رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

البطريرك بشارة الراعي يفسر معنى "الذهاب إلى الجليل" في احتفالات عيد القيامة

كنيسه
كنيسه

تحتفل الكنيسة المارونية اليوم بعيد القيامة المجيد، وقال البطريرك الكردينال مار بشاره بطرس الرَّاعي في رسالته الفصحية: عندما انقضى السبت، أتت في الأحد باكرًا مريم المجدليّة، ومريم أمّ يعقوب، وصالوما، إلى القبر ليحنّطن جسد يسوع. فرأين الحجر قد دُحرج. فدخلن القبر، فرأين شابًا متوشّحًا حلّةً بيضاء فانذهلن. أمّا هو، فقال لهنّ: "لا تخفن. أتطلبن يسوع الناصريّ الذي صلب؟ لقد قام، وليس هو هنا. إذهبن وأعلمن تلاميذه أنّه يسبقهم إلى الجليل وهناك ترونه" (مر 16: 6-7). حدثان تاريخيّان مترابطان ومتكاملان: موت يسوع وقيامته. عنهما كتب بولس الرسول: "مات فدى عن خطايانا، وقام لتبريرنا" (روم 4: 25). ما يعني أنّ بالمسيح كلّ شيء صار جديدًا.


وأضاف: شرح قداسة البابا فرنسيس معاني "الذهاب إلى الجليل" بعد قيامة الربّ من الموت.


أ- الذهاب إلى الجليل يعني البدء من جديد. ففي الجليل كان أوّل لقاء بين يسوع والتلاميذ. هناك بحث عنهم ودعاهم لإتّباعه، فتركوا الشباك وتبعوه. هناك كان مكان حبّهم الأوّل. هناك سمعوه وشاهدوا آياته، ومع ذلك لم يتمكّنوا من فهمه تمامًا. بعد القيامة يعود بهم إلى الجليل لكي يبدأوا من جديد، ونحن، بقوّة النعمة المعطاة لنا من القائم من الموت نستطيع أن نبدأ من جديد. هذا هو نداء الفصح: يمكن دائمًا البدء من جديد.


الذهاب إلى الجليل يعني اجتياز طرقات جديدة، والتحرّك في اتجاهات تعاكس القبر الفارغ. وهذه دعوة لعدم البقاء في إيمان الطفولة واستذكار عاداتها وماضيها. جديدنا الخروج من إيمان الذكريات، وكأنّ يسوع شخصيّة من الماضي، وصديق الفتوّة. لا، بل هو حيّ هنا والآن. يسير معك في طريقك بحلوها ومرّها، لكي تجتازها بفرح وانشراح وعزاء.


الذهاب إلى الجليل يعني أن نتعلّم أنّ الإيمان يقتضي، لكي يكون حيًّا، معاودة السير من نقطة الإنطلاق، ومن إندهاش اللقاء الأوّل، وانتظار مفاجئات المسيح المذهلة في حياتنا اليوميّة.


الذهاب إلى الجليل يعني الذهاب إلى الأماكن البعيدة. هناك يسوع بدأ رسالته. ليست "البعيدة" بالمسافة فقط، بل بشعبها المتنوّع والصعب. المسيح القائم من الموت يسبقنا إليها، وهناك يعضدنا لنتخطّى الحواجز، ونزيل الأحكام المسبقة، ونتقرّب ممّن هم بقربنا كلّ يوم، ونكتشف نعمة العلاقات اليوميّة المتجدّدة. معه الحياة تتغيّر بكلّ ما فيها من عنف وسقطات وألم وموت. فالمسيح القائم من الموت حيّ ويقود وحده مجرى التاريخ. إنّه سيّده وحده ولا أحد سواه من أصحاب المال والسلاح والسلطة والنفوذ.

فهؤلاء كلّهم يزولون كرغوة صابون. وهم مدعوّون إلى التحرّر من سيّء مسلكهم وطرق تفكيرهم، ومن تحجّر مواقفهم وأفكارهم، من استعبادهم لفسادهم ومصالحهم.


هذه هي ديناميّة الاحتفال بعيد الفصح كعبورٍ من قديم إلى جديد. لا يقف عيد القيامة عند حدود التذكار، بل يتعدّاه إلى قيامتنا نحن، وقيامة كلّ إنسان من عتيق إلى جديد، وعلى الأخصّ كلّ صاحب مسؤوليّة. نحن لا نستطيع أن نغمض أعيننا عن مآسي شعبنا، ولا أن نصمّ آذاننا عن أنين وجعه، ولا أن نجعل قلوبنا من حجر لئلّا نشعر معه.