رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

فى ذكرى رحيله.. كيف كان "المنفى" مصدرًا لإلهام محمود درويش؟

محمود درويش
محمود درويش

يصادف اليوم ذكرى رحيل الشاعر الفلسطيني محمود درويش الذي تُوفي في 9 أغسطس 2008، ويعد درويش من أعلى أصوات نضال الشعب الفلسطيني، حتى إنه سُمي بـ"شاعر القضية الفلسطينية".

 ابن قرية البروة بفلسطين 

لم يتخل محمود درويش، عن إطلاق كلماته الصادقة والمؤثرة في "أشعاره" طيلة حياته، وُلد في 13 مارس 1942، في قرية البروة، فلسطين، ومن صغره عانى "درويش" من مآسي الاحتلال، ففي عام 1948، شهد درويش مجازر الاحتلال الإسرائيلي، التي أجبرت عائلته على الفرار إلى لبنان.

وبعد مرور عام، عاد مع أسرته متسللًا، بُعيد توقيع اتفاقيات السلام المؤقتة ليجد قريته قد هدمت وأُقيمت بدلًا منها قرية إسرائيلية، فانتقل مع عائلته في قرية جديدة.

وغادر درويش فلسطين للمرة الثانية عام 1970 وسافر إلى الاتحاد السوفيتي لإكمال تعليمه في موسكو، وعاش في القاهرة وبيروت ولندن وباريس، وكذلك تونس، قبل أن يعود عام 1996 ليعيش في فلسطين، في مدينة رام الله بالضفة الغربية.

كتب نثرية لمحمود درويش

ألف درويش عدة كتب نثرية، مذكراته عن حياته الأولى في فلسطين قبل تهجيره، بعنوان "يوميات الحزن العادي"، وفيه اتسم الكتاب بالحزن والثورية، ويصف بدقة مشاعر وحالة الشعب الفلسطيني في ظل معاناته مع الاحتلال الإسرائيلي، في وطنه وفي المنافي حتى باتت أيامه يومًا طويلًا من القهر والحزن.

كما كتب محمود درويش كتاب "ذاكرة للنسيان" عام 1987، حيث ألفه خلال إقامته في بيروت ليتحدث فيه عن الغزو الإسرائيلي للبنان عام 1982 وقصف بيروت، كما يعبر عما يدور حوله بدقة شديدة، من مشاهد مؤلمة إلى أصوات مدينة تحت حصار رهيب، وبينما كانت الطائرات المقاتلة تصرخ في السماء، يستكشف الكاتب شوارع بيروت التي مزقتها الحرب في السادس من أغسطس (يوم هيروشيما).

بالإضافة إلى أكثر من 20 مجموعة شعرية، من عام 1981، كما عمل درويش أيضًا كمحرر لمجلة الكرمل الأدبية، يمكن تفسير قوة شعره بصدق عواطفه وأصالة صوره الشعرية، وقد تأثر في الكثير من كتاباته بالأدب العربي الكلاسيكي، والتاريخ العربي الإسلامي، والأساطير اليونانية والرومانية لبناء استعاراته الشعرية.

كيف كان المنفى مصدر إلهامه؟

 كانت تلك قناعة درويش أن حياته في المنفى كانت مصدرًا لإلهامه في الكثير من أعماله الإبداعية، وكثيرًا ما جسد فلسطين كأم أو محبوبة.

وفي كتابه "حالة حصار" عام 2002، يعبر درويش عن عمليات إعادة احتلال رام الله، ووصفه الإحساس بالعزلة الفلسطينية، فيقول عن المنفى:

آن في المنفى.... نَعَمْ في البيِت،

في السِّتينَ من عُمْرٍ سريعٍ

يُوقدون الشَّمْعَ لَكْ

 

فافرَحْ بأقصى ما استطعتَ من الهدوء

لأنَّ موتًا طائشًا ضَلَّ الطريقَ إليك

من فرط الزحام.... وأَجَّلكْ

 

قَمَرٌ فضوليُّ على الأطلال

يضحك كالغبيّ

فلا تصدِّقْ أنه يدنو لكي يستقبلَكْ

هُوَ في وظيفته القديمِة، مثل آذارَ

الجديِد .... أَعادَ للأشجار أَسماءَ الحنينِ

وأَهمَلكْ

 

فلتحتفلْ مع أَصدقائكَ بانكسار الكأس.

