رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

سمية عبدالمنعم: القصة القصيرة متنفسى الحقيقى.. ولا ننكر دور الجوائز فى الأدب

الشاعرة سمية عبدالمنعم
الشاعرة سمية عبدالمنعم

حوار: حسين عبدالرحيم

غلاف الديوان الشعري "حنين" للشاعرة سمية عبدالمنعم

سمية عبدالمنعم: القصة القصيرة متنفسي الحقيقي.. ولا ننكر دور الجوائز في الأدب

لسمية عبدالمنعم طبيعة شخصية خاصة جدًا، تكتب بهدوء وبروية، منذ نشأتها وقلمها لم يجف حبره، ورؤيتها لم تنضب، ومشاعرها تتقد فتمدها بما هو كافٍ لهذا المسمى العظيم "الإبداع"..

لكن "عبدالمنعم" مرت بظروف قاسية كثيرة منها وفاة زوجها المبدع محمد زهران، وراح الحزن يحاوطها مثل شرنقة، لكنها لم  تستسلم ونفضت نفسها، وعرفت أن خير وقود للإبداع هو المعاناة، أن تستثمر تجاربك في صدق المشاعر التي تبثها في حروف تكون من نفسها كلمات لتتشكل في جمل تجعل القارئ يصفق ويقولها بصوت عالٍ: "الله".

في هذا الحوار استعدنا مع سمية عبدالمنعم لحظات اليأس والإحباط والأمل وكتابتها في القصة والشعر والنقد ومشاعر الفقد والفرح وغيرها..

صورة لغلاف الكتاب النقدي "سبع عربات مسافرة" للناقدة سمية عبدالمنعم
صورة غلاف المجموعة القصصية سرير فارغ لـ "سمية عبد المنعم".

في كتابك السادس والمعنون "سبع عربات مسافرة في أدب محمد عبدالمنعم زهران"، لماذا هذا الكتاب النقدي في تلك الفترة وما هي دوافع كتابته؟ 

-بداية لكي أجيب عن ذلك السؤال، فإنه يتحتم علي الحديث عن طبيعة الكتاب، فهو ينقسم إلى قسمين، يتناول في أحد قسميه مقالات نقدية كتبها بعض النقاد المصريين، تتعرض لأدب زهران القصصي والشعري بالنقد والتحليل، أما شقه الثاني فهو أشبه بسيرة غيرية خطّها قلبي قبل قلمي، تحدثت خلالها عن محمد إنسانًا وأديبًا وزوجًا، مارّة بمراحل ومحطات فارقة في حياته، وصولًا لفترة المرض بقسوتها.

وقد كان هدفي في المقام الأول من ذلك الكتاب تعريف القارئ الذي لم يصل إليه أدب محمد بذلك الإبداع المختلف، مؤكدًا بشهادات كبار النقاد الموضوعية، وبعض أصدقائه المبدعين، الذين اعتبروا مقالاتهم تلك لمسة وفاء لروحه النقية، إلى جانب تحقيق رغبتي ولو بشكل جزئي في الحديث عن محمد بشكل حميمي، انطلاقًا من كوني زوجته، وعاصرت تلك اللحظات العصيبة التي مر بها، حيث كان يلتزم الصمت ويفضل ألا يذكرها حتى على صفحته الخاصة، وقد أراد يومًا أن يدونها في رواية صرح إليّ بعنوانها وبرغبته في كتابتها بعد تعافيه، لكن مع الأسف لم يمهله القدر تلك الفرصة.

لذا فإنني أعتز كثيرًا بكتاب "سبع عربات مسافرة في أدب محمد عبدالمنعم زهران"، الذي استعرت عنوانه من عنوان إحدى مجموعاته القصصية والتي فازت بجائزة يوسف إدريس عام ٢٠٢٠، "سبع عربات مسافرة"، وأعتبره بعض ضوء أتمنى أن أكون قد وفقت في تسليطه على حياة وشخص وأدب مبدع يستحق الكثير والكثير.

