رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

كارثة دانيال.. كيف محت المياه "درنة" فى لحظات؟

درنة
درنة

الجدران البيضاء لمنزل علم سعداوي في درنة المنكوبة ملطخة باللون الأحمر من بصمات الأيدي الموحلة التي تركها ضيوف حفل زفافه وراءهم، في محاولة منهم للبقاء على قيد الحياة بينما ارتفع منسوب مياه الفيضانات تحت أقدامهم بشدة، لتمحي جدران المياه ملامح الأحياء والطرق في لحظات معدودة.

جدران مياه تمحى المدن الليبية

وأكدت صحيفة "إيرش إندبندنت" الأيرلندية، أن العائلة كانت تخطط للحفلة منذ أسابيع، حيث كان والده ميلود البالغ من العمر 70 عامًا قد اشترى أطباقًا فضية للطعام وأكوابًا جديدة للشاي، وبحلول يوم الجمعة، دفنوا في الطمي الذي خلفته عاصفة دانيال، عندما ضربت الوادي وغطت هذه البلدة التي يبلغ عدد سكانها 8 آلاف نسمة في شرق ليبيا، لتختفي معالم القرية بالكامل في ثوان معدودة.

وقالت الأسرة إن الأمر استغرق 15 رجلاً لإزالة طبقات الأوساخ من الأرضيات الرخامية، سيكون من الصعب محو الصدمة، فقد كان العريس علم يتعافى في مدينة قريبة وكانت العروس مع عائلتها، ولم يحتفلوا بيوم زفافهم قط، وقال نزار، شقيق علام، وهو يقف في ما تبقى من مطبخهم: "نحن نخشى من الأمطار الآن".

وأضافت الصحيفة أن في درنة، المدينة الأكثر تضررا، ثمة الكثير من القصص المؤلمة، حيث تم العثور على عروسين ميتين فالعروس في فستانها والعريس في بدلته، وخارج مستشفى الولادة يوم الخميس الماضي، كان شقيقان يبحثان عن أختهما ومولودها بعد أن جرفت المياه منزلهما.

وقال مارتن جريفيث، مسئول المساعدات الإنسانية بالأمم المتحدة، خلال مؤتمر صحفي في جنيف يوم الجمعة: "إنها مأساة تصادم فيها المناخ والقدرة"، مضيفًا أن مكتب الشئون الإنسانية التابع للأمم المتحدة أرسل فريقا للتنسيق في حالات الكوارث مكونا من 15 شخصا إلى ليبيا، وتم نقلهم من منطقة الزلزال في المغرب، حيث تعاني المنطقة من كارثتين مزدوجتين.

وقال جريفيث: "في ليبيا، لا نعرف حجم الكارثة، فلا تزال الفيضانات والسيول والأبنية المدمرة تخفي حجم الدمار والموت".

وقالت منظمة أطباء بلا حدود إن ممثليها قاموا بجولة في ثلاثة مراكز صحية في درنة ووجدوا أن أحدها خارج الخدمة بسبب وفاة جميع أفراد طاقمها الطبي تقريبًا، وقالت المجموعة إن الاثنين الآخرين كانا يعملان مع أطباء متطوعين من طرابلس ولكنهما طلبا المزيد من الدعم، "بشكل أساسي للصحة العقلية لدعم الأشخاص القادمين إلى المركز".

وفي مجتمعات ساحلية أخرى، كان المزاج أكثر هدوءا، حيث واصل السكان عمليات التنظيف وقامت الحفارات بتمشيط الأنقاض بحثا عن الجثث. 

وداخل منزل عائلة السعداوي، غطت بصمات الأيدي الموحلة كل الجدران تقريبًا، وارتفعت مع السلالم التي صعدتها الأسرة مع ارتفاع المياه أعلى وأسرع، قال نزار: "كنا نمسك بالأطفال ونرميهم هناك بعيدًا عن المياه".

وحسب الصحيفة، فقد وصلوا جميعًا إلى الطابق العلوي، والمياه حتى رقابهم، قال علام إنه والرجال الآخرين حملوا الأطفال فوق رءوسهم، وصرخ الجيران من فوق أسطح المنازل بينما جرفت المياه أسرة مكونة من ستة أفراد أمام أعينهم وكان العريس متأكدا بعد ذلك من أنه سيموت، في لحظات معدودة فكل شىء اختفى.

وقال نزار: "فجأة كانت الماء أقوى من أي شىء، انهارت الجدران والمنازل بدا الأمر وكأنه حلم أو كأننا نشاهد أحد الأفلام الأجنبية، فما حدث يفوق التصور".