رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

وقفة تعبوية لسعر الصرف

الأرجح عند عدد لا بأس به من أصحاب الآراء المعتبرة هو إرجاء تحريك سعر الصرف لفترة ما، حتى تنتهى الحالة الضبابية التى تغشى العالم، وألا نستجيب لحملة مؤسسات التصنيف المالى الشرسة التى تدفع عداد السرعة نحو مزيد من الضغط على الجنيه.

ووفق الراجح من الآراء أيضًا، فإن علينا العمل على تعظيم الحصيلة الدولارية قبل التعويم، وليس العكس، ومن ثم اللجوء إلى «وقفة تعبوية» لالتقاط الأنفاس، والوقفة التعبوية اصطلاح عسكرى، لكن يمكن إسقاطه على الحالة الاقتصادية الراهنة.

يدعو صندوق النقد الدولى إلى مرونة دائمة لسعر الصرف، وهو ما تحقق مؤخرًا، ووصل سعر الجنيه أمام الدولار إلى معدلات قياسية، لكن هذا لم ينهِ الضغط على الجنيه، وارتفع التضخم، وحين عملت الدولة على مواجهة آثاره عبر إجراءات الحماية الاجتماعية ورفع أسعار الفائدة، بدأ صندوق النقد ومؤسسات التصنيف التابعة تتحدث بإلحاح عن سعر السوق الموازية.

مع تحرير سعر الصرف عام ٢٠١٦ كانت هناك رقابة قوية وملحوظة على السوق المصرية، وبخاصة على شركات الصرافة، حتى لا يرتفع الدولار فى السوق السوداء، وقد كان الكلام واضحًا فى توصيف الاتجار بالعملة عبر القنوات غير الشرعية، أى البنوك وشركات الصرافة، بأنه اتجار فى «سوق سوداء» وليست «موازية».

السوق السوداء كبيرة وتعاملاتها ضخمة، لكنها تعمل فى الخفاء، هدفها تحقيق الربح ولا يهمها أى خسارة للدولة والمواطنين، لذا فإنها تضم الشياطين والمرتزقة والمغامرين وأصحاب النوايا الطيبة، هذه السوق، التى تصر مؤسسات التصنيف المالى التابعة على وصفها بـ«الموازية»، تضارب بالعملة وتصل بها إلى أعلى سعر فى كل ثانية.

هذه المضاربة، أو لنقُل السوق السوداء، لا تعمل فى مصر فقط، إنما امتدت إلى الخارج، وتحديدًا فى عدد من دول الخليج، وتستهدف بطبيعة الحال المصريين العاملين هناك، إذ تشترى منهم جماعات مجهولة الدولار بأسعار تزيد على السعر فى السوق السوداء بمصر وبفارق واضح.

ولعل هذه «الجماعات المشبوهة» تفسر لماذا تراجعت تحويلات المصريين بالخارج نحو ٢٥٪ منذ بداية العام، ولا شك عندى أن هذه الجماعات من أهل الشر، وهى مستعدة أن تنفق المليارات من أجل تدمير الاقتصاد المصرى.

وأمام هذا الجنون فى أسعار السوق السوداء، مطلوب منا أن نجرى ونلهث ونحن نلاحق عداد سرعة لا تحكمه آليات السوق العادلة، إنما سياسات تستهدف إبقاءك مجهدًا باستمرار، وغير قادر على التقاط الأنفاس، فكلما حركت سعرًا للصرف ارتفع السعر فى السوق السوداء، أو ما تسمى بـ«الموازية»، «على رأى الصندوق»، فنعيد الكرّة تلو الأخرى حتى يُنهك الجسد تمامًا.

من هنا تأتى «الوقفة التعبوية»، لا لتوقف «عمليات القتال»، إنما كى «نشم نفسنا»، ونواصل عملنا فى تعظيم الحصيلة الدولارية أولًا، حتى إذا جاء «التحريك» وجدنا فائضًا دولاريًا، فلا يزداد الطلب على العملة الخضراء، ولا يرتفع التضخم، ولا تجد السوق السوداء مرتعًا جديدًا لها.

وأمر توفير العملة الأجنبية غير مستحيل، وأهم مصادر توفيرها قناة السويس والسياحة، والمصدر الأخير يحتاج إلى رعاية خاصة، أو لنقُل نظرة مختلفة، إذ على الرغم من امتلاكنا المقومات الرئيسية للسياحة، من آثار وشواطئ وفنادق، فما زلنا لا نمتلك «الخدمة» التى يحتاجها السائح.

معظم الحديث عن تطوير السياحة يدور حول أنماط غير تقليدية للسياحة، مثل سياحة الزواج أو اليخوت أو السياحة الدينية، وهذه أمور مهمة بلا شك، لكن الأزمة التى تواجهنا هى ثقافة التعامل مع السائح، بداية من عدم خداعه عبر منصات حجز الفنادق، مرورًا بسائقى التاكسى وموظفى الاستقبال والباعة الجائلين.

الشكوى الغالبة للقادمين إلى مصر تكمن فى «الضحك على دقونهم»، فهناك مَن يعرض فى مواقع الحجز صورًا فاخرة لفندق ما، ومن ثم يطلب أسعارًا تتوافق مع الفخامة المزعومة، وحين يأتى السائح يصاب بخيبة أمل كبيرة بسبب عدم النظافة وسوء الخدمة، وغير ذلك من أسباب تجعل السائح يقرر عدم تكرار التجربة المريرة.

علينا إذن تغيير ثقافة التعامل مع السائح، وإنهاء حالة «الفهلوة» التى ضربت إحدى أهم الصناعات فى مصر، وهو أمر يحتاج إلى برنامج وطنى شامل، فإذا صلُحت السياحة أكلنا منها الشهد.