رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

بهجة الحبر الفسفورى.. وفى هذا فليتنافس المواطنون

 تابعنا، منذ صباح الأحد، فى أجهزة الراديو بسياراتنا، ذلك البث المشترك والإذاعة التفاعلية المميزة للعملية الانتخابية، وكلما أتيح لنا الجلوس أمام شاشة التليفزيون شاهدنا باهتمام ذلك البث المباشر من داخل لجان التصويت، ولفت نظرى حرص شديد من كثير من السيدات على اصطحاب الأطفال معهن إلى لجان الانتخاب المختلفة. كان من بين تلك المشاهد التى رأيتها فى أول أيام الانتخاب، سيدة يبدو أنها تجاوزت الستين بقليل، متواضعة الحال ككل أمهاتنا، لكنها عظيمة الأثر فى أسرتها ككل أهالينا من شرفاء هذا الوطن. فقد لفتت نظرى بشدة بحرصها على اصطحاب حفيدها الذى كان متشوقًا- وجدته قبله كانت أكثر حرصًا- أن يغمس إصبعه فى الحبر الفسفورى كما فعلت هى. الأجمل فيما لاحظته فى هذا المشهد، هو سماح القاضى رئيس اللجنة للطفل بأن يفعل.
فى هذا المشهد العابر دلالة واضحة تشى بما سيكون عليه مستقبلنا السياسى. فما فعلته تلك الاستحقاقات الدستورية المتتابعة التى شهدتها مصر خلال العقد المنقضى، هو اعتياد الجيل الجديد هذا المشهد، والسماح لهم بدخول اللجان الانتخابية فى صحبة ذويهم، وفى هذا نوع من كسر الهيبة التى كانت تمنع المواطن من الخوض فى السياسة، أو ما اصطلحنا على تسميته «التورط» فى العمل السياسى. وفى تلك اللفظة دلالة واضحة على عقيدتنا نحو الممارسة السياسية، فقد كانت فى ظن الكثيرين ورطة يرى المواطن نفسه فى مأمن كلما ابتعد عنها، ونحن الآن بصدد تغيير تدريجى فى هذه النظرة.
فى المساء، أيضًا، تنقلت بين الإذاعات والقنوات المختلفة متابعًا تغطية وسائل الإعلام للعملية الانتخابية، ولكننى توقفت أمام حوار للكاتب والبرلمانى السابق محمد مصطفى شردى؛ إذ كانت فى ضيافته الكاتبة الكبيرة فريدة الشوباشى. وفى بداية الحوار علّق محاورها على إصبعها المزين باللون الفسفورى المميز. وبسعادة شديدة وببراءة أشد نسى شردى نفسه ورفع هو الآخر خنصره للشاشة معبرًا عن بهجته الغامرة بالمشاركة.
 وكذلك نفعل وسط عائلاتنا وفى مقار أعمالنا؛ إذ نبرز بسعادة ذلك الإصبع المزين باللون الفسفورى ليس تباهيًا، وإن كان هذا التباهى من حق الجميع، بقدر ما هو شعور بالرضا أنك أديت واجبك، ولبيت استدعاء وطنيًا. ورغم وجود طرق منتشرة لإزالة آثار الحبر الفسفورى من اليد، إلا أن الكثير من المواطنين تبقى لديهم رغبة حقيقية فى الحفاظ على أثر الحبر على أصابعهم لأطول فترة ممكنة، وفى هذا يتنافس المواطنون.
أمر آخر إيجابى رصدناه فى تلك الانتخابات هو هذه الأعداد الكبيرة من الشباب المناصرين للمرشحين الذين أحاطوا بهم خلال أيام الحملات الانتخابية وأثناء عمليات التصويت ذاتها. وأيًا كان الفائز فى تلك الانتخابات، فإن كوادر سياسية جديدة انضمت للعمل السياسى المصرى باقترابها من هذا المرشح أو ذاك، وانضواء أعداد كبيرة من الشباب ضمن الحملات الانتخابية الرسمية للمرشحين الأربعة. وفى المستقبل سنرى التأثيرات الإيجابية لهذه المشاركة لأجيال جديدة، ومن يدرى فقد نجد من بينهم غدًا من يقرر خوض الانتخابات مرشحًا للمجالس المحلية أو النيابية، وربما قد يكون منهم مرشح رئاسى اتخذ قرار خوض التجربة، أمس، أو، اليوم، لمجرد مشاركتة فى حملة انتخابية لمرشح رئاسى، سواء فاز هذا المرشح أو لم يُكتب له النجاح.
الملاحظ أيضًا فى المحافظات ذات الطابع القبلى أو الريفى، هو حرص العائلات الكبرى على التوافد جماعات بمشاركة رجال وشباب وسيدات تلك العائلات يتقدمهم كبارهم. وفى هذا نوع من التحفيز على مزيد من المشاركة، فقد اعتدنا فى قُرانا على المنافسة الشريفة بين العائلات، فليس لعائلة فلان أن يكون لها حضور أكبر من حضور عائلة علان. ولهذا فإن كبار العائلات يكونون أكثر حرصًا على حشد أفراد العائلة لأن هذا المشهد يبرز حجم العائلة ونفوذها، ما سيجعل لها ثقلًا انتخابيًا أكبر فى قادم الاستحقاقات ويجعلها محلًا للوضع فى اعتبار المرشحين فى الانتخابات البرلمانية التالية، أو يجعل رموزها موضعًا للترضية فى الانتخابات المحلية المتوقعة.
هو إذن مشهد انتخابى يستحق المتابعة والفرحة والتقليد. والأهم أنه يستحق الدراسة من قبل الأحزاب السياسية التى شاركت فى الانتخابات أو لم تشارك. فالتجربة بكل تفاصيلها تستحق الدراسة والتقليد للانتفاع بها، ثم الاستفادة من نتائجها فى قادم الاستحقاقات. إذن عزيزى القارئ إن كنت لم تنل بعد شرف غمس إصبعك بالحبر الفوسفورى، فلتبادر- فيما تبقى من ساعات العملية الانتخابية- بالتوجه إلى لجنتك الانتخابية، لتفخر مع غيرك من الوطنيين بهذا الشرف الذى نلته ففى مثل هذا الاستحقاق الوطنى ليتنافس المتنافسون.