رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

قلب نتنياهو.. وعقله

أسئلة كثيرة تُثار حول الحالة الصحية لبنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي، وهو ضمن أهم مشاغل الرأي العام الإسرائيلي منذ دخوله المستشفى مرتين في غضون أسبوع. وزراعة جهاز في جسده بتكلفة تقدر بحوالي 10000 دولار أمريكي، ولكن السؤال المثير للغموض هو: لماذا يحتاج إلى ذلك بشكل عام؟. 

الضربات غير المنتظمة لقلب نتنياهو

أطلق جهاز مراقبة ضربات القلب، الذي تم تركيبه منذ أسبوع، تنبيهًا بأن ضربات قلب نتنياهو "غير منتظمة" وتحتاج إلى تنظيم، فجر اليوم.. يُضاف هذا الأمر «الصحي» إلى قائمة التحديات الضاغطة التي يواجهها نتنياهو، والتي كانت - وحتى الآن - محفوفة بالتحديات السياسية فقط.

التقديرات الطبية في إسرائيل تشير إلى عدة أسباب محتملة.. واحد من الأطباء ذكر أن "الحاجة إلى زرع ذلك الجهاز يعني أن نتنياهو قد تعرض لفقدان الوعي (الإغماء) بسبب ضربات قلب غير منتظمة". هذا يعني أن نقل بنيامين إلى المستشفى بشكل عاجل الأسبوع الماضي لم يكن بسبب معاناة من الجفاف بعد رحلة عائلية إلى بحيرة طبريا بدون قبعة أو شرب كافٍ للماء.

نتنياهو وعلاقاته الدولية: تأجيل الزيارات

قادني الأمر لترقب هل يؤثر الأمر على خطوات نتنياهو القريبة؟ ذلك بالطبع، فالرجل أجل عدة اجتماعات داخلية، وكذلك زيارتاه لقبرص، والتي كانت مقررة الثلاثاء، ولتركيا، والتي كان سيهبط فيها الجمعة المقبل. الأخيرة يمكن اعتبارها دليلاً على أن بنيامين لم يتوقع تعرضه لمضاعفات بعد أسبوع واحد من وعكته الصحية، فهو قبِلها وأعلن موعدها علنًا بعد أيام قليلة من دخوله الأولى للمستشفى، أي أنه لم يحدد موعد بعيد مثلًا -ولو قليلًا- يتيح له فرصة استكشاف هل ستهاجمه مستجدات صحية أخرى خلال أيام معدودة.

السبب المحتمل: ضغوط سياسية؟

أثارت الضغوط السياسية الكثير من التساؤلات حول تأثيرها على صحة نتنياهو. فهل هي السبب وراء تدهور صحته؟ هناك مجريات سريعة ومتلاحقة داخل إسرائيل وعابرة للعلاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية ربما أثرت على صحته بطريقة ما؟
وسط كل المطالعات التي اهتم بها، كان طبيعيًا أن يتطرق التفكير إلى «السبب» فما الذي جعل قلب نتنياهو يضطرب هكذا فجأة؟ هل أصبحت الضغوط السياسية تطفو من كثرة اكتظاظها بعقله؟. بالنظر للتحديات السياسية التي تواجه فيمكننا أن نُحدّث ولا حرج ، فنظامه يعيش حالة عدم استقرار داخليًا، وعلى مستوى العلاقات مع حليفته الأم «أمريكا».

نتنياهو وبايدن: علاقات متوترة

تمر العلاقات بين نتنياهو والرئيس الأمريكي جو بايدن، بفترة من التوتر الذي طال أمده واقترب من العام. لم يتحدث الاثنان كثيرًا، ولم تطأ قدم نتنياهو البيت الأبيض منذ تولي بايدن مهامه، بل من ذهب هو الرئيس الإسرائيلي «يتسحاق هيرتسوج»! علامة جديدة على الجفاء بين بنيامين وجو.

التوتر متشعب هنا بين الاثنين، مثلا الأول يرفض "حل الدولتين" والثاني لا يريد غيره.. بنيامين ضم إيتمار بن غفير وبتسلئيل سيموتريتش المتطرفين لحكومته، يوسع الاستيطان، ويدفع التعديلات القضائية بكل ما أوتي من جهد، أما "جو" يتحفظ على سلوك المتطرفين الاثنين، ويحجم الاستيطان لأغراض سياسية، ويرفض إجراء تعديلات «دون اتفاق بالإجماع وهو شبه مستحيل».. إذا الاثنان بينهما عدم اتفاق رؤى، أو حتى التقاء فيها.

تحدث نتنياهو إلى بايدن هاتفيًا، وقبل حاجته لعملية زرع الجهاز بنحو 3 أيام، اعتقد أنها كانت محاولات لحلول تقريبية بالتزامن مع زيارة هيرتسوج لبيت بايدن الأبيض، والتي يُعول عليها في محو الجفاء، والعودة لعلاقات الساخنة مع الحليف الأساسي والرئيسي.

ضغوط داخلية مستمرة

ماذا يواجه نتنياهو داخليًا؟ أجيب بوضوح أن هناك ضغطًا لم يسبق له مثيل، موجات احتجاجات تطالب بإلغاء التعديلات القضائية التي يدعمها هو، فأمس كان هناك 550 ألف يتظاهرون ضده.. معقول هذا؟ نعم وليست المرة الأولى فما يزيد عن نصف مليون إسرائيلي يرفضون «تعديلات بنيامين». حالة استقطاب واضحة وخطيرة لم تشهدها إسرائيل من قبل.

العملية التي أجراها نتنياهو ليست غير عادية، والتأثيرات الجانبية لها محدودة عادة. نتنياهو لم يتعرض لتخدير كامل، ومع الجرح الذي يبلغ بضعة سنتيمترات، يمكنه الاعتماد على المسكنات للتغلب على الألم بشكل كامل، فلماذا تأجلت زيارتي قبرص وتركيا؟ يبدو أن الأولوية الحالية هي تعافيه واستقراره الصحي، فنتنياهو ظهر متأثرًا بتطوراته الصحية، لكنه متماسكًا بالقدر الكافي جدًا، كما أن التطورات الداخلية تشغل عقله أكثر الآن.

كان طبيعيًا أن انتظر ماذا سيفعل نتنياهو في الساعات الأولى التي تعقب العملية؟ راحة أم نظر الوضع الذي يزداد تعقيدًا، وجاءت الإجابة بأول اجتماع معلن مع هيرتسوج فور قدومه من أمريكا، إذًا هذه محاولة جديدة وعاجلة لرأب الصدع الإسرائيلي الحالي بسبب دفع أحد قوانين التعديلات القضائية أمام الكنيست غدًا. أيضًا سيلتقي هيرتسوج بيائير لابيد رئيس المعارضة الإسرائيلية الرافضة بشكل قاطع لتلك التعديلات.. فدعونا نرى هل حمل الرئيس الإسرائيلي في جيبه مقترحًا ما «للحل من بيت بايدن الأبيض».