رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

كاثوليك مصر يحيون ذكرى الطوباوي ﭼيرزي پوپيوشكو الكاهن الشهيد

الكنيسة
الكنيسة

تحتفل الكنيسة القبطية الكاثوليكية بذكرى الطوباوي ﭼيرزي پوپيوشكو الكاهن الشهيد، وبهذه المناسبة طرح الأب  وليم عبد المسيح سعيد الفرنسيسكاني  نشرة تعريفية قال خلالها إن  "ﭼيرزي" وهو الاسم الپولندي المرادف لـ "چورچ"أسمه، ووُلِدَ "جيرزي پوپيوشكو " في 15 سبتمبر 1947م، في قرية أوكوبي التابعة لإقليم سوخوفولا شمال شرق پولندا، لعائلة بسيطة من المزارعين، نمى وعيّ يرزي الصغير على پولندا تحت النظام الشيوعي المُناهض للأديان وبالتحديد المسيحية بوصف أغلب الشعب الپولندي من الكاثوليك مع أقلية من اليهود نجت من المذابح النازية.

معاناة عائلة پوپيوشكو 

عانت عائلة پوپيوشكو في تلك الظروف كسائر العائلات الكاثوليكية من عدم القدرة على ممارسة الشعائر الدينية بحرية، كذلك كان محظور على أي كاثوليكي التدخل أو الحديث في شئون سياسية وإلا وقع قيد الاعتقال.

بعد إنهاء تعليمه المدرسي إلتحق ﭼيرزي بإكليركية العاصمة الپولندية وارسو. إضطر بعدها بفترة بسيطة أن يقطع دراسته ليتحق بالتجنيد طبقاً للنظام الشيوعي الذي لا يعفي طلبة الإكليريكية من أداء الخدمة العسكرية، بل كان التجنيد في تلك الفترة محاولة لتقليل عدد أصحاب الدعوات الكهنوتية وشغلهم بأمور أخرى ربما تغير قناعاتهم وتدفعهم إلى ترك الإيمان أو على الأقل ترك الدعوة الكهنوتية وتقليل عدد الكهنة وإندثار المسيحية بالوقت.

لم يتأثر الشاب ﭼيرزي بتلك الأمور وبمجرد إنهاءه الخدمة العسكرية، استأنف الدراسة بالإكليركية لتتميم دعوته، فقد زاد إصراره على أن يصبح كاهناً لتبقى كلمة الرب في النفوس وسلام المسيح ينتشر في پولندا رغم كل المعوقات.

تمت سيامته الكهنوتية عام 1972م بعمر الخامسة والعشرين، وبدأ يتفاعل في خدماته برعايا الإيبارشيات المختلفة مع ظروف مجتمعه، وأراد أن يكون له دور تعليمي عملي في المطالبة بحقوق المواطنين بشجاعة وسلام المسيح الذي واجه كل سلبيات مجتمعه بوداعة، بشكل خاص بعد أن تأثر بقضايا البُسطاء والعُمّال الذين كان من المفترض أن يحصلوا على كامل حقوقهم الإجتماعية والمادية في ظلّ النظام الشيوعي الذي يدّعي التميز بذلك عن باقي الأيدلوچيات.

في عام 1981م، انضم الأب پوپيوشكو إلى حركة تضامنية نقابية تهدف لحل مشاكل العُمّال مع المطالبة بحقوقهم، سرعان ما بدأت تتوسع في إنتشارها وأصبح عدد أعضائها يقارب عشرة ملايين عامل، أي ثلث عدد عمال پولندا، واشتهرت بإسم "سوليدارنوش".  وتعني "التضامن" باللغة الپولندية كانت نقبة ضخمة ولأول مرة لا تتبع الأيدلوچيا الشيوعية ولا أي أيدلوچيا أخرى لأنها لم تكن سياسية بل كانت إجتماعية.

تكلَّم الأب پوپيوشكو بشجعة وعلانية حول حقوق العمال وقمع النظام الشيوعي لمُطالباتهم، كذلك تحدث عن قمع الحريات الدينية في پولندا والتضييق على جموع الپولنديين المسيحيين الراغبين في عيش إيمانهم ووممارسة شعائرهم بحرية، كانت تصريحاته تُبث عبر إذاعة أوروبا الحرّة.

خلال فترة قانون الأحكام العرفية كانت الكنيسة الكاثوليكية هي القوة الوحيدة التي يمكن أن تعرب عن احتجاجها بشكل منفتح نسبياً ، لكون كاثوليك پولندا كتلة ذات وزن يُشار إليها بالبنان في الإنتماء للكنيسة والتواجد بالرعايا خلال القداسات والإجتماعات والإحتفالات الطقسية. لذلك رأي الأب پوپيوشكو أن الكنيسة في پولندا يمكنها مساندة المجتمع في إحتياجاته.

وبوصفه كاهن، اتبع إجراء جديد وهو "قداسات الحرية" حيث بدأ في صلاة القداس بشكل علني دون خوف مع أعداد في الأحد الأخير من كل شهر، حيث كانت تحتشد أعداد غفيرة تقدَّر بالآلاف من المؤمنين للصلاة معه بشكل لا تسعه أي كنيسة في پولندا، فأصبح القداس يُقام بميادين عامة.

صار هذا التقليد يُمارس بشكل مستمر شهرياً لمدة ما يقرب من ثلاث سنوات، وأصبح شوكة في جنب النظام الشيوعي الحاكم.

