رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

سلام على حافة الهاوية

الثلاثاء الماضى، مرّت الذكرى الخامسة والأربعون لتوقيع «معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية»، التى تواجه، الآن، تحديًا قد يكون الأصعب، أو الأخطر، وقد يجعلها عرضة لـ«الإلغاء أو التجميد»، وفقًا لاستنتاج وكالة «أسوشيتد برس»، وترجيح جريدة «وول ستريت جورنال»، وتحليل، أو تحذير، زميلنا وصديقنا الدكتور صبحى عسيلة، الذى اختار «حافة الهاوية» عنوانًا لدراسة مهمة نشرها «المركز المصرى للفكر والدراسات الاستراتيجية»، أوضح فيها أن المعادلة الحاكمة للعلاقات بين الجانبين تتعرض لمخاطر جمة، يفرضها استمرار العدوان الإسرائيلى على قطاع غزة.

كنا، وما زلنا، أمام كيان أثبت منذ تأسيسه، أنه لا يتنازل عن شبر واحد، إلا مضطرًا، مكرهًا، أو رغم أنفه. بل إنه تمكن من تحويل، أو تحوير، مبدأ «الأرض مقابل السلام» إلى «السلام مقابل السلام»، بعد أن أفرغ السلام نفسه من مضمونه، ولم يعد هو ذلك السلام القائم على العدل، المَبْنى على احترام القانون الدولى وقرارات الأمم المتحدة، الذى حاربنا من أجله وتمكنا من انتزاعه، ونحاول الحفاظ عليه. والآن، يصر رئيس الوزراء الإسرائيلى، على الذهاب بمعاهدة السلام إلى حافة الهاوية، مدعيًا أن اجتياح رفح الفلسطينية لا يخل بها، رغم تحذيرات مصر، المتكررة، وتأكيدها أن المساس بأمنها القومى، بشكل مباشر أو غير مباشر، هو «خط أحمر» لا يمكن تجاوزه، ومن شأنه الإخلال الجسيم بروح تلك المعاهدة.

المعادلة، التى حكمت العلاقات المصرية الإسرائيلية، خلال السنوات الخمس والأربعين الماضية، لخصها الدكتور صبحى عسيلة فى القدرة، ومن قبلها الرغبة، التى أبداها الطرفان للحفاظ على العلاقة الرسمية بينهما، واحتواء كل ما من شأنه أن يضعها على حافة الهاوية، ثم أوضّح المخاطر الجّمة التى تتعرض لها هذه المعادلة وما يفرضه ذلك من تهديدات ليس فقط للعلاقة بين البلدين ولكن لأمن واستقرار منطقة الشرق الأوسط، لافتًا إلى أن مصر حافظت على معاهدة السلام، والتزمت بها فى أحلك الظروف، وتعمل دائمًا على وضعها على الطريق الصحيح، وتجنيبها مخاطر «لعبة حافة الهاوية»، التى يمارسها بنيامين نتنياهو.

بدأت أولى جولات «معركة السلام» بمفاوضات الكيلو ١٠١، فى أكتوبر ونوفمبر ١٩٧٣، ولم تنته بتوقيع اتفاقية السلام، فى ٢٦ مارس ١٩٧٩، وكنا قد أوضحنا، منذ أيام قليلة، ونحن نحتفل بنصر أكتوبر واسترداد طابا، أن الدولة المصرية أثبتت بين يومىّ العاشر من رمضان سنة ١٣٩٠ هجرية، والتاسع عشر من مارس سنة ١٩٨٩ ميلادية، أن تحقيق السلام العادل، لا يكون إلا بالتفوق العسكرى والسياسى والدبلوماسى والقانونى، وقامت عمليًا، عسكريًا، سياسيًا، دبلوماسيًا وقانونيًا، فى عهد أنور السادات ثم حسنى مبارك، بترجمة مقولة إن «ما أُخِذ بالقوة.. لا يُستَرد بغير القوة»، التى كان يرددها جمال عبدالناصر.

هكذا، استطعنا أن نتجاوز منعطفات ومطبات ومراوغات وتلكيكات وألغام، وقمنا فى ٢٥ أبريل ١٩٨٢ برفع العلم المصرى على مدينة رفح بشمال سيناء وشرم الشيخ بجنوبها، ثم على طابا، فى ١٩ مارس ١٩٨٩، بعد انتصارنا فى المعركة الدبلوماسية والقانونية، التى استغرقت سبع سنوات. وقطعًا، لم يكن بإمكاننا انتزاع الأرض وفرض السلام، والحفاظ عليهما، على الأرض والسلام، وعلى طهارة ترابنا الوطنى، واستقلال قرارنا السياسى، إلا بقواتنا المسلحة القادرة، التى أعادت تحرير سيناء، بعد ٣٠ يونيو ٢٠١٣، وأعادت لأرض الفيروز ملامحها التى شوهتها الحروب وأيادى الإرهابيين.

.. وأخيرًا، لا نختلف مع زميلنا وصديقنا الدكتور صبحى عسيلة فى أن تبنّى الدول العربية فكرة السلام كخيار استراتيجى، أكد صدق توقعات الرئيس السادات بأن فكرة الحرب لا يمكن ولا يجب أن تمتد إلى الأبد، وإنْ كنا نرى ضرورة الإشارة إلى أن تحقيق السلام القائم على العدل، أو الحفاظ عليه، لا يكون إلا بالقوة أو تحت تهديد السلاح. وقد تكون الإشارة مهمة، أيضًا، إلى أن مقولة «ما أُخِذ بالقوة.. لا يُستَرد بغير القوة» ليست مقصورة على ساحات المعارك، بل يمكن ترجمتها فى ساحات المحاكم والأمم المتحدة وكل المحافل الدولية، التى لا يمكن تمرير، أو فرض، أحكامها، مبادئها أو قراراتها، إلا بالقوة.