ما هي ظروف كتابة مجموعتك الأولى "جنون الحب"، خاصة أن لك إبداعات نشرت بالفعل تحمل الكثير من مشاعر الحب والفقد؟ 

- "جنون الحب" هي أولى تجاربي في النشر وليس في الكتابة، فقد سبقها الكثير من القصص والروايات والأشعار على مدار سني عمري، لكنني عندما اقتنعت بأن هناك مما كتبت ما يستحق النشر، كان ذلك الشعور من نصيب "جنون الحب"، التي وللغرابة، لم أكتبها بهدف ضمها بين دفتي كتاب، بل كنت أنشرها بشكل أسبوعي في ملف الحوادث بجريدة "الوفد"، مستمدة أفكارها الرئيسة من جرائم وقعت بالفعل، ربما لم تقنعني نهايتها أو بعض أحداثها فأختار لها ما يرضيني، فأصوغه بأسلوب أدبي، ليحمله غلاف الملف كل أسبوع وعلى مدار سنتين كاملتين، فتوفر لديّ عدد كبير من القصص التي تنتمي لأدب الجريمة الذي ينفرد عن غيره ببحثه عن الدوافع النفسية والاجتماعية لارتكاب تلك الجرائم، فكانت آراء الأصدقاء التي اجتمعت على ضرورة نشر هذا العدد من القصص في كتاب يضمن لها الاستمرار والوصول لقراء أكثر، فصدرت "جنون الحب" عن دار كتبخانة عام ٢٠١٦.

غلاف رواية "رغبة" للكاتبة سمية عبدالمنعم

 ما علاقة الحياتي والمعيشي والواقعي بسرود الكاتب، وهل هناك ثمة ارتباط بين ما تعيشه بطلاتك وبين الحياة الواقعية المجاورة لمشوارك ويومياتك؟ 

- ليس هناك شك في أن أي إبداع يحمل بعضًا من روح صاحبه، ليس شرطًا أن يكون مرآة عاكسة لما يحياه، ولكنه لا ينفصل عنه بشكل أو بآخر، سواء حمله الكاتب قناعاته وأيديولوجياته، أو اكتفى بمزج إحساسه ومواراته بين السطور، المهم أن هناك جزءًا من المبدع يفرغه قلمه، وربما اتسعت مساحة ذلك الجزء لتصبح الكتابة هنا نوعًا من التطهير الذاتي، أو ضاقت لتصبح فرصة لنقل انفعاله بالآخر وقضاياه.

وبالنسبة لعلاقة إبداعي بحياتي الواقعية، فربما حمل بعض ما أكتب ملامح لمراحل عشتها، أو تظاهرت بها، أو دارت يومًا بين خيالي حلمًا أردت أن أحياه، فكان الورق أقرب من يحقق لي هذا الحلم أو يعبر عنه، فرحًا كان أو ألمًا، يتبدى ذلك بقوة في مجموعتي الأخيرة "سرير فارغ"، التي حملتها كثيرًا جدًا من آلام ومعاناة مرحلة الفقد التي عشتها مؤخرًا. 

عن آليات السرد فيما يخص الفقد والألم، كيف ترين صدى هذا العمل فيما يخص علاقتك بمن فارقوك، وخاصة شريك الحياة والإبداع، المبدع محمد عبدالمنعم زهران؟ 

