رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

اقتباسات من كتاب فن الحياة مع المراهق لـ «دكتور سبوك»

التعامل مع المراهقين
التعامل مع المراهقين

 رحلة الحب في حياة الإنسان تبدأ من الطفولة حيث يرتبط الطفل بأمه بعمق ويعتمد عليها في كل احتياجاته، ويصاب بالقلق إذا غابت عنه ويبتهج عندما تعود، وهو حب اعتمادي إلى أبعد الحدود ثم يبدأ منذ عامه الثاني في طلب جزء من الاستقلال وتستمر هذه النزعة الاستقلالية فنراه يحاول استكشاف العالم من حوله وصنع أشيائه الصغيرة.

ما أن يبدأ الطفل عامه الثالث حتى ينظر بعين الإعجاب العميق لوالديه ويعتقد أنهما أكثر الناس جاذبية وقوة وحكمة ويتمنى الطفل من أعماقه أن يكون مثل والديه، لذلك يقلدهما كلما استطاع ويتشرب كل ألوان السلوك الذي يسلكه الأب أو الأم.

الطفل في عامه الثالث يفضل اللعب بنماذج السيارات الصغيرة والجرارات ويتظاهر بأنه يقود سيارة خيالية، وإذا قام الطفل باللعب مع أقرانه لعبة البيت فهو يطلب لنفسه دور الأب ويتظاهر بأنه ذاهب إلى عمله بعد الإفطار، ويتحدث مع الطفلة التي تمثل دور الزوجة وكأنه يناقشها في اسلوب إدارة البيت فإذا اشتكت له من الأبناء فإنه يوجه اللوم والتأنيب للأطفال الذين يلعبون دور الأبناء.

الفتاة الصغيرة منذ عامها الثالث تحاول أن تقوم بالواجبات المنزلية فإن وجدت أمها تستخدم المكنسة الكهربائية فهي تفعل مثلها، وإن وجدت أمها ترعي أخًا أصغر فهي تحاول أن تقوم برعاية الصغير وإن وجدت الأم تستخدم أدوات التجميل فلا مانع من أن تتسلل بهدوء إلى أماكن وجود هذه الأدوات وتقلد الأم حتى وهي تلعب مع عرائسها وعندما تؤنب فتاة في الرابعة من العمر عروستها اللعبة فهي تفعل تمامًا مثلما تفعل أمها.

يشترك الأولاد مع البنات من عمر الثالثة إلى السادسة في الاهتمام العميق بالسؤال "من أين يأتي الأطفال؟

عندما يصل الطفل إلى سن السادسة يبدأ في حب مجموعة أصدقاء له من نفس عمره لأنه يجد فيهم المرح والتسلية وقد تجمع شلة الاصدقاء هواية مشتركة ويزيد على كل ذلك أن يقبل كل منهما الآخر ويحبه.

ما أن يصل الطفل إلى السابعة أو الثامنة حتى تتوقف مشاعر الرومانسية نحو أمه ويطلب منها أن تعامله كإنسان ناضج، بالنسبة للفتاة تنجذب عاطفيًا لأبيها وتنظر إلى أمها بعين الاستكشاف، وبوجه عام يبدأ الأطفال من بعد العام السابع في إخفاء مشاعرهم الرومانسية تجاه الآباء والأمهات ويتجهون بهذه المشاعر إلى الأبطال الأسطوريين ويبدي الأطفال إعجابهم برجال البوليس والجيش ويندفع الأطفال في هذه المرحلة من العمر إلى تكوين صداقات محددة بعدد صغير من الأفراد ويتناقشون معًا في كل شي يتعلق بالأسرة والمدرسة.

في مرحلة المراهقة يطل الحب الشهواني، وفي الوقت نفسه يطل حب آخر هو الحب الخيالي الرومانسي ثم يمتزجان معًا في عاطفة واحدة رغم اختلاف كل منهما.

في مرحلة المراهقة لا يفضل الولد اللعب مع أولاد مثله فقط بل يفضل أن يضيف إلى صداقاته معرفة فتاة من الجنس الآخر لكن الفتى قد يتحرج من ذلك، بالنسبة للفتاة تتمنى التعرف على فتيان في مثل عمرها لكن الأمر يختلف من مجتمع إلى آخر ، ففي المجتمع الذي يحرم وجود أي علاقة بين الشاب والفتاة إلا في إطار الزواج نجد أن المراهقة تملأ خيالها بصدقات خيالية مع نجوم السينما والتليفزيون وأبطال القصص العاطفية وبالنسبة للشاب فيحاول الدخول في قصة حب مع مدرسة أو نجمة سينمائية أو تليفزيونية وهو بطبيعة الحال حب من طرف واحد.

