رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

النقراشى.. وأخلاق العلماء

 قرأنا جميعًا سيرة محمود فهمي النقراشي باشا رئيس وزراء مصر الأسبق والذي اغتالته رصاصات إخوانية غادرة عام 1948. قبلها بأعوام كثيرة كان قد حكم عليه بالإعدام على إثر مشاركته في ثورة 1919 تحت لواء الوفد المصري . إنه  أيضًا رئيس الحكومة التي اتخذت قرار مشاركة مصر في حرب فلسطين . هذا ما عرفناه من كتب التاريخ عن الرجل كأحد القادة الوطنيين.
وبعد سنوات طويلة تذكّرنا الرجل وسيرته حين ظهر ابنه د.هاني على الساحة الوطنية في ظل الزخم السياسي - مطلع العقد الماضي - كمصري وطني ظل الوطن في خاطره رغم سنوات الاغتراب و النجاح الكبير الذي حققه في مجاله في بلد المهجر. ليعود إلى موطنه من حين إلى آخر كمصري مغترب أراد أن يضع بصمته لصالح وطنه فيما يعرف ويجيد. ثم وقع عليه اختيار مؤسسة الرئاسة، ليكون ضمن الفريق الاستشاري للسيد الرئيس عبدالفتاح السيسي. 
كيف لا و هو واحد من أهم الخبراء في مجال الطاقة الجديدة والمتجددة وخاصة الطاقة الشمسية. كما أنه يحمل سيرة علمية مشرفة بدأت منذ تخرجه فى هندسة القاهرة أواخر الخمسينيات من القرن الماضي، ثم حصوله على الماجستير والدكتوراه من ألمانيا، وهناك أيضًا عزّز خبراته بالتعاون مع عدد كبير من الشركات الألمانية العملاقة، إلى أن أسّس شركتيه في ألمانيا عام 98 ثم في القاهرة عام 2005. مع عودته إلى مصر احتفت به الأوساط الإعلامية لسيرته الشخصية، كما زكّته السيرة الطيبة لوالده السياسي الوطني الذي لم يهادن في موقف سياسي أو في الدفاع عن قناعاته الشخصية و أفكاره الوطنية.
  وكان لي شرف لقاء الرجل في حوار طويل منتصف سبتمبر من عام 2019. فعرفت فيه معنى تواضع العلماء. قدمته يومها لجمهوري بإيجاز قائلًا: "إنه رجل لم يقل كان أبي، ولكنه اجتهد حتى صار خبيرًا عالميًا في مجال الطاقة ليقول: هاأنذا.... " . و يومها كان الرجل متدفقًا عند الحديث عمّا يعمل و يجيد، وحين سعيت لاستدعاء ذكرى والده لم يستطرد وكانت إجاباته مقتضبة وكأنه يقول لي: دع الأمر لأهل التاريخ والسياسة، واترك حديثنا نحن ليكون عن المستقبل، وهذا هو الأهم للوطن والمواطن. 
 بعد ذلك تابعت جل كتاباته التي يكتبها بالعربية، إذ يشرّفني بإرسالها لي على الواتس آب بصورة شبه منتظمة، و هي كتابات تتسم بشرف الكلمة وإعلاء قيمة العلم . أجل، إذ ليس في آراء الرجل مداهنة ولا مجاملة في المواقف العلمية الثابتة. يختلف مع بعض الإجراءات العلمية، ويعبر عن ذلك بحرية، لكن بكياسة العلماء. فالرجل يعلن مواقفه- إبراء للذمة- مع أو ضد ليقول كلمته ويمضي. 
فهو مثلًا ضد فكرة التوقيت الصيفي التي تستهدف تخفيض استهلاك الكهرباء للإضاءة، إذ يرى أنها كانت وراء مزيد من استخدام أجهزة التكييف التي تستهلك كهرباء أكثر. علمًا بأن للرجل رؤية مغايرة بخصوص إنشاء المحطات النووية لإنتاج الطاقة. كما أن لديه أفكارًا في شأن إمداد القطار السريع بالكهرباء، حيث يرى أن هذا فكر يحقق الاستدامة ويراعي الأثر البيئي والصحي، بل والأخلاقي.
ورغم أن له ملاحظات على إنشاء محطات الطاقة الشمسية فيما يعرف بمشروع بنبان، إذ يرى أن مصر يجب أن تهتمّ بإنشاء محطّات طاقة شمسية مجمّعة في مناطق غير مربوطة بالشبكة الكهربائية، حتّى تتحقّق الاستفادة والتنمية. غير أنه لم يخف سعادته بما أعلنت عنه الحكومة مؤخرًا من فكرة التخزين الحراري بإنشاء مشروع خميسة.
 كما ينصح النقراشي بإجراء تعديل تشريعي على قانون الكهرباء، الصادر فى 2015، والذي ينص على أن الطاقة المتجدّدة المدرجة فيه تقتصر على الرياح والطاقة الشمسية، فيما يوجد العديد من مصادر الطاقة الأخرى التى ينصح بالتوسع في استغلالها، كطاقة الشمس ذات التخزين الحراري والمياه، أو الطاقة الناتجة من حرق الفضلات الزراعية.
    وفي هذا تبقى مواقف د. النقراشي نموذجًا يحتذى، إذ لا مانع من الاختلاف- و ليس الخلاف- طالما كان هذا الاختلاف لصالح الوطن، ولكن ينبغي أن نراعي دائمًا أن يقوم هذا الاختلاف على مبدأ الاحترام والموضوعية، وأن نجعل المصلحة العليا للوطن هي المعيار الذي يحكمنا جميعًا.