رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مسرحية «باب عشق».. انتصار للشعر والحياة

سامح الأسوانى
سامح الأسوانى

لى سنوات طويلة لم أشاهد عرضًا مسرحيًا حيًا، كسلًا وليس استهانة بأبى الفنون، وأعادنى إلى المسرح صديقى الروائى والشاعر محمد إسماعيل جاد الذى نادته خشبة المسرح بعد غيبة عن التمثيل طالت لأكثر من أربعين عامًا، وشجعنى على الذهاب أن مخرج العرض هو المخرج الكبير حسن الوزير.

«باب عشق» هو اسم المسرحية المعروضة حاليًا على مسرح الطليعة، من تأليف الكاتب إبراهيم الحسينى، والمستوحاة من قصة تراثية بطلتها «دعد»، وقيل إنها أميرة من نجد رفضت الزواج إلا ممن يكون أشعر منها، ويمدح حُسنها بأفصح بيان، وبحسب القصة، تبارى الشعراء للفوز بابنة زعيم قومه.

من بين الشعراء كتب «دوقلة المنبجى»، وهو غير مذكور فى غالبية كتب تراجم الشعراء، قصيدته «اليتيمة» التى كانت سببًا فى قتله، فحين كان فى طريقه إلى نجد نزل فى طريقه بخيمة أحد الأشخاص، وقد سمع الأخير القصيدة وطمع بها كى يظفر بـ«دعد» فقتل ضيفه غدرًا وغباء.

منبت الغباء أن الشاعر الضحية أورد بيتًا فى قصيدته، المعروفة أيضًا بـ«الدعدية»، يشير فيه إلى موطنه «تُهامة»، فلما ألقى الغادر القصيدة المسروقة فطنت الأميرة بفراستها إلى أن الأخير ليس من تُهامة، ربما لاختلاف اللهجة، فصاحت فى حراسها قائلة: «اقتلوا قاتل زوجى».

نص المسرحية يمنح القصة المأثورة أبعادًا أخرى أكثر عمقًا، إذ لم يعد «دوقلة» مجرد شاعر وصولى يستغل موهبته للزواج من الأميرة والفوز بكرسى العرش، بل صار فارسًا بكل ما تحمله الكلمة من قيم النبل والشهامة والاعتزاز بالنفس والإيثار، وأصبح جوهر الشعر حاضرًا فى سعيه نحو الحق والخير والجمال.

لكن الشعر فى عالمنا هذا وأحوالنا تلك لا يجد من يُعلى من شأنه كى يحكم العالم، فالشاعر، الذى لعب دوره باقتدار الفنان ماهر محمود، صاحب الصوت الغنائى المميز، يواجه العديد من المؤامرات، بدأها التاجر «طاهر» وأدى دوره أحمد حسن، الذى حاول شراء القصيدة، ولما فشل تآمر مع العبد «هارون»، أو إسلام بشبيشى، لسرقتها، كما أن الوزير يتآمر مع قائد الحرس والسياف، وهم بالترتيب الفنانون محمد صلاح وخالد العيسوى ومحمد إسماعيل جاد، للظفر بالأميرة، أيضًا يرفض الشاعر بيع جسده لراقصة الحانة، أو المبدعة مى زويد، حتى بالمجان، وتنتهى المأساة بأن يقتله «غيلان الراعى»، ولعب دوره الفنان المميز محمد أمين. 

وفى هذه الأجواء التآمرية يتمكن المخرج الكبير حسن الوزير من تصوير أجواء الفترة التاريخية، عصر هارون الرشيد، بحساسية مرهفة، وينجح فى توظيف الشعر، للشاعر الكبير درويش الأسيوطى، والألحان للموسيقى محمد حسنى، فى خدمة النص والحبكة الدرامية، وهو ما ظهر جليًا فى مشهد الحانة، الذى تألقت فيه الفنانة شيماء يسرى بصوتها الرائق البديع.

مؤلف النص، الكاتب إبراهيم الحسينى، انتصر أيضًا للمرأة وأعاد الاعتبار لها فى الشعر والفراسة والقيادة، وفى تحمل النكبات، على نحو ما عهدناه فى مأثوراتنا الشعبية وأساطيرنا القديمة، مثل نعيمة ولوعتها على حسن، وناعسة وصبرها على أيوب، وبهية ورثائها لياسين، وقبلهن إيزيس التى جمعت أشلاء زوجها «أوزوريس» وأعادت له الحياة، ومثلما يقول المخرج فى كلمته فإن: «باب عشق تجربة مسرحية تنتصر للحياة التى نحب أن نعيشها».

فى هذا العمل المبهر كل شىء مصنوع بإتقان: الديكورات والملابس والموسيقى والإضاءة والاستعراضات، كما أن الفنانين لعبوا أدوارهم باقتدار، كلهم أصحاب مواهب كبيرة تجعلنا نتساءل عن مكانهم فى السينما والدراما التليفزيونية، وتكتمل عناصر نجاح العمل من خلال المخرج عادل حسان مدير مسرح الطليعة.

ولعل كثيرين لا يعلمون أن محمد إسماعيل جاد، الذى لعب دور القائد جلال، عاد إلى معشوقه الأول، فن التمثيل، من باب السوشيال ميديا، إذ ظل لفترة ينشر فيديوهات قصيرة على «فيسبوك» لاسكتشات غاية فى الذكاء والصعوبة، وبإمكانيات بسيطة جسد الشعر والفن التشكيلى وصنع استديو صغيرًا فى منزله، وهو الآن يعود إلى المسرح منتشيًا بصدور روايته الثالثة «سفرجى الملوك» وننتظره قريبًا فى عمل سينمائى.