سرعان ما يهبط الخيال إلى أرض الواقع فيختار الشاب فتاة في مثل عمره ويخصصها لنفسه – في الخيال طبعًا – ونادرًا ما يجد الشاب الشجاعة الكافية في مثل هذا العمر ليعترف لهذه الفتاة عمليًا بأنه يحبها وقد تأتيه الشجاعة فتتلقى الفتاة اعترافاته لها بالسخرية وتتساقط قصة الحب كأنها كوب زجاجي تناثر على الأرض.

الشاب في بداية مراهقته يتنقل من قصة خيالية إلى قصة أخرى في لمح البصر، وإذا نجح في تحديد موعد مع فتاة من الجنس الآخر فإن هدفه الأساسي هو أن يستكشف مدى تقبل الجنس الآخر له.

لكن ماذا عن الحب الأول؟ المشاعر في سن المراهقة تكون جياشة، فالشاب يرى فتاته أجمل نساء الأرض وأكثرهم حنانًا وهي رقيقة كأنها مصنوعة من أوراق الورد وأي خلاف حول أبسط الأشياء يولد الإحباط وآه من أي تأخير منها أو غياب أو إذا اظهرت اهتمام بشاب آخر وينقلب كل هذا الألم إلى فرح عميق إذا تمت إزالة سوء التفاهم.

الأبناء في عمر المراهقة أكثر تمردًا على أسلوب تفكير الآباء وحياتهم بينما يلح الآباء عليهم لإنجاز أهداف معينة.

الأبناء في عمر المراهقة يحبون التصرف المرتجل مهما كانت نتائجه لأنه يحقق لهم الإحساس بالتحدي اما الآباء فهم يطالبونهم بضرورة النظر إلى الواقع واحترامه حتى يأتي المستقبل جميلًا.

يقول الأبناء في سن المراهقة أن الآباء متسلطون ويرغبون في التحكم في كل تفاصيل حياتهم وأنهم لا يثقون في قدرتهم على التعامل مع أزمات الحياة  بدءًا من الدراسة مرورًا بأزمات الصداقة إلى أزمات العلاقة مع الجنس الآخر كما يتهم الآباء الأبناء بأنهم كثيروا الالحاح بدون داع على موضوعات معينة وهم دائموا التجهم والعبوس.

الواقع إن جزءًا من اتهامات الأبناء للآباء صحيح، فالوالدين نادرًا ما يمنحان التقدير الكافي لقدرات أبنائهم المراهقين، على الآباء أن يتعاملوا برقة مع أسلوب اختيارالأبناء للزي أو قص الشعر بشكل معين أو سماع الموسيقى الحديثة لأن الدافع لدى الأبناء هو الرغبة في الاستقلال.

في بعض الأحيان يفتعل الأبناء التمرد والكبرياء تجاه وجهات نظر يعتقدون أنها صحيحة لكنهم يرفضونها لمجرد أنها صادرة عن الكبار، ونقول لهذا الابن دع عنك هذا الاحساس واحتفظ بتمردك لما هو أكبر ، صحيح أن الكبار يوجهون لك النصح أحيانًا والنقد أحيانًا أخرى لكنهم يرضخون أخيرًا لرأيك إذا كان صائبًا، ويجب ألا تفكر في والديك كسلطة يجب أن تتمرد عليها في كل صغيرة وكبيرة ولكن اجعل التعاون جزء من خطتك للوصول إلى مسئوليتك عن نفسك، والمسئولية الدراسية هي أحد المعايير المهمة لتقدير الآباء للأبناء فاذا كان الابن قادرًا على أن يؤدي مسؤلياته الدراسية دون ازعاج فهذا أمر يعطيه الفرصة أمام الكبار لإظهار أنه شخص مسئول.

لكن لماذا يختار الشاب فتاة معينة من بين عشرات الفتيات ليقول لنفسه هذه هي التي أحبها؟ وما الذي يجعل الفتاة تختار شابًا معينًا من بين عشرات الشباب وتقول لنفسها هذا هو الذي أحبه؟

غالبًا ما يكون هناك جزء من صفات مشتركة في المظهر الخارجي بين الشاب الذي تختاره الفتاة وبين والدها وما يحدث من اختيار الشاب لفتاة معينة هو جزء من الصفات المشتركة في المظهر الخارجي بين أمه وبين هذه الفتاة.

الزواج ليس مجرد ارتباط جاء نتيجة علاقة رومانسية بين الرجل والمرأة ولكنه علاقة بين رجل وامراة في إطار اجتماعي أكبر منهما، وهو إطار المجتمع الذي يعيشون فيه، الجنس لا يمكن أن يكون قوة سحرية نعالج بها الخلاقات العميقة في الآراء والأفكار، ولا يقرب بين الشخصيات المتعارضة إلا لمدة ساعة أو أكثر قليلًا ثم تصحو الخلافات لتستمر في تدميرها للعلاقة الإنسانية بين الأفراد المختلفين في الطباع والأفكار.

