رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

من عضوية بريكس إلى اجتماعات العشرين.. مصر تشارك فى صناعة مستقبل العالم

بريكس
بريكس

بخطى واثقة ورؤية واعية بعزيمة صادقة وبوصلة سياسية لا تهتز.. تمضى سفينة الوطن وسط كل الأنواء الإقليمية والدولية عاقدة العزم على توسيع وتعميق مصالح مصر الاستراتيجية، وترسيخ أركان أمنها القومى بقدر عزمها على بناء جبهتها الداخلية واستكمال منجزاتها لرسم خارطة جديدة للبلاد تعزز بها هيبتها ونفوذها إقليميا ودوليًا.

وجاء انضمام مصر رسميًا لعضوية بريكس مع إطلالة عامنا الجديد بمثابة رسالة بنجاح مصر في جني ثمار عشر سنوات من العمل الشاق والعزيمة الصادقة، وبأننا على الطريق الصحيح لتبوؤ المكان الذى تستحقه جمهوريتنا الجديدة فى صفوف أكبر اقتصادات العالم.

عِقدُ من الجهود الدءوبة مضت خلاله الدبلوماسية المصرية قدمًا بصلابة ومرونة في مسيرتها الوطنية تحت لواء الجمهورية الجديدة لتثبيت حضور مصر الفاعل وتعضيد مصالحها القومية والدفاع عن حقوق مواطنيها.

ويرى المراقبون السياسيون أن الدبلوماسية المصرية، التي وضع الرئيس عبدالفتاح السيسي خطوطها العريضة في يونيو 2014، نجحت على مدار السنوات العشر الأخيرة فى تحقيق انطلاقة جديدة لتعزيز وترسيخ ثقل مصر ودورها المحوري إقليميًا ودوليًا واستعادة مكانتها ودورها لصالح الشعب المصري.

 مصر تدير علاقاتها الخارجية بثوابت راسخة ومستقرة

"إن مصر تدير علاقاتها الخارجية إقليميا ودوليا بثوابت راسخة ومستقرة، قائمة على الاحترام المتبادل والجنوح للسلام وإعلاء قواعد القانون الدولي".. تلك هى محددات السياسة الخارجية التي أكد عليها الرئيس السيسي.

فالسياسة الخارجية المصرية شهدت نشاطًا مكثفًا خلال هذا العقد، حيث ارتكزت على الحفاظ على المصالح الوطنية وتحقيق التوازن والتنوع فى علاقتها مع مختلف دول العالم شرقًا وغربًا، شمالًا وجنوبًا، وفتح آفاق جديدة للتعاون، وتعزيز شراكاتها الاستراتيجية مع كافة القوى الدولية الكبرى والبازغة في مختلف أنحاء العالم، وفى مختلف دوائر التحرك، سواءً الأمريكية (الشمالية والجنوبية)، أو الأوروبية، وكذا الدول الآسيوية التي تشهد معها العلاقات طفرات متوالية خلال السنوات الماضية، ويعكسها توقيع مصر اتفاقية تجارة حرة مع تجمع "الميركوسور" أحد أهم التكتلات الاقتصادية في أمريكا الجنوبية، وانضمام مصر عضوًا شريكًا للحوار في منظمة شنغهاي للتعاون في آسيا. 

تدعيم التعاون الاقتصادى

وفي هذا الإطار جاءت عضوية مصر فى تجمع "بريكس"، اعتبارًا من مطلع يناير الجارى- استجابة للدعوة التى وجهتها مجموعة "بريكس" خلال قمتها الأخيرة التى عقدت بجوهانسبرج للانضمام للتكتل التنموى- لتكتسب أهمية كبرى ومضاعفة فى هذا التوقيت الذى يشهد فيه العالم تغيرات جوهرية ومتسارعة.. دعوة رحب بها الرئيس السيسي، معربًا عن الاعتزاز بثقة دول التجمع كافة التي تربطنا بها جميعًا علاقات وثيقة، والتطلع للتعاون والتنسيق معها خلال الفترة المقبلة لتحقيق أهداف التجمع نحو تدعيم التعاون الاقتصادي فيما بيننا، والعمل على إعلاء صوت دول الجنوب إزاء مختلف القضايا والتحديات التنموية التي تواجهنا، بما يدعم حقوق ومصالح الدول النامية.

الدبلوماسية المصرية لا تألو جهدا لدفع العلاقات المصرية مع دول العالم بما فى ذلك فى الإطار المتعدد الأطراف، ومن هذا المنطلق شاركت مصر بقوة فى قمم ومؤتمرات المنظمات الدولية والإقليمية، سواء الجمعية العامة للأمم المتحدة والقمم العربية وقمم الاتحاد الإفريقى ومنظمة التعاون الإسلامى، وكذا فى اجتماعات مجموعة العشرين التي حلَّت مصر عليها هذا العام كدولة ضيف الرئاسة الهندية للمجموعة.

