رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

عمرو دوارة يكتب: صرخة رحيل المناضل الميلودرامية

جريدة الدستور

رحيل المفكر والفليسوف المسرحى محمد أبوالعلا السلامونى بهذه الصورة القاسية «الميلودرامية» يعد درسًا بليغًا لجميع المثقفين والمسئولين، فقد أكرمه الله بشرف استشهاده وهو يناضل ولآخر نفس فى حياته، وسط نخبة مختارة من المسرحيين «أعضاء مجلس إدارة المركز القومى للمسرح».

استشهد وهو يدافع، وبكل بسالة، عن قيم الخير والحق والجمال، ويدعو كعادته ودأبه بضرورة مواجهة جميع مظاهر الجهل والتخلف والرجعية، وبضرورة العمل على كشف خفافيش الظلام والقضاء عليهم.

وللحقيقة والتاريخ، لم تكن قضية مجلة «المسرح» وضرورة استمرارها هى كل شغله الشاغل وسبب انفجاره الغاضب، لكنها كانت فقط مظهرًا وجزءًا محوريًا من مظاهر «قمة المأساة»، التى كشفت عن مدى الاستهتار والتفريط فى تاريخنا الفنى والمسرحى، ومدى التقاعس فى حل المشكلات الصغيرة!

لم يكن هناك خلاف شخصى على الإطلاق فى وجهات النظر مع رئيس المركز الفنان القدير إيهاب فهمى- كما حاول بعض الذين لم يحضروا الواقعة إظهار ذلك- بل على العكس تمامًا كان رئيس المركز الذى تسلم مهام منصبه قبل أيام فقط من تلك الواقعة قد أعلن عن حماسه وحماس الفنان القدير خالد جلال، رئيس قطاع الإنتاج الثقافى، لعودة إصدار المجلة.

كما أنه وجه الدعوة لعقد هذا الاجتماع تلبية لرغبة نخبة المثقفين، للبدء فى اتخاذ الإجراءات الفعلية لإعادة إصدار مجلة «المسرح»، التى توقف إصدارها منذ مارس الماضى، نتيجة لعدم تعيين رئيس جديد للمركز لمدة تزيد على ٤ أشهر!!

وبالتالى فقد كان غضب الكاتب الكبير محمد أبوالعلا السلامونى اعتراضًا على خيانة بعض رموز النخبة من المثقفين، وعدم توفير الاعتمادات المالية الضرورية للأنشطة الثقافية، وذلك نتيجة تلك النظرة الضيقة التى تعتبر الثقافة نشاطًا ترفيهيًا لا يستحق الدعم!!

وأيضًا لعدم تقدير الكتاب والأدباء بصفة عامة، وغياب التعاون والتنسيق بين الهيئات والجهات الثقافية فى الوزارة الواحدة، وبينها وبين الوزارات المختلفة، التى أصبحت كجزر منعزلة عن بعضها البعض!! 

لقد فقدنا برحيل الكاتب والمفكر الكبير: محمد أبوالعلا السلامونى رمزًا ساميًا ونموذجًا مشرفًا للمثقف المصرى، الذى يعى دوره المجتمعى فى التنوير والتثوير ونشر القيم النبيلة، ويكفى أن نذكر حقيقة أنه أحد أبرز المؤلفين فى المسرح العربى، وربما يكون من أغزرهم إنتاجًا أيضًا، إلى جانب تميزه ببصمته المسرحية الخاصة ووضوح مشروعه الثقافى.

لذا فقد ظل طوال مسيرته الأدبية مقاتلًا ومقاومًا شرسًا، يواجه بقلمه وإبداعاته قوى التطرف والتخلف، وجميع المظاهر السلبية فى المجتمعات العربية، ولا يحيد عن الحق الذى يؤمن به، ولا يتنازل أبدًا عن قناعاته.

والأعمال الدرامية للكاتب المبدع محمد أبوالعلا السلامونى تتميز بكثير من السمات الإبداعية التى تجعل منها أعمالًا خالدة لها بصمتها المميزة، ويمكن إجمال أهم السمات الإبداعية لمسرحه فى النقاط التالية:

- الالتزام بمواصفات وسمات المسرح الرصين، ويتضح ذلك جليًا فى جميع نصوصه المسرحية.

- استلهام التاريخ والتراث برؤى عصرية،ومن أشهر مسرحياته فى هذا الاتجاه: «سيف الله- الثأر ورحلة العذاب- رجل فى القلعة- أبونظارة».

- تناول الأفكار الفلسفية والقضايا الفكرية، فقد قدم كثيرًا من الأعمال التى تتضمن قيمًا فكرية وفلسفية، كما حرص على تناول القضايا الفكرية الآنية، مع التركيز على بعض القضايا السياسية والاجتماعية المهمة، ولعل نصوصه فى مواجهة جماعات الإرهاب خير دليل على ذلك وفى مقدمتها: «أمير الحشاشين- ديوان البقر- الحادثة التى جرت- والمليم بأربعة»، وكذلك نص «السحرة»، الذى أعده عن مسرحية آرثر ميللر «ساحرات سالم».

- اهتمامه الشديد بتحقيق الفرجة المسرحية، وذلك باختياراه وتوظيفه الشكل أو القالب المسرحى الذى يتناسب مع المضمون والخطاب الدرامى والأحداث الرئيسة، وأيضًا بالتوظيف الجيد والمتميز لفنون الفرجة الشعبية- إذا استلزم الأمر ذلك- دون إقحام، فقدم فى كثير من مسرحياته أشكالًا مسرحية نابعة من التراث، مثل السامر الشعبى والاحتفالات الشعبية وفنون المحبظاتية والأراجوز وبابات ابن دانيال، وتتضح تلك السمات جليًا من خلال مسرحيات: «الحريق- حكاية ليلة القدر- أبوزيد فى بلدنا- رواية النديم عن هوجة الزعيم (بمناسبة مرور مائة عام على الثورة العرابية)- مآذن المحروسة- أبونظارة- فرسان الله والأرض- الثأر ورحلة العذاب- رجل فى القلعة».

- الاهتمام بالقضايا العربية، فقد تميزت كتاباته بوضوح انتمائها للوطن، وارتباطها الوثيق بقضايا المجتمع، وانحيازها إلى الأغلبية من البسطاء بالطبقات الوسطى والمهمشين، كما تميزت بدفاعها الشديد عن هويتنا الثقافية، وكذلك باهتمامه الكبير بقضايا التحرر والتخلص من القوى الاستعمارية، ولذلك كان من المنطقى أن تشغله قضية فلسطين، وتلقى بظلالها على أكثر من نص، وأن يعيد كتابة نص «المزرعة» أكثر من مرة، وهو النص الذى كشف من خلاله عن مدى قسوة وبشاعة ووحشية قوى الاحتلال الصهيونى، خاصة فى صورته الأخيرة، التى أطلق عليها عنوان «القتل فى جنين».

ونظرًا لتميز نصوصه كان من المنطقى أن يحرص عدد كبير من المخرجين على تقديمها، وتضم قائمة المخرجين- بخلاف مخرجى الأقاليم وفرق الهواة المختلفة- كلًا من الأساتذة: عبدالرحيم الزرقانى، وكرم مطاوع، وجلال الشرقاوى، وسعد أردش، وعبدالغفار عودة، وعبدالرحمن الشافعى، وعباس أحمد.

ومن الأجيال التالية تضم كلًا من المخرجين: محسن حلمى، وعبدالستار الخضرى، وناصر عبدالمنعم، ومحمد الخولى، ومحمد متولى، وماهر سليم، وشادى سرور.