يتطلب الزواج روحًا من الولاء والاخلاص المتبادل الذي يساعد فيه كل طرف الآخر على تخطي الأخطاء مهما كبرت أو صغرت كما تواجه الزواج تحديات كثيرة مثل ولادة طفل وقدرة كل منهما على رعاية الطفل ومشكلات المرض ومشكلات الأبناء الدراسية والأزمات التي يثيرها الأبناء عند انتقالهم من مرحلة عمرية إلى أخرى وأحيانًا يأتي الموت ليدق على باب أحد أقارب الأسرة فيتم التآزر تلقائياً بين الزوج والزوج وهناك بعض الأسر التي تعاني من إصابة أحد الأبناء بعاهة وتتكاتف الأسرة أيضاً في مواجهة هذا الأمر الشاق.

الزواج الناجح لا يخلو من الخلافات والمشادات ولكن لا بد من جهد يبذله الطرفان لعدم جرح كرامة أحدهما من قبل الآخر ولا بد من القدرة على الصلح بعد ذلك.

وقد يتساءل قارئ ما رأيك في الزواج تحت سن العشرين؟ أقول غالبًا ما يكون الزواج في مثل هذا العمر عرضة للانتهاء بالطلاق لأن سرعة التغير النفسي والعاطفي تتابع بايقاع مرتفع في هذه الفترة من العمر، كما أن هذه الزيجات لم تقم على أسس راسخة من المعرفة المتبادلة ولكنها قامت على أساس اشتعال الخيال وما أن يخبو هذا الخيال حتى ينظر كل منهما للآخر وكأنه إنسان غريب عنه،وعدد قليل جدًا من الزيجات في مثل هذا العمر هي التي تستقر وتنضج.

ما الذي يجعل الحب يموت؟ عندما يلتقي الشاب بالفتاة أكثر من مرة فمن الطبيعي أن يكتشف كل منهما خلافات في الرأي والشخصية وفي أسلوب الحياة وقد يروض الإنسان نفسه على قبول هذه الاختلافات، وقد يصبح قبول هذه الخلافات أمرًا صعبًا إن لم يكن مستحيلًا وتتجمع هذه الخلافات تحت سطح العلاقة وتزداد خاصة أن الإنسان بعد فترة ما من بدء العلاقة لا يحرص على إظهار محاسنه فقط وعندما تصل هذه الصفات إلى درجة عالية من الازعاج فإن الطرف الآخر يعلن ضيقه وتبدأ الخلافات في صورة مشادات صغيرة، وإذا كانت الخصائص المزعجة أكبر بكثير من الخصائص اللطيفة فإن الحب يموت.

إن الحب في جوهره الإنساني ليس ممارسة التواصل الجسدي فقط ولكنه أولًا وأخيرًا القدرة على رعاية الآخرين والذين يحاولون الأخذ بمبدأ الانطلاق في مجال النزوات، يأخذون اللذة ويتناسون المسئولية وأغلبهم يدفع الثمن آلامًا نفسية أما الذين يوازنون اللذة مع المسئولية هم الذين يمكن أن نصفهم بالنضج العاطفي فهم لا يقعون بسهولة أسرى تلك العلاقات الطارئة لأن إحساسهم العميق بالمسئولية يجعلهم يبحثون عن شريك للعمر ليتزوجونه وينجبون أطفالًا ويعيشون حياة أسرية واجتماعية.

والمرأة قادرة على التمييز بين الرجل الذي يمكنها الاعتماد عليه وبين الرجل الذي يلعب دور النحلة عندما تقترب من الزهرة رغبة في بعض الرحيق ثم الهرب والفتاة تعمل أنها تقدم الكثير لذلك تطلب التجاوب الكامل ولهذا السبب لا تنخدع الفتاة بسهولة إلا في مرحلة المراهقة المبكرة . فهي تنخدع في تلك الفترة بالشكل الوسيم والوجه المقبول. وهذا يعني أن المراة تفضل غريزيًا أن تدخر الجنس الكامل للرجل الذي تتوقع أن تحبه للأبد. هذا ما تقوله الأبحاث في مجتمعات تتمتع بالحرية الكاملة بين الرجل والمرأة.

إن الرجل يجب أن يتعلم كيف يكون مسئولًا ومشاركًا في التربية النفسية لأبنائه، ولا أعني أن يلعب الرجل دور الأب والأم معًا ولكن أعني أن يجد الأب وقتًا ليشارك في رعاية الأبناء.

من حق المرأة أن تعمل إذا ما أرادت ذلك ولكن من المسئولية أن نوضح لها أن تنشئة طفل واحد صحيح نفسيًا أكثر أهمية من أيه درجة علمية وأكثر أهمية من أيه مكانة أو وظيفة.

ومن حق المرأة أن تختار الرجل المناسب لها لكنها تصبح أقل سعادة عندما تقوم هي بالمبادرة لإقامة هذه العلاقة، إن النساء عندما يسيطرون يفقدون الإحساس بالدفء والسعادة تمامًا مثلما يفقد الرجل الكثير من احساسه بالكرامة والاعتزاز بأنه رجل.