وفي هذا الإطار، أكد وزير الخارجية، سامح شكري، أنه كان من الأهمية أن تصيغ الدولة سياسة خارجية تتسق مع رؤية القائد الرئيس عبدالفتاح السيسي، وحدد شكرى هذه الخصائص في التوازن والتنوع في العلاقات وتجنيب الاستقطاب، ودعم الاستقرار الإقليمي والدولي، ومركزية الدور للمواطن في السياسة الخارجية والاهتمام بالبعد الاقتصادى والتنموى، واستباقية تتعامل مع التحديات البازغة وسياسات ذات أدوات حثيثة تواكب متطلبات العصر. 

وزير الخارجية أشار إلى الاعتماد بشكل رئيسي على دبلوماسية القمة التى فتحت آفاقا جديدة وبنت علاقات تتسم بالاحترام المتبادل والثقة لما قدمه الرئيس السيسي من جهد وطرح رؤية تتسم بالتوازن والاهتمام بأن تكون العلاقات مبنية على المصالح المشتركة والاحترام المتبادل وعدم التدخل ومراعاة الظروف المحيطة بكل الشركاء، مع الارتقاء بالعلاقات إلى شراكات استراتيجية كاملة لمجموعة من الدول المؤثرة مثل الصين وروسيا والهند واليابان وكوريا الجنوبية.

وفيما وصف وزير الخارجية دعوة مصر لعضوية تجمع بريكس بأنها مهمة، فقد أوضح أن هذا التكتل- الذى يجمع دولًا بازغة- يتيح لمصر مجالات التعاون الاقتصادي، ويسهم في تحقيق التنمية وجهود الارتقاء بمستوى معيشة المواطن المصري.

وأضاف سامح شكري أن انضمام مصر لبريكس يمثل العودة إلى العمل في المجال متعدد الأطراف في منظمات كانت مصر من المؤسسة لها، سواء الأمم المتحدة أو الجامعة العربية أو منظمة التعاون الإسلامي ومجموعة الـ77.. موضحًا أن كل هذه المنظمات كان مشهود لمصر بها دائما القدرة على التأثير والتواجد الكثيف واحترام ما تبديه من آراء والتمسك بميثاق مبادئ الأمم المتحدة وعدم خروجها عن الأطر القانونية في العلاقات بين الدول.

وتحرص مصر على المشاركة فى فعاليات "بريكس" التى تعد مجموعة سياسية بدأت المفاوضات لتشكيلها عام 2006، وعقدت أول مؤتمر قمة لها عام 2009، وكان أعضاؤها هم الدول ذوات الاقتصادات الصاعدة وهي: البرازيل وروسيا والهند والصين تحت اسم "بريك" قبل أن تنضم إليها جنوب إفريقيا فى عام 2010 ليصبح اسمها "بريكس".

وتتميز دول المنظمة بأنها من الدول الصناعية ذوات الاقتصادات الكبيرة والصاعدة؛ ويعيش في الدول الأعضاء نصف سكان العالم، ويبلغ مجموع احتياطي النقد الأجنبي لدول المنظمة 4 تريليونات دولار فيما يتجاوز الناتج القومى الإجمالى لأعضائها 26 تريليون دولار. 

وتسعى مجموعة "بريكس" إلى بناء منصة أوسع للتعاون المفتوح وتحقيق وضع جديد للتنمية المشتركة بين أسواق الدول الناشئة والنامية، وتحرص مصر على المشاركة في الحوار الاستراتيجي حول تنمية الأسواق الناشئة والدول النامية، حيث شاركت مصر كضيف في قمة البريكس التي استضافتها الصين في سبتمبر 2017 في مدينة شيامن السياحية بمقاطعة فوجيان، تحت شعار "بريكس: شراكة أقوى من أجل مستقبل أكثر إشراقا"، والتي تعد أول قمة للمجموعة في مستهل "العقد الذهبي" الجديد من عمر بريكس المتعددة الأطراف.

ويؤكد المراقبون السياسيون أن هذا التكتل يعطى للدول الأعضاء نوعا من التوازن والتبادل التجاري السريع لإنعاش اقتصاداتها، فضلا عن تكوين احتياطيات لمعالجة مشكلة السيولة، وكيفية مواجهة الأزمات العالمية من خلال اقتصادات الدول الأعضاء التي تعتبر الأكثر والأسرع نموًا في العالم، إضافة للبعد السياسى من هذا التحالف والمرتبط بفكرة تكوين نموذج اقتصادي جديد متعدد الأقطاب في محاولة لتكوين استراتيجية اقتصادية جديدة متعددة الأقطاب.