- ربما مررت بمرحلة سكون إبداعي طالت لسنتين كاملتين، لم أكتب فيها إلا محاولات بسيطة، لم ترق لقناعاتي في النشر، وأذكر كيف كان محمد رحمه الله، حريصًا على تشجيعي أن أكتب المزيد، وأن يصدر لي عمل جديد، وكنت دائمًا ما أبتسم له مؤكدة أنني اكتفيت من لذة الإبداع بسعادة وجوده في حياتي، فما عدت أبغي المزيد، لأرى وجهه وقد اكتسى حزنًا، مرددًا "أنا مؤمن بأن لديك المزيد والمزيد، فأنت مبدعة"، فتدفعني محاولاته تلك للكتابة، لكنها لم تتخط الخمس قصص، حتى كانت أزمة مرضه، وقسوة شعوري بها، هنا تفجرت بداخلي مشاعر شتى، رأيتها حينها تحمل الكثير من التناقض، بين الحزن واللهفة والحب والأمل والإحباط، فرحت أكتب وأجرب، وأعرض ما أكتب عليه، فأرى سعادة لا توصف في عينيه، ورضا بما يقرأ لي، لكن ولأن مرحلة المرض لم تدم إلا لشهور، فقد توقفت في نهايتها عن الكتابة، حتى حلت عليّ فجيعة الرحيل، بكل ما انتابني وقتها من لحظات تغييب وانهيار بل وصمت، فكنت أقطع دموع الفراق مسرعة نحو القلم، أو نحو هاتفي، لأسجل بعض ما أشعر به، وخاصة فيما يتعلق بأدب محمد، فقد قضيت تلك الأيام أنهل من أدبه قراءة ونقدًا، أأتنس بكلماته وأستدفئ بروحه بينها، وبعد أن خمدت نيران الألم، انطلق قلمي يخط كل مشاعري تجاه تلك الفترة وما سبقها، فكان وكأنه لم يتوقف عن الكتابة لحظة، بل كأنه قد بعث من جديد، لأكتشف في نفسي الكثير والكثير، بل المزيد والمزيد، ليصدق فيّ قول محمد، فقد أثر صدق ما كتبت على أسلوبي السردي كثيرًا، لأبتعد قليلًا عما ميّز قلمي في الماضي من العمق اللغوي، ليصبح الحدث هنا بكل ما يحيطه من مشاعر، هو البطل الأول والأخير، وفي بضعة شهور كانت "سرير فارغ" قد نضجت، وحان وقت نشرها، لتلحق بمعرض القاهرة الدولي للكتاب، وتناقش ضمن فعالياته، ويكتب فيها وعنها الكثير من المقالات وتلقى العديد من الإشادات. 

 

عن النشوة والسلوى والخلاص، هل ينتهي حلم الكاتب بالخلاص بمجرد انتهاء نصه، أم أن الأمر أكثر عمقًا من ذلك؟

- حلم النشوة والخلاص حلم أبدي لا ينتهي أبدًا، فكلما ظن الكاتب أنه وصل لمبتغاه وحقق سلواه بنص ما، بزغت لديه أحلام أخرى تستولد نصوصًا أكثر فأكثر، فالمبدع يكتب ليحيا، هكذا الكتابة، كجرعة هواء تنعش رئتينا عند الاختناق بأفعال الزمن، فلا تخمد حاجتنا إليها ما دمنا نحيا.

ليتك تحدثيننا عن خارطة النقد بمصر والعالم العربي، من خلال اشتباكه مع نصوصك؟ 

- دعني أولًا أتحدث عن النقد بمصر بشكل عام، والحقيقة التي لا يمكن إغفالها هنا أن النقد الأدبي بمصر والوطن العربي يعاني أزمة كبيرة، قد سقط فريسة لها منذ سنوات بعيدة، ربما استطعت إيجازها في ثلاثة أسباب؛ أولها تلك الفجوة الواسعة بين الناقد والقارئ، خاصة ذلك الناقد الذي يصر على أن يقدم نقده مغلفًا بمصطلحات أكاديمية وغربية يصعب فهمها إلا على المتخصصين، وهو ما يجعل النقد يحلق بعيدًا في سماوات خاصة به، الأمر ذاته قد حدث بين الناقد والمبدع، فلم تعد هناك قنوات اتصال بينهما، فبدلًا من أن يؤدي النقد رسالته الحقة ويصبح رقيبًا ومقومًا ومشيدًا، يتفاعل مع النص وكاتبه، أصبح منفصلًا عنهما، يغرد في سماء المصطلحات فحسب، بل وقع بين براثن المجاملة والشللية، وذلك هو السبب الثاني الذي يشكل أزمته، فقد قالها يومًا يوسف إدريس "النقد في السر مساومة"، وقد ساعدت وسائل التواصل كثيرًا في شيوع تلك المجاملات، بظهور ما يسمى "الريفيو"، وهي قراءة انطباعية، يفعلها غير الناقد، وقد يقوم بها كاتب لصديق مجاملة له، وكثيرًا ما تكون تلك الريفيوهات غير صادقة، مما يجعل ما يطفو على السطح ما لا يستحق، ويبخس كثيرًا من حقوق الإبداع الحق..

ويتمثل السبب الثالث في عدم وجود دعم مؤسسي دولي لحركة النقد بمصر، فالأمر يحتاج لتضافر المؤسسات الثقافية لدعم المشروعات النقدية التي تستحق، والتي قد تنتج عنها مناهج نقدية جديدة خاصة بنا، تكفينا حد التأثر بالمناهج الغربية.