كانت عِظاته مُلهمة للجموع بأن يهتموا بإسلوب المطالب قبل المطالب نفسها، وألا ينساقوا نحو العنف الجسدي أو حتى اللفظي (بالتجريح أو توجيه الإهانة للآخر أو السخرية منه) تحت شعار تحقيق الغاية، لأن ضدّ المسيح هو من ادعىَ بأن الغاية تبرِّر الوسيلة.

كذلك دعاهم ألا يخافوا ولتكن لهم شجاعة المطالبة بلا سلاح، فالحق وحده سلاح، ولا داعي للخوف حتى من الموت مادمنا نتمسك بأن نكون مُسحاء (جمع مسيح) يحيون على الأرض كل حين.

مع هذا الإيمان المتقد دون الخوف من الوصول إلى الجلجثة والصليب، بائت جميع محاولات السُلطات الأمنية لإسكات وتهديد الأب ﭼيرزي پوپيوشكو بالفشل، كان أبرز محاولات ترهيبه هي إعتقاله عام 1983م، لكن مع تدخُّل رؤسائه للعفو عنه صدر قرار الإفراج عنه ضمن عفو عام مع مُعتقلين آخرين.

في يوم 13 أكتوبر 1984م كانت أول محاولة لاغتياله باستخدام سيارة مسرعة توجهت نحوه لتصدمه لكنه تمكن من تفاديها.

كانت الخطة البديلة والتي تم تنفيذها في 19 أكتوبر 1984م هي اختطافه وقتله، حيث انتظروا مرور سيارة الأب پوپيوشكو في طريقه اليومي، وتظاهروا بأن سيارتهم معطلة ويحتاجون المساعدة ليخرج من سيارته دون مقاومة، بعدها قيّدوا حركته بشدّ وثاقه بالحبال وضربه بالعصيّ وسحق وجهه ورأسه حتى اختفت معالم وجهه من كثرة وتلاحم التجمعات الدموية بها، ثم أودعوه داخل صندوق سيارتهم، وبعد التأكد من موته ربطوا قدميه في حجر ضخم وألقوا به في خزّان للمياه بالقرب من مدينة ڤوتسواڤيك جنوبي پولندا، حتى تم اكتشاف جثمانه في 30 أكتوبر 1984م.

قام بتلك العملية ثلاثة ضباط يتبعون وزارة الداخلية الپولندية عُرفت أسمائهم فيما بعد وهُم: "چيجوش پيتروڤسكي"، "ليشيك پينكالا"، و"ڤالديمار شميلفسكي".

أحدث اغتيال الكاهن الشاب ذو السبعة والثلاثين عاماً الذي أحبه جميع الپولنديين لوداعته، ضجة كبيرة وإحراجاً شديداً للنظام الشيوعي، وتم فضح وإدانة القتلة وأحد رؤسائهم الذي أمر بتنفيذ الإغتيال، وبرغم تشوُّه ملامح الأب ﭼيرزي پوپيوشكو، إلا أن جثمانه ظلّ مكشوف الوجه خلال إلقاء النظرة الأخيرة عليه من الجماهير، وقد كان أشد المواقف إيلاماً هي نظرة والدته لوجهه ويديه وعليهما آثار التعذيب.

شُيع جنازة الأب الشهيد يوم 3 نوفمبر 1984م، وكان في وداعه حشد غفير قُدِّر بحوالي 25 ألف مواطن، من بينهم "ليخ فاونسا" العامل البسيط الذي صار رئيساً لپولندا بعد سقوط النظام الشيوعي.

ظل النظام الشيوعي يحكم پولندا حتى عام 1989م، وبعد محاكمة قتلة الأب الشهيد تم سجنهم ثم عُفيَ عنهم في وقت لاحق.

تم منح اسم الأب ﭼيرزي پوپيوشكو وسام النسر الأبيض، وهو أعلى أوسمة دولة پولندا عام 2009م . 

في فبراير 2001م تم منحه لقب "خادم الرب" عن يد البابا القديس يوحنا بولس الثاني.

في ديسمبر 2009م تم إعلانه "شهيداً" عن يد البابا بنديكتوس السادس عشر.

في 6 يونيو عام 2010م، حضرت والدته السيدة "ماريانا پوپيوشكو" حفلاً لإكرامه وإعلان تطويبه في ميدان پيوسوتسكي بالعاصمة وارسو، حضره الكاردينال "أنچلو أماتو"، وقد تم فيه الإحتفال بذبيحة القداس في الميدان بحضور 100 ألف شخص.

في أكتوبر 2013م، أعلن الكاردينال "كازيمير سنتش"رئيس أساقفة وارسو عن معجزة مادية حدثت بشفاعة الطوباوي الأب ﭼيرزي پوپيوشكو، كذلك مابين سبتمبر 2014م، وسبتمبر 2015م تم التحقيق بإحدى إيبارشيات فرنسا في معجزة مادية أخرى بإسم الأب الطوباوي، قد تُسرع بقبول دعوى تقديسه.

هو شفيع المتضامنين مع المُهمشين والمضطهدين، وشفيع نقابة التضامن الپولندية.

مزاره الرئيسي الذي يضم زخائره المباركة هو كنيسة القديس سانسلاوس كوستكا بالعاصمة الپولندية وارسو.