وبالتوازى مع مقعد مصر الجديد فى عضوية بريكس.. وتجسيدًا لمكانتها إقليميًا ودوليًا ودورها المؤثر فى القضايا والملفات الاقتصادية الدولية الرئيسة، والمستقبل الواعد الذى ينتظرها مع المشروعات العملاقة التى تشيدها والانطلاقة التنموية الكبيرة التى تشهدها- كانت مصر على موعد آخر حاضرة فى صفوف الدول الكبرى، فجاءت دعوة حكومة البرازيل، الرئيس الحالى لمجموعة العشرين "جى 20"، مؤخرا لمصر للمشاركة كدولة ضيف فى كافة اجتماعات المجموعة خلال فترة الرئاسة البرازيلية، والتى تستمر لمدة عام وحتى نهاية العام الجارى. 

وتعد المشاركة المصرية في اجتماعات مجموعة العشرين- التى تمثل دولها 80% من الناتج الإجمالى العالمى، و75% من حجم التجارة الدولية، و60% من سكان العالم- برئاسة البرازيل هى الرابعة من نوعها منذ إنشاء المجموعة، والثانية على التوالى بعد مشاركة مصر في اجتماعات العشرين الدورة الماضية، خلال فترة رئاسة الهند، والتى تكللت بمشاركة السيد رئيس الجمهورية في أعمال قمة المجموعة في دلهى، في سبتمبر الماضى.

المشاركة المصرية فى اجتماعات العشرين- التى تشكل أحد أهم أطر اتخاذ القرار الاقتصادى على المستوى الدولى- تحت الرئاسة البرازيلية تأتى فى مرحلة تواجه فيها المجموعة تحديات متزايدة فى ضوء الأزمات الحادة والمتعاقبة التي يواجهها العالم منذ تفشى وباء كورونا مرورا بتداعيات الأزمة الأوكرانية ووصولًا للكارثة الإنسانية التي يشهدها قطاع غزة بسبب العدوان الإسرائيلى الغاشم.

ذلك بالإضافة إلى مشاركة مصر الفعالة فى اجتماع الممثلين الشخصيين لقمة دول المجموعة، والذى عقد فى العاصمة البرازيلية نهاية العام المنصرم، حيث تم وضع خطة عمل المجموعة خلال القترة القادمة، والتى ترتكز على إيجاد حلول جماعية مؤثرة ومبتكرة للمصاعب الهيكلية التى تواجه الاقتصاد العالمى، خاصة فيما يتعلق بسياسات محاربة الفقر وعدم المساواة، ودفع جهود التنمية المستدامة، وتطوير المؤسسات الاقتصادية الدولية وسبل التحول لاستخدامات الطاقة النظيفة لمواجهة أزمة تغير المناخ.

وعكست المساهمات التي قدمتها مصر خلال مناقشات اجتماع «برازيليا» حرصها على مواصلة المشاركة النشطة والمؤثرة في اجتماعات المجموعة من أجل تعزيز العمل الدولى المشترك في مختلف الموضوعات المدرجة على أجندة العشرين، خاصةً القضايا ذات الأولوية لمصر وإفريقيا والدول النامية، مثل الغذاء والطاقة والديون وتمويل التنمية وإصلاح النظام الاقتصادى العالمى.

وتأتى دعوة مصر للمشاركة فى اجتماعات العشرين فى دورتها الحالية توازيًا مع انضمام مصر إلى تجمع "بريكس" ليعكس الثقل الوازِن الذى تتمتع به مصر دوليا وإقليميا، وتقدير العالم وقواه المؤثرة للخطوات الصائبة التى تمضى بها الدولة نحو انطلاقة جديدة على مسار جمهوريتها الجديدة.

ويرى المراقبون السياسيون أن انضمام مصر إلى البريكس، وكذا مشاركتها فى اجتماعات العشرين، لهى شهادة من كبريات الاقتصادات العالمية والبازغة على أن مصر تسير على الطريق الصحيح سياسيًا واقتصاديًا، وتأكيدا على مكانة مصر وما تملكه من مقومات سياسية واقتصادية وتجارية رائدة على المستوى الإقليمى والدولي، بما يؤهلها لتعزيز علاقاتها مع هذا المحفل التنموي والسياسي والاقتصادي الهام.

كما أن حرص القوى الدولية باختلاف أنماط علاقاتها ومصالحها على مشاركة مصر فى اجتماعات التكتلات الكبرى، وإن كان يعكس إقرارها بأن مصر أصبحت على المسار الصحيح نحو الانتقال من صفوف الاقتصادات البازغة إلى مصاف القوى الاقتصادية الكبرى، إلا أنه يُجسد قبل ذلك حقيقة تترسخ يومًا بعد يوم.. حقيقة أن مصر باستقلالية قرارها وقدرات شعبها وبصيرة قيادتها.. برصيدها الحضارى ومقوماتها البشرية والاقتصادية وفرصها وامكاناتها الواعدة.. ستكون حاضرة وبقوة فى أى ترتيبات دولية قادمة لصياغة مستقبل أفضل للعالم.