ورغم ذلك فما زال الأمل معقودًا بوجود العديد من النقاد الموضوعيين، الذين لا يحلقون بعيدًا، ولا يتخذون من المجاملات عنوانًا لنقدهم، بل يتسمون بالموضوعية والحيادية، ويقدمون قراءات تفيد كلًا من الكاتب والقارئ على حد سواء، ولا أبالغ إن قلت إن الله قد حباني بهذا النوع الفريد من النقاد، خاصة فيما يتعلق بمجموعتي الأخيرة "سرير فارغ"، والتي حظيت بدراسات نقدية محترمة، وأفردت لها ملفات كاملة في بعض المجلات الثقافية، وهو ما يفتح أمام عيني باب الأمل على اتساعه في إمكانية عبور النقد الأدبي لأزمته.

غلاف المجموعة القصصية "جنون الحب" للكاتبة المبدعة سمية عبدالمنعم.

المبدعة سمية عبدالمنعم تكتب القصة والشعر والنقد، في أي منها تتحقق روحك؟ 

- أجد ذاتي محلقة في كل نوع بطريقة مختلفة، فالقصة متعتي الحقة، ومتنفسي، وتطهير نفسي، والشعر سبب فرحة وبهجة وانطلاق حتى لو كان ينضح ألمًا، والنقد توازني العقلي والروحي، ورياضتي العقلية الأولى. 

حدثيني عن زوجك المبدع الراحل محمد عبدالمنعم زهران، هل كان ثمة تشابه بين أطروحاتكما الأدبية ومشاعركما؟ 

- تفرد زهران بأسلوب سردي وحكائي لم أره من قبل، ربما ساعده في ذلك تأثره بالأدب الغربي، وخاصة أدباء أمريكا اللاتينية، وقدرته الفذة على مزج الواقعي بالمتخيل، ثم طبيعة أفكاره التي تجنح وتميل للإنساني أكثر من غيره، وربما كانت الأخيرة هي نقطة تلاقينا، فكتاباتي تتميز بالواقعية الخالصة، وهو ما يجعلها الأقرب لمشاعر الإنسان وأحلامه وإحباطاته، إلا أن زوايا تناول كل منا لذلك الواقع تختلف جملة وتفصيلًا، كما أن لكل منا أسلوبه الخاص جدًا والمتفرد. 

وماذا يتبقى من سيرته وكتاباته بعد الرحيل؟ 

- يتبقى الكثير والكثير، فزهران لم يرحل، ما زال هنا، بيننا، فتلك مجموعاته القصصية ومسرحياته وأشعاره، وتلك تكريمات وجوائز، وجائزة تحمل اسمه، بل تلك روحه تهفو أمامي وتضمني كلما اشتقت لها..  نعم، زهران ما زال هنا. 

عما يخص الجوائز، وهل هناك عتبات بعينها تخص لجان التحكيم في مصر والوطن العربي؟ 

-  لا يمكننا أن ننكر دور الجوائز الأدبية فى إقبال القراء على الأعمال المتسابقة أو الفائزة، فيكفي أن يصل العمل للقائمة الطويلة أو القصيرة حتى تنهال الحوارات الصحفية ويقدم القراء على شراء تلك الأعمال، وتقدم الدراسات النقدية والريفيوهات، خاصة إذا كان العمل يثير بعض اللغط والجدل.  

 لكن، للأسف، فإن بعض تلك الجوائز ومنها ما هو شهير حقًا، تدور حوله وحول مشروعية نتائجه الكثير من الشبهات، بل إن بعضها تثار علامات استفهام حول حقيقة تمويله ومصدره، وهو ما يجعل الحديث عن تلك الإشكالية يسبب لي الكثير جدًا من الألم والحزن، يكفي أنني قد هجرت الاشتراك في أي من المسابقات الأدبية لسنين طويلة، ربما لم يقطعها سوى رغبتي في الخروج من حالة حزن تملكتني، إلا أن واقع الأمر مزرٍ، فقد تصنع الجائزة نجمًا ممن لا يستحق، وتظلم من يستحق، فالهدف الأكبر من الجوائز الأدبية هو تقديم الأعمال المميزة للقارئ وتعريفه بها، إلى جانب تشجيع المبدعين، لكن ما يحدث في بعضها على العكس تمامًا.

