رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

تحديات مصر المستقبلية

انتهت الانتخابات الرئاسية، وعما قريب سيتولى الرئيس مهامه الدستورية لفترة رئاسية قادمة، فى الوقت الذى يواجه فيه الأمن القومى العربى والمصرى تحديات هائلة فى الداخل والخارج.

الحقيقة أن اهتمام الرئيس بالأمن القومى المصرى كان على رأس أولويات الدولة المصرية فى مرحلة ما بعد ثورة 30 يونيو 2013، وقد تزامن هذا الحضور القوى لملف الأمن القومى العربى والمصرى فى أولويات الرئيس عبدالفتاح السيسى مع تنامى حجم التحديات والتهديدات التى كانت تواجه المنطقة العربية، ولا تزال.

بدأت ملامح هذا التهديد تتضح مع وجود إسرائيل التى تحتل الأراضى العربية منذ عام 1948، كمظهر دائم من مظاهر تهديد الأمن القومى العربى والمصري. 
ما زالت إسرائيل هى الخطر الأول على مصر فى الماضى والمستقبل، بسبب توجهات الأحزاب والقوى اليمينية المسيطرة على صناعة القرار الإسرائيلى، التى لا تؤمن بعملية السلام مع العرب، ولا حقوق الشعب الفلسطينى فى دولة مستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، خاصة أن هذه القوى هى الفاعلة حاليًا ومستقبلًا فى المشهد السياسى.

كما أن الغزو الإسرائيلى لغزة سيجعل من الصعوبة على مصر ضبط حدودها ومواجهة المخاطر المترتبة، والموافقة التى تعقب هذا الغزو، وهو ما يتعلق منها بتهريب السلاح والإرهاب، ومن ثم زيادة حدة المخاطر فى سيناء المرتبطة بالتنظيمات الإرهابية هناك، التى تقوم قوات الأمن والجيش بعمليات واسعة النطاق ضدها.

كما ظهرت أطماع لدول مجاورة ضمن منطقة الشرق الأوسط فى جيرانها، ونقصد بها تركيا وايران، التدخلات التركية فى سوريا وليبيا ورغبتها فى فرض مشاريعها للهيمنة الإقليمية، واستنزاف موارد سوريا وليبيا، فضلًا عن تحدى الإرهاب. 
وتدخلات إيران فى اليمن والعراق ولبنان وسوريا، ومحاولاتها المتكررة لتهديد الأمن القومى العربى فى منطقة البحر الأحمر مؤخرًا.

كما ظهرت هناك تهديدات للأمن القومى العربى من دول كانت استعمارية، وظهور قوى جديدة، مثل بريطانيا وأمريكا وروسيا، بما لديها من أطماع وتدخلات فى شئون المنطقة، وأهداف القوى الدولية فى تقسيم الدول العربية فيما عرف "بمشروع الشرق الأوسط الكبير"، بحيث تدخل إسرائيل فى معادلة النظام الإقليمى العربي.

وكان من نتائج تلك التدخلات، الغزو الأمريكى للعراق فى عام 2003 ثم الأزمات اللاحقة عقب الثورات فى كل من سوريا وليبيا واليمن ولبنان والسودان، لنتجه بعد ذلك إلى صياغة معادلة أخرى، وهى توقيع الدول العربية اتفاقيات التطبيع مع إسرائيل فى 2020، بما يضفى لها شرعية إقليمية، ويغير شكل النظام الإقليمى العربي، يضاف إلى ذلك حالة الاستقطاب بين القوى الدولية تجاه المنطقة سواء محور الولايات المتحدة والدول الأوروبية فى مواجهة محور الصين وروسيا.

وقد أكدت مصر على موقفها الصريح والمعلن على لسان رئيسها وحكومتها على رفض أى تدخلات خارجية فى شئون الدول العربية، وهو موقف يأتى فى ضوء اعتبارات دستورية وقانونية دولية بالأساس تؤكد على هذا الموقف، وتؤكد تعارض التدخلات الخارجية مع مبدأ سيادة واستقلال الدول.

فضلًا عن كون هذا الموقف يتسق والرؤية المصرية لقضايا الإقليم والتحديات التى يواجهها فى السنوات الأخيرة، وهى الرؤية التى تنظر إلى التدخلات الخارجية فى شئون الدول العربية على أنها أحد العوامل الرئيسة المحفزة لحالات عدم الاستقرار.

ومن الجنوب، تأتى الأخطار الحقيقية التى قد تدفع مصر إلى ساحة الحرب، وتتمثل أولًا فى إقامة إثيوبيا عددًا من السدود على منابع نهر النيل، ومنها سد النهضة الذى تم ملؤه تمامًا، دون الاتفاق مع دول المصب، مصر والسودان، والذى يعتبر أكبر سد فى إفريقيا على الإطلاق، وواحدًا من أكبر عشرة سدود على مستوى العالم، وسيخزن نحو 74 مليار متر مكعب من المياه، بما يسبب أزمة كبرى لمصر، حيث سيؤثر على تدفق المياه إليها، خاصة فى ظل تجربة بناء سد تانا عام 2010، الذى أدى إلى التأثير على تدفق المياه الواردة لمصر.

كما تواجه مصر خطر تقسيم السودان الشمالى مرة أخرى فى ظل الحرب بين الفرقاء السودانيين، والتوتر بين الجيش والدعم السريع، إلى اندلاع الحرب فى منتصف أبريل الماضي، التى اعتبرتها المؤسسة العسكرية محاولة من حميدتى لاختطاف السلطة عبر تدبير عسكرى بدعم قوى إقليمية، واتهمت المبعوث الأممى فولكر بيرتس بالمساهمة فى تأجيج الأوضاع بمحاولة فرض قوى سياسية محدودة لا تحظى بدعم شعبى، وليس لديها عمق اجتماعي، وتسليمها الحكم وإقصاء القوى الأخرى.

كما ترتب على ذلك أن أكثر من 6.6 مليون شخص فروا من منازلهم، منهم 5.3 مليون نزحوا داخليًا فى 4473 موقعًا فى ولايات البلاد الآمنة، فى حين عبر 1.3 مليون شخص إلى تشاد ومصر وإفريقيا الوسطى وإثيوبيا وجنوب السودان.