رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مسلسلات رمضان 2024..

مسلسل "مليحة".. قصة "تتر" أرعب الإسرائيليين

مسلسل مليحة
مسلسل مليحة

من خلال تتر مسلسل رمضاني واحد استطاعت مصر من خلال الدراما "القوة الناعمة" أن تبث الرعب والفزع في قلوب المحتل الإسرائيلي، وأن تتسبب في "العكننة" عليه، ذلك ما حدث منذ أن عرض تتر مسلسل مليحة الذي جاء ضمن ماراثون دراما رمضان 2024 المنقضي، وإلى انتهاء حلقاته في 15 حلقة. 

الناقد أحمد السماحي كشف من خلال أحد البرامج التليفزيونية مشيدًا بعدد من تترات المسلسلات الرمضانية هذا العام عن أن أول مرة يزعج تتر مسلسل "إسرائيل"، موضحًا أنها شنت حملة شعواء وهجومًا شرسا على العمل، كما أنها حاولت حذفه من منصات التواصل الاجتماعي، كما حاولت حذفه من اليوتيوب، مؤكدًا أن هذا التتر جاء ليمثل صفعة في وجه إسرائيل.

بصوت الفنانة أصالة الوقور وكلمات الملولة الفلسطينية "الترويدة" الفلسطينية القوية والتي تعجب لها البعض في البداية، بينما لم تكن غريبة على مسامع المحتل الإسرائيلي، جاء تتر مسلسل مليحة تترًا فلسطينيًا الهوى خالصًا ليعبر بصدق عن القضية الفلسطينية وهيبتها ومكانتها.

والملولة أو الترويدة الفلسطينية هي أحد فنون الفلكور الفلسطيني، وقد كتبت كلماته لتبدو مشفرة غير مفهومة، بينما هى لغة تم اختراعها وقت الاستعمار البريطاني وخاصة من قبل النساء الفلسطينيات، وذلك لكي لا يفهمها جنود الاحتلال، وقد استخدمت تلك اللغة في تمرير رسائل خاصة بين المعتقلين وأهلهم، واستمر التعامل بهذا اللغز حتى بعد النكبة، وحاليًا ما زال إلى الآن يوجد كثير من سكان المخيمات الذين لا يزالون يجيدون التحدث بتلك اللغة بطلاقة.

كما عرض تتر مسلسل مليحة في بدايته أصحاب الأرض وهم يقرأون آيات من سورة آل عمران بالقرآن الكريم والتي تتحدث عن التهجير.

فجأة يرى أصحاب الأرض خلال تتر مسلسل مليحة أناسًا يرتدون لباسًا زرقاء مظهرهم مخيفًا وملثمين مثل اللصوص، ينزلون من أحد المراكب في عرض البحر إلى أرضهم، وهم اليهود، إذ إنها تلك هي الطريقة التي هاجر بها اليهود في الواقع إلى أرض فلسطين.

إذ إنه ومنذ أكثر من سبعين عامًا وتحديدًا في عام 1947، أبحرت سفينة غريبة محملة بنحو 4500 شخص من جنوب فرنسا متجهة إلى فلسطين، ممهدة بذلك لحادثة ساعدت في قيام إسرائيل حيث أبحرت السفينة "أكزودوس"، وكان أغلب ركابها من الناجين من المعتقلات النازية، أما السفينة بحد ذاتها التي كان قعرها مسطحًا، فقد كانت مصممة أصلًا لنقل مئات الأشخاص في أنهار في الولايات المتحدة وغير ملائمة للملاحة البحرية، وقد اشتراها ناشطو منظمة الهاجاناه العسكرية السرية الصهيونية، ثم نقلت بتكتم إلى البحر المتوسط.

في ذات الوقت كان يجري نقل آلاف الراغبين في الهجرة الى فلسطين بسرية كبيرة إلى سيت على متن 172 شاحنة، ورسميًا، قيل إن وجهة السفينة هي كولومبيا، إلا أنه في الواقع توجهت السفينة بصعوبة إلى فلسطين التي كانت تخضع للانتداب البريطاني، وكان الهدف هو كسر الحظر البريطاني المفروض على الهجرة اليهودية إلى هذه الأراضي العربية التي يسعى الصهاينة إلى إنشاء "دولة يهودية" فيها.

عند نزول الشياطين الزرق من المركب إلى أرض السكان الأصليين خلال تتر مسلسل مليحة، قام مخرج العمل بتحويل مظهر التتر من كونه مضيئًا إلى مظلم تعبيرًا عما شهدته أرض فلسطين في الواقع منذ أن وطأ هؤلاء عليها وإلى الآن من ظلام وخراب.

فجأة تخرج فتاة مصرية خلال التتر من أحد المعابد الجنائزية المصرية والمعروفة بأنها مخصصة لإحياء ذكرى الأموات، وتظهر خلاله وهي تساعد رمز المقاومة الفلسطينية "حنظلة"، والذي وصف ظهوره الكثير من المتابعين بأنه بمثابة المفاجأة لكون الكثير من الأجيال الحالية لا تعرف عنه الكثير من المعلومات.

وحنظلة هو شخصية كارتونية من رسم الفنان الفلسطيني ناجي العلي وهي  لطفل فلسطيني ظهر إلى النور أول مرة في عام 1969 تناول من خلالها قضية العدوان الإسرائيلي على فلسطين، وكان قد تلقى تهديدات بالقتل بسبب رسومه الكاريكاتيرية وخاصة هذه الشخصية والتي سخر فيها من ساسة الشرق الأوسط، ليتم اغتياله في 22 يوليو 1987.

يأتي الدور المصري جليًا ومتكررًا خلال تتر مسلسل مليحة الذي يتناول القضية الفلسطينية، إذ يظهر خلال التتر رجل قوي برأس صقر وهو آله الحرب لدى المصريين، ليحطم عجلًا من ذهب في رمز إلى عجل "السامري" الذي عبده اليهود عندما تركهم سيدنا موسى لعبادة الله.

 وبمجرد تحطيم "عجل اليهود" في تتر مسلسل "مليحة" يبدأ حنظلة في شدّ الشياطين الزرق "اليهود" إلى أسفل الأرض، ليخرج بدلًا منهم أصحاب الأرض الحقيقيون، وتبدأ رقصة "أصحاب الأرض" التي تقوم بها إحدى الأطفال الفلسطينيات.

 

 ظهر كذلك خلال تتر مسلسل مليحة مفتاح العودة والذي استخدم كأداة سردية، تساعد على ربط الماضي بالحاضر، إذ إن هذا المفتاح يمثل رمزًا للأمل، وذلك على الرغم من قسوة الواقع وصعوبة تحقيق حلم العودة، ويستخدم مفتاح العودة كرمز للمقاومة ضد الظلم والاحتلال، كما يمثل رمزًا للوحدة الفلسطينية، وتأكيدًا على تمسك الشعب الفلسطيني بحقه في العودة، بغض النظر عن الاختلافات السياسية أو الفكرية.

والمتأمل لتتر مسلسل "مليحة" يستطيع أن يدرك تلخيصه للقضية من البداية وسبل حلها، كما يستطيع أن يفهم الإشارات الجلّية فيه التي تلخص موقف مصر تجاه القضية الفلسطينية، كما يستطيع أن يدرك بحق سبب الخوف والفزع الذي عليه الإسرائيليون بمجرد عرضه وإلى الآن.