في الستين لن تَجِدَ الغَدَ الباقي

لتحملَهُ على كَتِفِ النشيد..... ويحملَكْ

 

قُلْ للحياةِ كما يليقُ بشاعرٍ متمِّرسٍ:

سِيري ببطء كالإناث الواثقات بسحرهنَّ

وكيدهنَّ. لكلِّ واحدةٍ نداءٌ ما خفيٌّ:

هَيْتَ لَكْ/ ما أَجملَكْ!

 

سيري ببطءٍ، يا حياةُ، لكي أَراك

بِكامل النُقْصَان حولي. كم نسيتُكِ في

خضمِّكِ باحثًا عنِّي وعنكِ. وكُلَّما أدركتُ

سرًّا منك قُلْتِ بقسوةٍ: ما أَجهلَكْ!

 

قُلْ للغياب: نَقَصْتَني

وأَنا حضرتُ... لأُكْملَكْ!

 

كما عبر عن حياة المنفى في كلماته: 

يتلفت المنفي نحو جهاته

وتفر منه المفردات الذكريات

ليس الأمام أمامه

ليس الوراء وراءه

وعلى اليمين إشارة ضوئية

وعلى اليسار إشارة أخرى

فيسأل نفسه:

من أين تبتدئ الحياة ؟

ــ لابد لي من نرجس

لأكون صاحب صورتي!

ويقول: إن الحر من يختار منفاه

لأمر ما ...

أنا حرٌ إذن

أمشي ... فتتضح الجهات

 

وعن شعوره بالعزلة والحصار كتب درويش:

هنا،

عند مُنْحَدَرات التلال

أمام الغروب وفُوَّهَة الوقت 

قُرْبَ بساتينَ مقطوعةِ الظلِ 

نفعلُ ما يفعلُ السجناءُ 

وما يفعل العاطلون عن العمل:

نُرَبِّي الأملْ .

بلادٌ على أُهْبَةِ الفجر. صرنا أَقلَّ ذكاءً،

لأَنَّا نُحَمْلِقُ في ساعة النصر:

لا لَيْلَ في ليلنا المتلألئ بالمدفعيَّة.

أَعداؤنا يسهرون وأَعداؤنا يُشْعِلون لنا النورَ

في حلكة الأَقبية.

هنا، بعد أَشعار أَيّوبَ لم ننتظر أَحدًا...

هنا، لا (أَنا)

هنا، يتذكَّرُ آدَمُ صَلْصَالَهُ

سيمتدُّ هذا الحصارُ إلى أن نعلِّم أَعداءنا

نماذجَ من شِعْرنا الجاهليّ.

السماءُ رصاصيّةٌ في الضّحي

بُرْتقاليَّةٌ في الليالي. وأَمَّا القلوبُ

فظلَّتْ حياديَّةً مثلَ ورد السياجْ.

 

في الحصار، تكونُ الحياةُ هِيَ الوقتُ

بين تذكُّرِ أَوَّلها

ونسيانِ آخرِها. ..

الحياة.

الحياة بكاملها،

الحياة بنقصانها،

تستضيف نجومًا مجاورة

لا زمان لها...

وغيومها مهاجرة

لا مكان لها.

والحياة هنا

تتساءل:

كيف نعيد إليها الحياة

يقولُ على حافَّة الموت:

لم يَبْقَ بي مَوْطِئٌ للخسارةِ:

حُرٌّ أَنا قرب حريتي

وغدي في يدي. ..

سوف أَدخُلُ عمَّا قليلٍ حياتي

وأولَدُ حُرًّا بلا أَبَوَيْن،

وأختارُ لاسمي حروفًا من اللازوردْ...

هنا، عند مُرْتَفَعات الدُخان، على دَرَج البيت

لا وَقْتَ للوقت

نفعلُ ما يفعلُ الصاعدون إلى الله:

ننسى الأَلمْ.