رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

تكريم الناس فى حيواتهم

اعتاد الناس أن يتزيدوا في الحديث عن الراحلين (كانوا كذا وكانوا كذا)، وفي أثناء الحياة لا يتكلم أحد عن أحد، بالصورة المنصفة أقصد، بل بعضنا في شغل شاغل عن بعض، وقد يكون البشر المميزون، وأخص من انكمشوا على أنفسهم بعد الذيوع والانتشار، قد يكونون في حاجة إلى من يتذكرهم ويذكر الآخرين بهم، ولا يستطيعون طبعا أن يبلغوا سواهم بذلك؛ فالأمر هكذا محرج، وفيه ما فيه من ترخيص الأنفس بعد غلائها وتقليل الأحجام بعد كبرها..
لا يكون تناول الحي للراحل كلاميا فقط، لكن قد يمنح اسمه تكريما أو ينيل إبداعه جائزة، وبالنسبة للكلام فربما كان الراحل يتمنى قراءته عن نفسه ولم يصبه قط، وبالنسبة للتكريم والجائزة فربما كان يستحقهما ومات دونهما للأسف الشديد!
تنبهت أنا مبكرا إلى الخطأ، خطأ ترك الناس يعملون، بجدية وإخلاص، من غير أن نوجه إليهم ولو كلمة شكر صغيرة، وآليت على نفسي أن أقوم بواجبي تجاه الجميع فلا أهمل أحدا، مهما قرب مني أو بعد عني، لا سيما الملهمين الرائعين بالطبع، غير أني أملك قلما وحسب، أي كلاما صادقا طيبا، كما أحب أن يكون كلامي ويوصف، ولست أملك ظل جائزة ولا تكريم، وصحيح أن للكلام الحسن منزلته عند الناس، لكنهم قد يكونون متعشمين في المزيد، وبالذات ما تقبضه أيديهم من الأشياء المادية التي يجدون أنفسهم أهلا للحصول عليها، ولا يعيبهم ذلك، ما دام شعورهم صحيحا، وعلى كل حال فالكلام الذي يكشف تجليات قمر من الأقمار إذ يحيط بأنواره، أي شخص معتبر من الأشخاص وما في طاقته من الجمال، يسره ويرضي ولو قليلا من غروره، وهذا بالضبط هو المطلوب..
أنا لا أتفضل على أحد بما آليته على نفسي، في هذا المقام، ولا غيري ممن يكتبون عن الناس يتفضلون عليهم، ولكنها حقوق الناس على الناس، أتحدث عنك بالخير وتتحدث عني به، إذا كان لديك ولدي ما يوجب مثل هذا الحديث، وكنت أنت وأنا قادرين على شروطه الموضوعية من الأساس، بل إن الناس الذين يبذلون جهودا عادية، وليست خارقة، تتوق أنفسهم إلى مديح هذه الجهود ومكافأتها عاجلا! 
لا يصح أن نترك الناس، بلا دعم، وهم ينجزون فنا واعيا أو أدبا ممتازا، ولا يصح 
أن نتركهم كذلك وهم يأملون عموما، ويسعون إلى تحقيق الآمال، إنما الدعم هو الإجراء السليم، وهو الذي يجعل الناس متكاملين، والحياة سوية، أما أن يترك الإنسان أخاه الإنسان المجتهد بدون إشادة حاضرة، ثم بعد أن يموت يقول إنه كان أحسن إنسان، وكان يستأهل الالتفات إليه؛ فهذا سلوك بائس لا بد أن ينقطع فورا، وتحل محله فضيلة احتضان الناس وهم موجودون بالفعل؛ فتنتعش أرواحهم ويدركون الثقة الكافية بأنفسهم.