رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

فوضى الفتاوى الدينية مجددًا

لن يكف الناس عن الأسئلة الدينية، يريدون أن يستوضحوا الأمور ويفهموها وفق مراد شريعة الله، ولن يكف المشايخ عن الإجابات، فهي بعض دورهم في الدعوة إلى الدين القيم.. ولكن أليس غريبًا تكرار الأسئلة والأجوبة بأمداء الأعوام؟! أليس غريبًا أن يدمن السائل السؤال والمجيب الإجابة؟! بل أليس غريبًا تمامًا ألا ينتبهان إلى نمطيتهما، أو ينتبه إليها أحدهما في الأدنى، والأحرى طبعًا أن يكون الشيخ المجيب لا المسلم السائل؟!
عشرات البرامج الخاصة بالفتاوى، في الراديو والتليفزيون والفضائيات، وعشرات الصفحات في الصحافة الورقية، والأبواب في المواقع الإلكترونية، هذا بخلاف المساجد التي تجري فيها الفتاوى ليل نهار، ودار الإفتاء طبعًا، والكتب المتخصصة التي تملأ أرفف المكتبات، ومكاتب وزارة الأوقاف، والأزهر ورجاله، والجمعيات الدينية المصرح لها بالأمر.. والملاحظ، ولا أدري كيف لا يلاحظه الجميع؟!، أو لماذا يدعون أنهم لا يلاحظونه لو كانوا ينتبهون إليه؟!، إن معظم ما يقال منذ أعوام بعيدة بعيدة هو نفسه وبذات ألفاظه، وكأن حالة من الغفلة المريبة انتابت الخلق، سائلين ومجيبين، فمضوا يسألون ويجيبون، ويتكررون في أسئلتهم وأجوبتهم كما أسلفت، من غير أن يقف أحدهم راشدًا وهو يزعق في الباقين: كفى! 
المصيبة التي جدت، منذ سنوات، وعمت وطمت حاليًا، هي تضارب هذه الفتاوى، بصورة حادة مؤسفة، وكذلك ورود فتاوى شاذة أو جامدة أو خطرة؛ على معنى أنها اجتهادات خاصة من المفتين، وقد صاروا كثرة كاثرة، وصاروا نجومًا كنجوم الفن والكرة والطبخ أيضًا، لكن قلما يعرف المتابع: أين درسوا؟ ومن أساتذتهم؟ وما مراجعهم؟ وما حدود فقههم الدينى؟ وماذا وراء صخبهم المستمر بالضبط؟..  
لا يجب أن تكون الفتوى رزقًا فيضطر الشيخ المستفتى إلى الاستمرار فيها، ولو ضجر، ولا يجب، أصلًا، أن تكون لعبة يلعبها الناس للتسلية؛ فيتصلون بهذا البرنامج الطيب ثم يطلبون هذه السيدة الفاضلة ثم يخاطبون محبوبهم الأستاذ الفصيح الفكه الحكاء، وهكذا، وما دورانهم حول كل هؤلاء إلا في صغائر يكبرونها تكبيرًا، أو في كبائر لكنها من المفروض صغرت من فرط ما قيلت وأعيدت!
بالطبع يجب أن يكون المتصدي للفتوي عالمًا كاملًا ذا قدم راسخة بمجاله الحساس، ويجب أن يتوقف أحيانًا عن الكلام فيما يراد منه، وأن يحول الناس إلى موضوعات مهمة أخرى؛ فلا يمعنوا بعد كلامه الحاسم في طلب فتاواه، ومن جهتهم فعليهم أن يعلموا أن في إصرارهم على الثرثرة ما يفيد قلة تحصيلهم لما فات، ورغبتهم في البقاء على حال الركود، ومن بعد الركود هوان لو كانوا يعلمون..
أرى الجهتين مخطئتين؛ فلا الذي يفتي من حقه أن يتلذذ بحيرة البشر، ولا الذين يطلبون الفتوى، واللواتي يطلبنها، يليق بهم جميعًا أن يمكثوا بلا ماء حتى يحلل لهم النهر محلل أو يحرمه!