رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الحمير.. أسرار «كراهية اليهودية» فى إسرائيل

اليهودية
اليهودية

«إن إحدى علامات الانقسام المتزايد فى الشعب اليهودى هى موجة الكراهية لليهودية والجمهور الملتزم بالتوراة، موجة الكراهية التى تتزايد بين الجمهور العلمانى، الكراهية التى هى أكثر من عقلانية، هى عاطفية وعميقة للغاية».. هذا ما قاله يشعياهو ليبوفيتش، أحد المفكرين الإسرائيليين الراحلين، وهى الجمل التى استخدمها أحد أشهر مواقع الكتب العبرية فى وصفه الكتاب الذى نتناوله فى هذا العدد.

صدر كتاب «الحمير» خلال شهر فبراير الجارى، فى 463 صفحة، للكاتب الإسرائيلى «آفى فايتزنر»، وهو مقدم متقاعد وخريج تخصص التربية والعلوم السياسية فى جامعة حيفا، ودرس إدارة الأعمال فى جامعة بن جوريون، كما أنه يعد مؤرخًا هاويًا علمانيًا. ويتحدث فايتزنر فى كتابه عن الانقسامات التى يواجهها المجتمع اليهودى الإسرائيلى الناشئ، خاصةً الانقسام بين العلمانيين والدينيين، والمستمرة لسنوات.

ويلقى الكتاب الضوء إلى أن إنشاء دولة إسرائيل فى عام ١٩٤٨ لم يؤد إلى تخفيف حدة الخلافات فحسب، بل أدى إلى تفاقمها أيضًا، وأشعل الخلافات التى تدور حول تلك الأجزاء من المجتمع العلمانى التى تشوه سمعة المتشددين والمتدينين والتقليديين؛ بسبب إخلاصهم للدين والتقاليد، خاصة بسبب ميولهم السياسية، وكل من تتسبب أفعاله فى تفكك النسيج الاجتماعى اليهودى الصهيونى الإسرائيلى. 

ووصف الكتاب هؤلاء بأنهم «الذين يرون أنفسهم حمار المسيح بن داود»، ومن هنا جاء اسم الكتاب «الحمير».

خلال ذلك الكتاب، يقدم الكاتب الإسرائيلى زوايا عديدة لقضايا مهمة تشغل من يسعى إلى فهم معنى الغضب والكراهية، الذى يقسم المجتمع اليهودى فى إسرائيل، وهو يفعل ذلك من خلال أسئلة صعبة تتعلق بجوهر الصراع منها: هل المجتمع الإسرائيلى يغير وجهه؟ ما مكانة الديانة اليهودية فى المجتمع الناشئ؟ هل يمكن لليهود أن يكون لديهم معاداة للسامية تجاه اليهود فى إسرائيل؟ ما هى الكراهية الحرة؟ فهل من الممكن ألا يكون الجدل الأساسى متعلقًا بالدين واليهودية على الإطلاق، بل بمسألة من سيكون الذى سيتحكم فى طريقة توزيع الموارد فى المجتمع؟

ويرى الكتاب أن الجانب العلمانى ليس مستعدًا لقبول الجانب الآخر (المتدينيين) كإخوة متساوين؛ وينكرون سنوات شرعية مجموعة من الناس لرأى آخر وحقه فى الاختلاف مع الآخر؛ أولئك الذين لا يفهمون أنه يمكننا فقط ومعًا أن تكون الأوضاع أفضل.

وجاء فى مقدمة الكتاب: «الأدلة والعلامات على تعمق الصدع فى المجتمع اليهودى فى إسرائيل، يمكن العثور عليها كل يوم فى كلمات أعضاء الكنيست الإسرائيلى، الذين تحدثوا من منصة البرلمان، وفى تصريحات السياسيين الأذكياء لوسائل الإعلام، بطريقة قاسية وفظة للغاية، والإشارات الإعلامية لمن يسمون «النخبة المثقفة» فى تقارير الصحافة المكتوبة ونشرات الأخبار فى الإذاعة والتليفزيون.. ومؤخرًا، مع وصول اليهود المتشددين إلى أحياء سكنية جديدة فى مدن فى جميع أنحاء البلاد، اندلعت مواجهات فعلية.

كاتب هذه السطور علمانى بحت.. هاجر والداه، وهما من الناجين من المحرقة، إلى إسرائيل فى أربعينيات القرن الماضى، والتحقا بالجيش الإسرائيلى، وخدما فى لواء جولانى، حيث التقيا، وبعد تسريحهما من الخدمة العسكرية، تزوجا ودشنا منزلهما فى المستوطنة العلمانية، حيث ولد المؤلف.

كشخص علمانى يعيش فى مجتمع علمانى، يجد كاتب هذه السطور نفسه مصدومًا من جديد فى كل مرة من مستوى العداء والكراهية الذى يظهره الأشخاص المتعلمون، المستنيرون ظاهريًا وذوو الآراء المعتدلة فى كل قضية فى العالم، تجاه الآخرين، الذين يبدون غرباء بالنسبة لهم، ولكنهم أيضًا مألوفون جدًا لهم.

إن متابعة الخطاب الذى ينطلق من ألسنة السياسيين والمشاهير، وكثيرين غيرهم من المعسكر الذى يسمى نفسه «المستنير» تجاه الجماعات الدينية، يثير أسئلة صعبة للغاية.

كيف وصلنا إلى حقيقة أن العديد من أعضاء المجتمع العلمانى فى إسرائيل لديهم مثل هذه المشاعر السلبية الشديدة تجاه اليهودية الأرثوذكسية؟ كيف حدث أن الكثير من الأزواج اليهود فى إسرائيل فى القرن الحادى والعشرين يفضلون عدم الزواج من حاخام فى حفل زفاف تقليدى؟ هل أصبحت إسرائيل، فى نهاية الألفية الثانية، دولة لا تضع اليهودية فى مركز هويتها؟ هل إسرائيل فى أواخر التسعينيات غير آمنة ليهودى يرتدى «الكيباه»؟ هل أصبح أى من الإسرائيليين العلمانيين معاديًا السامية؟».

يرى الكتاب أن اغتيال إسحاق رابين، رئيس الوزراء الإسرائيلى الأسبق، وكذلك انتخاب بنيامين نتنياهو رئيسًا للوزراء فى انتخابات عام ١٩٩٦، أدى إلى شعور الكثيرين من الجمهور العلمانى فى إسرائيل بالصدمة والإحباط العميق والغضب تجاه الجمهور المتدين، وكان يُنظر إليهم على أنهم الذين يتحملون المسئولية المباشرة عن التنفيذ الفعلى لمقتل رابين، وبفضلهم ساهموا فى انتخاب نتنياهو. 

ويتابع: «أدت هذه المشاعر إلى موجة غير مسبوقة من المنشورات والتصريحات المناهضة للدين، سواء فى المقابلات فى وسائل الإعلام الإلكترونية أو الأحاديث القصيرة، أو فى المقالات الصحفية، وأصبح الأسلوب أيضًا وحشيًا للغاية، والمنشورات ملوثة بكراهية غير مسبوقة تجاه الجمهور الذى يرتدى الكيباه فى إسرائيل، وظهور توصيفات مثل: النمل الأسود- الجراد- الطاعون الأسود- القوى السوداء، وغيرها.