رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«النكبة بالعبرية».. وقفة يهودية للاستتابة والتنصل من جرائم الصهاينة

استهداف مسجد فى غزة
استهداف مسجد فى غزة

على الرغم من آلة الدعاية الضخمة التى توظفها دولة إسرائيل لبث أكاذيبها لدى الإسرائيليين، فإن جانبًا لا يُستهان به من الإسرائيليين يرفضون الأفكار والأفعال الصهيونية، ويُعبِّرون عن فهمهم المغاير للسردية الإسرائيلية عن «نكبة فلسطين». 

تجربة نادرة

يسلط كتاب «النكبة بالعبرية.. عن النضال اليهودى ضد الصهيونية فى إسرائيل»، للكاتبين إيتان برونشتاين أباريسيو وإليونور ميرزا برونشتاين، والصادر عن المركز الفلسطينى للدراسات الإسرائيلية «مدار»- الضوء على ذلك عبر سرد الكاتبين محاولتهما الكشف عن أوجه هيمنة الرواية الرسمية على الوعى العام، والأساليب المعتمدة لتعزيزها مقابل إنكار الحكاية الفلسطينية.

يبدأ الكتاب باستدعاء الكاتبين تجربتهما السياسية وعملهما الميدانى بمؤسسة «ذاكرات»، وعبر ذلك المدخل يسعى المؤلفان لمناقشة وقياس حجم الوعى الإسرائيلى بالنكبة الفلسطينية، ومدى قابلية الإسرائيليين فكرة حق عودة اللاجئين، وكذلك مدى الوعى بالبنى الاستعمارية لدولة إسرائيل. 

المؤرخين الجدد

يستعرض المؤلفان تاريخ الخطاب الخاص بالنكبة داخل إسرائيل، ويلقيان نظرة على تشكل الشعور الإسرائيلى بهذا الحدث الحاسم، ودلالات كلمة نكبة وكيف تشكلت، ولكن أحد أبرز ما يسرده الكتاب هو بداية ظهور مصطلح «المؤرخين الجدد» فى إسرائيل، فذلك المصطلح الذى صاغه المؤرخ بينى موريس فى أواخر ١٩٨٠ نجح فى تقديم مراجعة نقدية للتأريخ الإسرائيلى، لا سيما مع نشر موريس كتابه «مولد مشكلة اللاجئين الفلسطينيين» الذى عُد نقطة تحول كبرى ومحاكمة للسردية الإسرائيلية المتعلقة ببدايات الأزمة. 

ويوضح المؤلفان أن تيار المؤرخين الجدد يضم كُتابًا آخرين من أبرزهم: سمحة فلابان، وآفى شلايم، وتوم سيجيف، وهم مجموعة الكتاب الذين حاولوا استعادة السردية الفلسطينية من هامش التاريخ، وأدت إسهاماتهم إلى إشعال نقاشات فى الأوساط العلمية فى إسرائيل وحول العالم، كما أنهم نجحوا فى تغيير أسلوب إجراء البحوث المتعلقة بالنكبة وإن كان تأثيرهم على الرأى العام محدودًا نسبيًا، حسبما يشير الكتاب. 

طمس السردية المخالفة 

يقف الكتاب على محطات النكبة الفلسطينية بدءًا من العام ١٩٤٨ ووصولًا إلى العام ٢٠١٨ للنظر فى الفهم الإسرائيلى الذى شاع عن كل مرحلة ومدى تغيره وأساليب مواجهته، ومن اللافت إشارة المؤلفين إلى أنه عقب الانتفاضة الثانية فى عام ٢٠٠٠ بدأ الآلاف من اليهود الإسرائيليين يفهمون جوهر الدولة اليهودية الذى لا يمنح غير اليهود حقوق المواطنة الكاملة، خاصة إذا كانوا فلسطينيين، كما أدرك كثيرون أن تحقيق العدالة يقتضى منهم النـأى بأنفسهم عن الفكر الصهيونى الذى جرى تلقينهم إياه منذ الصغر. 

ومن العام ٢٠١١ حتى ٢٠١٨، بلغ الوعى والنقاش مبلغًا جعل الحكومة الإسرائيلية تشعر بأن عليها اتخاذ خطوات لإبقاء سيطرتها على السردية التى قامت عليها الدولة، فنشرت ترسانة قانونية للتعامل مع الوضع الجديد، كان من أبرزها أن أصبحت المنظمات والمؤسسات التى تمولها الدولة بما فيها الجامعات عرضة لتقليص الدعم المالى فى حال أحيت ذكرى النكبة، وهو القانون الذى كان له أثر رادع إلى حد بعيد. 

ويبين المؤلفان أن محاولات إجراء نقاشات بشأن النكبة على مستوى المجتمع الإسرائيلى واجهت تحديين رئيسيين: الأول تعلق بكيفية التخطيط لعودة اللاجئين الفلسطينيين وارتبط بذلك على نحو لا فكاك منه كيفية جعل الإسرائيليين يعترفون بحق العودة نفسه، أما التحدى الثانى فهو المواصلة رغم التهديد فى الرزق والتضييق على حرية التعبير فى توعية المحيطين بما حدث فعلًا أثناء النكبة وما يعنيه ذلك، لا سيما أن السردية الفلسطينية دومًا عرضة لتلاعب النخب السياسية والاقتصادية داخل المجتمع الإسرائيلى.

استقصاء كاشف

من الالتفاتات المهمة فى الكتاب يمكن الحديث عن الاستقصاء الذى أجراه المؤلفان بين الإسرائيليين بهدف الكشف عن حجم حضور السردية الفلسطينية بينهم، وانتهى الاستقصاء إلى أن نصف اليهود الإسرائيليين تقريبًا لا يعرفون مصطلح النكبة، على الرغم من كونه الفصل الأكثر مأساوية فى المشروع الاستعمارى الإسرائيلى، ولكن المؤلفان يستدركان: على الرغم من محاولات إسرائيل إنكار النكبة ومسح جميع الأدلة على حدوثها وتمكنها من سن قوانين تحظر أى مسعى للاعتراف بحدوثها، فإن واحدًا من كل فلسطينيين اثنين يعرف النكبة وقادر على إعطاء تعريف للمصطلح.