بورتريه للكاتبة سمية عبدالمنعم

 

فهل تتخيل أن ما يخصص للجوائز على مستوى الوطن العربي ثلاثة ملايين دولار، يكون في أغلبها - خاصة تلك الجوائز الدولية الشهيرة- تطلق في الأساس ليس بهدف دعم النشاط الثقافي، بل هو محاولة من السلطات المختلفة لإبراز سطوتها، واستقبال فروض الولاء والطاعة، والتغني بأسمائهم مسبوقة بألقاب داعم الثقافة في الوطن العربي، ولك بعد ذلك أن تتخيل على أي شيء تبنى نتائجها، وهو ما دفع على غرار ذلك الفيلسوف جان بول ساتر لرفض جائزة نوبل في الستينيات، واصفًا إياها بأنها تمنحهم صكوك غفران جديدة.

كل هذا يفرغ ذلك النوع من الجوائز من مضمونه وهدفه، فلا يتبقى لنا سوى بعض الجوائز المحلية التي ندعو أن تظل بعيدًا عن أيدي المتلاعبين. 

بعد صدور ديوانين لك بالعامية المصرية؛ "شبابيك"، و"حنين"، ماذا يمثل لك شعر العامية، وكيف ترين إيقاع وجدوى هذا النوع من الفن الشعري في السنوات العشر الأخيرة؟ 

- أنا عاشقة للشعر بشكل عام، بأنواعه وأشكاله كافة، العمودي منه والحر وقصيدة النثر وشعر العامية، والأخير على وجه الخصوص يمثل علاقتي الخاصة جدًا والشائكة باللغة، فرغم كوني لغوية، وحرصي الزائد على الالتزام بالفصحى في السرد، إلا أن ميلي لشعر العامية يعد متنفسي الأول وسبب بهجة أتعجب لها منذ صغري، فقد وجدت سعادة بالغة بين يدي بيرم التونسي في مرحلة صباي، تطورت مع شعر صلاح جاهين وفؤاد حداد والفاجومي والأبنودي، وسيد حجاب، وغيرهم من تلك الأجيال الذهبية لسطوع نجم العامية في الشعر، وقد برز هذا التأثر جليًا في مرحلة الشباب حين وجدتني أهجر نظم الشعر الحر لأتجه بكليتي نحو شعر العامية، الذي يضرب بجذوره في التاريخ، ويعود إلى مئات السنين، منذ ابن عروس، والشعر العامي يطاول السماء جنبًا إلى جنب شعر الفصحى، وفي رأيي أنه ما زال محتفظًا بمكانته تلك بأجيال معاصرة، خلقت لنفسها نهجًا فريدًا ومختلفًا، واستطاعت أن تبدع أشكالًا جديدة ومبتكرة، وأن تحيي فنونًا شعرية كادت أن تندثر، مثل مربعات فن الواو، الذي برع فيه كثير من الشعراء الكبار والشباب.

 

ما هي أسباب مسحة الحزن والصمت واحتجابك عن حضور الكثير من المنتديات الأدبية بمصر؟ 

- الحزن له أسبابه التي يعرفها الجميع، فالفقد أولها وآخرها، فقد الرفيق والصديق والحبيب والزوج، أما الإقلال من حضور الفعاليات الأدبية فربما يكون مرجعه ظروفًا شخصية، وكثرة انشغالي، وطبيعة عملي في الصحافة التي تبتلع جُلّ الوقت، وكوني أمًّا مسئولة عن طفلين، كلها عوامل مؤثرة، وربما هناك أسباب أخرى أهمها طبيعتي الشخصية التي لا تميل كثيرًا للصخب والزحام، كما أنني لا أحبذ الانتماء لشلة أدبية معينة، فلي أصدقاء مختلفو الانتماءات والتوجهات.

هكذا أرى سعادتي أكثر في الابتعاد عن الآخرين، أو بمعنى أدق، ترك مساحة مناسبة بيني وبينهم.

صورة لغلاف ديوان "شبابيك" للشاعرة سمية عبدالمنعم