رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

هرتلات صهيونية

بقدر مأزق إسرائيل فى غزة، بقدر ما تتصاعد «هرتلات» السياسيين والمسئولين فيها، «الهرتلة» كلمة مصرية دارجة تعنى الكلام غير المسئول أو الكلام غير العاقل، وهى غالبًا منحوتة من كلمة «هتر» والتى تعنى الحمق وعدم الاتزان، وهى فى هذا تتشابه مع كلمات منحوتة أخرى مثل «دوزنة» أو «سلطنة» إلخ.. أيًا كان الأصل اللغوى لكلمة «هرتلة» فالثابت أن السياسيين فى إسرائيل يطلقون «هرتلات» مختلفة تجاه مصر بسبب شعورهم بالألم من جانب، ورغبتهم فى الهروب إلى الأمام من جانب آخر، و«رمى البلا» على مصر من جانب ثالث.. ففى يومين متتاليين صرح «أفيجدور ليبرمان» و«بنيامين نتنياهو» بنفس التصريح تقريبًا ضد مصر.. كل منهما صهيونى متعصب، لكن أحدهما يتباهى بعنصريته والثانى يحاول إخفاءها حتى لا يُحرج الداعمين له فى إدارة بايدن.. ليبرمان سياسى أحمق.. دوره أن يتصنع الجنون ويمثل التطرف ويهدد بإشعال الحرائق، وهو رئيس حزب عنصرى دينى، يدخل الحكومات المختلفة ويخرج منها وسبق له أن شغل منصب وزير الدفاع.. صرح منذ سنوات بأن إسرائيل يجب أن تضرب السد العالى، وعندما شارك فى الحكومة أبلغت مصر إسرائيل بأنه لن يكون ضيفًا مرحبًا به فى مصر إذا خطر له أن يزورها.. منذ يومين ظهر فى مقطع تليفزيونى وهو يمثل دور المتطرف قائلًا: «أنا لا يهمنى مصر.. مصر تساعد حماس.. مصر وحماس شىء واحد.. يجب أن نضرب محور فلادلفيا.. أنا لا يهمنى مصر.. مصر وحماس شىء واحد!!» كلام ليبرمان أكبر رد على لجان الخونة التى تتهم مصر بالتخلى عن غزة أو عدم مساندة أهلها.. لكن هذا لا ينفى أن ما يقوله «هرتلة» صهيونية متعمدة.. بعد ظهور ليبرمان بيوم واحد صرح بنيامين نتنياهو بأن محور فلادلفيا لا بد أن يكون تحت سيطرة إسرائيل.. من وجهة نظرى الخاصة فإن هذا تصريح للاستهلاك المحلى من جانب، ولقياس رد فعل مصر من جانب آخر، رد فعل مصر مفهوم ومعروف ومعلن على لسان رئيسها وقواتها المسلحة عدة مرات، إذا تم تهديد الأمن القومى المصرى فسنرد بالقوة وستكون كل المعاهدات فى الحالة «لم يكن».. لكن الحقيقة أن نتنياهو يقصد أن يكون المحور تحت سيطرة إسرائيل من جانب غزة، وهذا أمر عليه أن يجربه أو يسعى له وهو جزء من الاعتداء الصهيونى على غزة وسيقاومه أهل غزة كما يقاومون كل اعتداء، من الناحية السياسية احتلت إسرائيل قطاع غزة فى ١٩٦٧، ولم يتم تنفيذ قرارات الأمم المتحدة القاضية بالانسحاب من غزة، فى ٢٠٠٥ فكت إسرائيل ارتباطها بقطاع غزة لتتخلص من مسئوليته، ولم تقم دولة فى القطاع، ظل قطاع غزة محتلًا من إسرائيل رغم أنها أعادت انتشار قواتها حوله فى ٢٠٠٥.. ما أقصده أن تصريح نتنياهو حول ضرورة السيطرة على محور فلادلفيا من جانب غزة لم يأت بجديد، هو يحاول السيطرة على غزة كلها ولكن ليس كل ما يتمناه الصهيونى يدركه.. رد الفعل المصرى وصل نتنياهو بكل تأكيد، لذلك ستظهر محاولات شرح تقول إنه يقصد السيطرة من جانب غزة لا من أى جانب آخر.. ومع ذلك تبقى هذه هرتلة صهيونية، ومحاولة من أكبر مسئول صهيونى للإيحاء بأن مصر تساعد حماس، وأن السلاح يدخل من الجانب المصرى، وأن هذا هو مبرر إسرائيل فى هزيمة حماس أو قتل قادتها أو تحرير الرهائن.. العقل الصهيونى المريض يقول لقادة إسرائيل إن مصر تذل الصهاينة فى غزة من خلال حرب المدن التى لا يمكن حسمها بسهولة وإن استفزاز مصر للدخول فى حرب نظامية قد يكون هو المخرج للجيش الذى ادعى أنه لا يقهر.. هذه ضلالات صهيونية واضحة.. ستندم إسرائيل لو استفزت جيش مصر كما لم تندم من قبل.. ومع ذلك مصر هى التى تحدد متى وأين وكيف تخوض معاركها.. وحتى يحدث ذلك سيظل الساسة الصهاينة «يهرتلون» بالتصريحات كلما شعروا بالفشل.. لا مشكلة إطلاقًا.. مادمنا نعرف ماذا نفعل وكيف نفعل ومتى نفعل.