الطائفتين حاجز عظيم على الحدود المشتركة بينهما، تذكره الرواية بأنه «ليس سورًا عملاقًا مثل سور الصين العظيم، أو الحائط الذى حاول ترامب بناءه لمنع تدفق اللاجئين إلى الولايات المتحدة الأمريكية فى الماضى، ولكنه حاجز افتراضى من الموجات الكهرومغناطيسية شديدة التركيز يمتد إلى الفضاء الخارجى لمنع أى محاولة من محاولات الاختراق غير المرغوب فيها من طائفة المعيبين.. هذا الحاجز يمنع عبور الملوثات البيئية من أراضى الطائفة سى «المعيبين» التى تستخدم الوقود الحفرى والبترول..». 

تعيش الطائفة المميزة جينيًا بأوروبا والأمريكتين فى نطاق أطلقوا عليه اسم «الجنة»، فقد خلق هؤلاء لأنفسهم كل ما راود خيالات البشر من إمكانات فائقة. فى الجنة ليس ثمة مشاعر بصفة عامة، ومن ثم لا مجال للحقد والكراهية والخيانة، ولا مجال للتعامل بين البشر، الذى طالما أسفر عن حروب ونزاعات، سوى بأضيق الحدود، ولا مجال للعلاقات الجنسية بين البشر، فكل بشرى يختار من الآليين ما يحلو له وما يناسب رغباته ثم بإمكانه استبداله بآخر إن شعر بالملل أو الرغبة فى التغيير، أما الإنجاب فهو خاضع للمواءمات الجينية المرتبة فى المعامل المخصصة لذلك. 

تتمتع طائفة المميزين بخلوهم من الإعاقات الجسدية، ومن القصر والبنية الضعيفة، وضعف البصر وفقر الدم وأمراض نقص المناعة أو صفات معنوية معيبة، مثل قابلية الإصابة بالاكتئاب وعدم القدرة على تحمل الضغوطات والخجل والانطوائية، كما تمتد أعمارهم إلى ٢٥٠ عامًا. أما طائفة المعيبين فلا تزيد أعمارهم على ٧٠ عامًا، وهم من يحملون الجينات الضعيفة ومن ثم يصير لزامًا عليهم العيش فقط إما فى قارة إفريقيا أو آسيا.

ظاهريًا، تبدو حياة المميزين مثالية، فالروبوتات تُصنع بما يتوافق مع متطلبات سوق العمل ومتطلبات الأفراد، وليس من اليسير التفريق بين هذه الأشخاص الإلكترونية التى يطلق عليها زانون والإنسان الحقيقى، كما أن كل التخيلات والآمال سرعان ما تجد لها تحققًا على أرض الواقع دون جهد يذكر فى ظل نظام اجتماعى صيغ بدقة لضمان رفاهية الأفراد، بما يشبه من حيث الفكرة عالم ألدوس هكسلى الجديد الرائع، لكن الجنة الظاهرية سرعان ما يكشف السرد الروائى عن حقيقة كونها جحيمًا مقنّعًا. 

يتحقق ذلك الكشف بالمواجهة بين الطائفتين، فثمة أفراد من طائفة المعيبين يقررون التمرد على وضعهم المتدنى فيلتقى العالمان ويكتشف أهل الجنة أن ثمة حياة نابضة افتقدوها فى خضم نظامهم الآلى الصارم والمحدد بدقة، وثمة مشاعر إنسانية قاد وأدها إلى حياة لا تشبه الحياة، لتطرح الرواية تساؤلًا ضمنيًا حول الجوهرى للإنسان؛ هل تحقيق أقصى الإمكانات وإشباع مختلف الرغبات يقود حتمًا إلى السعادة وإلى اكتمال الوجود الإنسانى أم أن أوجه النقص البشرى هى جوهر الحياة الحقة؟ 

اعتمدت الرواية على تقنية الرسائل المكتوبة المعبرة عن تعدد الأصوات، فكل شخصية تكتب رسالة تكشف فيها عن حياتها وهواجسها ومخططاتها، وتكشف أيضًا عن البناء السردى للرواية بتكثيف جنّب السرد الانخراط فى تفاصيل لا تخدم أسئلته الأساسية، وأنقذه أيضًا من مثالب التعبير غير المكتمل أحيانًا عن أبعاد الشخصية النفسية المتعددة.