رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

في ذكري ميلاده..

ثورة مسرح «برتولد بريخت» الملحمية وكيف جعل المتلقى فاعلًا واعيًا؟

برتولد بريخت
برتولد بريخت

عندما نتذكر اسم برتولد بريخت، والمولود في مثل هذا اليوم من العام 1898، دائمًا ما يستحضر على الفور المسرح الملحمي البريختي، أو كما يطلق عليه أيضًا المسرح التغريبي أو السردي.

 

أوجد برتولد بريخت ثورة من خلال مسرحه في الدراما وانقلبت كل المفاهيم المسرحية التقليدية رأسًا على عقب. بدلًا من أن يجلس المشاهد في صالة المسرح بين مقاعد الجمهور مندمجًا في العمل المسرحي بحيث يتلقي القصة أو العمل المسرحي، أصبح هذا المتلقي والمشاهد في المسرح الملحي عند برتولد بريخت، شريكًا للمؤلف والمخرج والممثل. مشاركًا معهم بتفكيره وحسه النقدي فيما يقدمون من عمل فني.

 

كان برتولد بريخت يري أن المسرح التقليدي لم يعد يصلح للعصر الحديث، وهو العصر الذي عاش فيه بريخت، عصر الحروب والثورات، عصر العلم والعقل والتجريب، وعصر انقلاب القيم والمفاهيم. إذن مسرح برتولد بريخت الملحمي هو مسرح حي يتفاعل فيه المشاهد مع الفكرة والآراء والأحداث في العمل المسرحي، تفاعلًا نقديًا واعيًا بحيث يحفز لديه الرغبة في التغيير على أرض الواقع.

 

كان برتولد بريخت، يعتقد أن مهمة العمل المسرحي هي مساعدة المتلقي على التفكير بوعي ومن ثم النقد كخطوة أولى نحو اتخاذ قرار التغيير. ولنقل أن بريخت رأي أن مهمة المسرح أيضًا ليست الاكتفاء فقط بتفسير الواقع وعرضه على خشبة المسرح كما هو، بل كان يرى أن مهمة المسرح هي الدفع نحو تغيير هذا الواقع.

 

وهكذا أصبح المسرح الملحمي مع برتولد بريخت، أشبه بالمسرح التعليمي التنويري، أصبح مسرحًا يستفز العقل والوعي والنقد، وهذا كما يري بريخت هو الأمر الطبيعي في ظل عصر يموج بالاضطرابات والصراعات والتناقضات والحروب وبالمشكلات الاجتماعية والدينية والسياسية، فكل هذه القضايا أصبحت مع بريخت مواضيع للمسرح، وأصبح المسرح مجالًا للفلسفة التي يجب أن تغير العالم والمجتمع ولا تكتفي فقط بمجرد وصفه أو تفسيره.

 

سمات مسرح برتولد بريخت الملحمي

 

في المسرح الأرسطي التقليدي، تنتهي لذته الحسية مع انتهاء العرض المسرحي، بينما أراد برتولد بريخت أن يجعل من المسرح أداة للتعليم والتوعية والتنوير والتغيير، ولو من خلال التسلية والترفيه، وهذا الأمر الذي أراده بريخت يتم من خلال جعل المشاهد/ المتلقي يقف بالتفكير عند كل مشهد وكل موقف، ليفكر به وينقده ومن ثم يسعي للتفكير في إيجاد بدائل. وهكذا فالمتعة في مسرح برتولد بريخت الملحمي، هي متعة عقلية ذهنية لا تنتهي بانتهاء العرض، بل إن مفعول هذه المتعة يمتد من خلال المقارنات والأفكار التي تدور في ذهن المتلقي إلى ما بعد انتهاء العرض المسرحي من أجل أن تتفاعل هذه الأسئلة والأفكار التي تدور في ذهن المشاهد مع ما يجري على أرض الواقع.

 

مسرح برتولد بريخت الملحمي على النقيض من المسرح التقليدي، يحاول أن يبتعد عن التأثيرات الدرامية وعن وسائل التشويق وعن أساليب الإيجاء والإيهام والإثارة، وهي الأساليب التي تجعل المتلقي يندمج مع العرض المسرحي فينسي عالمه الحقيقي. وعلى العكس تمامًا يسعي المسرح الملحمي إلى إبقاء المشاهد يقظًا، وإيقاظ اهتمام المشاهد بالأفكار المطروحة وبالآراء وبالمواقف ومغزاها، لا أن يكون المشاهد فقط متطلعًا إلى مجرى الأحداث مترقبًا لنهاية القصة. بالتالي يدعو المسرح الملحمي المشاهد إلى مراقبة كل ما يدور أمامه بعين الفاحص المدقق كما لو كان يتابع تجربة ما.