رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

"خورخى أمادو".. صوت سردى حمل هموم البرازيل وأساطيرها إلى العالم

خورخي أمادو
خورخي أمادو

خورخي أمادو، أديب البرازيل، والذي رحل عن عالمنا في مثل هذا اليوم من العام 2001، وفي نفس الشهر أيضًا والموافق 10 أغسطس من العام 1912 شهد يوم مولده، يفخر به البرازيليون كما يفاخرون بكرة القدم.

يوصف خورخي أمادو بأنه صوت سردي حمل هموم البرازيل وأساطيرها إلى العالم، ولد في قرية «باهيا»، وبدأ في ممارسة الكتابة الأدبية منذ سني دراسته الأولى، وأسس مع أصدقائه في مسقط رأسه - باهيا - جماعة الحداثة، أنهى دراسته للقانون في العام 1935 بمدينة ريو دي جانيرو، ولكنه لم يتسلم شهادته، حيث كان قد بدأ يشق طريقه في عالم الأدب ويبزغ نجمه كواحد من أهم الكتاب في البرازيل.

في العام 1946، انتخب عضوًا في البرلمان عقب حصوله على عدد كبير من أصوات الناخبين، لكن سرعان ما ألغت الحكومة الحزب الشيوعي الذي انتمى إليه، فاضطر إلى مغادرة البرازيل إلى فرنسا، ولم يتمكن من العودة إلى البرازيل إلا في العام 1952.

ألف خورخي أمادو، العديد من المؤلفات الروائية من بينها: «ميتتان لرجل واحد، بحر ميت، طفل من حقول الكاكاو، فارس الأمل، فارس الرمال، زوربا البرازيلي، تيريزا باتيستا، بلاد الكرنفال، عرق، الدونا فلورا وزوجاها الاثنان، البزة والرداء وقميص النوم.. حكاية خرافية من أجل إضاءة الأمل»، وغيرها.

يعتبر خورخي أمادو الوحيد من بين أقرانه الذي كانت له المقدرة على التعبير عن الروح البرازيلية، وظل طوال حياته صاحب موقف اجتماعي، خاض العمل السياسي وسجن، فأنتج أدبًا ملتزمًا بالمعنى الإنساني لا الإنشائي، وجل ما قدمه من أدب وروايات ارتبط بالقيم الريفية في بلدته «باهيا»، والتي ظلت مستودعًا لكتاباته، فهو من صنف الكتاب المرتبطين بأماكن ولادتهم ونشأتهم الأولي، إذ رسم لنا لوحات أدبية عن الحياة والناس في «باهيا» منذ روايته الأولى «بلاد الكرنفال» وصولًا إلى آخر كتاباته «فرسان الرمال».

أبطال روايات خورخي أمادو هم أولئك الأشخاص الذين عاش بينهم، ورغم أنه رشح لجائزة نوبل العالمية في الآداب لأكثر من مرة، إلا أنه لم ينلها حتى وفاته في العام 2001.

وفي هذا الصدد، قال خورخي أمادو ذات مرة: «في إحدى المرات قال ناقد متحمس لشتمي، إني كاتب بائعات الهوى والمتسكعين والذين يعانون من أي نوع من الاضطهاد والقضايا الجديرة بالإنسان؛ بسبب ذلك أنا أشعر بفخر كبير».

«البزة والرداء وقميص النوم» تحفة خورخي أمادو الروائية

في روايته «البزة والرداء وقميص النوم»، يثبت خورخي أمادو أن قدرة الفنان العظيم على التجديد لا يمكن أن تتوقف، هكذا عرفه القراء حول العالم في جميع أعماله الأدبية، فدائمًا ما يفاجئ خورخي أمادو قراءه بأن لديه مخزونًا إبداعيًا يكشف جزءًا منه في كل عمل روائي له يتميز بالموسوعية والشمولية.

ويضيف المترجم عوض شعبان، في مقدمة ترجمته: في هذه الرواية ــ البزة والرداء وقميص النوم ــ وهي واحدة من أهم وأبرز أعمال خورخي أمادو الروائية من حيث الشكل والمضمون، حيث تمرد في كتابتها على الأساليب المعروفة في الكتابة الروائية، فاختفت معالم السرد التقليدي، وتشابكت الضمائر مع بعضها بين المتكلم والمخاطب والغائب، وتناثرت في صفحات الرواية، صيغ جديدة كانت غير مألوفة قبل أن يستخدمها هو لتغدو مألوفة.

وهذه هي ميزة كُتاب الرواية العظام الذين يتحولون بعد رسوخ شأنهم في عالم الرواية الشامخ إلى معلمين في هذا الفن الذي هو وحده الذي يستوعب كل الفنون، بدليل أن هذه الرواية - البزة والرداء وقميص النوم - كمعظم روايات خورخي أمادو، تغوص في مجالات الأدب، شعرًا ونثرًا، فتتكلم عن شعراء برازيليين وفرنسيين، وعن كتاب محليين وأجانب، عارضة نماذج من نتاجاتهم، مستعرضة بعض الصيغ والمفردات التي يلجأ إليها النقاد، في تقريظ وهجاء الأعمال الأدبية، في إطار من السخرية «الأمادوية» بالطبع، كاشفة عن النفاق الذي يتآكل في نفوس هؤلاء، فيفقدون رسالة النقد قيمتها الحقة.

ويلفت «شعبان» إلى أنه: «وبرغم جنوح هذه الرواية - البزة والرداء وقميص النوم للكاتب البرازيلي خورخي أمادو- إلى ما يتعدى الواقعية، وهو نفسه- خورخي أمادو - يدعوها "حكاية خرافية"، فإن الواقع المتخيل هو لُحمتها الأساسية، فعشنا مرة أخرى في أجواء الكابوس النازي الفاشي الذي كان مخيمًا على العالم قبل وأثناء الحرب العالمية الثانية، فإذا الوحشية والعسف عنوانان رهيبان لقدرة الأفكار العنصرية والعرقية على اغتيال البشر والقضاء على الحضارة».