رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

شيخ الطريقة الأكبرية: الصوفية تساهم في تنمية المجتمع فكرياً واجتماعيا واقتصادياً

شيخ الطريقة الأكبرية
شيخ الطريقة الأكبرية ورئيس مؤسسة ابن العربي

وجه الشيخ أيمن حمدي الأكبري، شيخ الطريقة الأكبرية الحاتمية بمصر، خلال مشاركته في فعاليات الملتقى العالمي للتصوف في دورته السابعة عشر بالمغرب، الشكر للقائمين على تنظيم فعاليات الملتقى، داعيا الطرق الصوفية إلى السير قدما في النهج الذي من شأنه أن يبرز دور التصوف في إصلاح المجتمع ويجذب الكثير من الأفراد إلى الكيانات الصوفية التي تساهم في تنمية المجتمع فكرياً واجتماعيا واقتصاديا.

وقال الأكبري إن هذا الملتقى يعد فرصة مناسبة لتلاقي جميع الأفكار الخاصة بالتسوق من مشارق الأرض ومغاربها، للنهوض سويا بالمنهج الصوفي الوسطى المعتدل، كما يؤسس نوعا من الشراكة الفكرية للنهوض بالتصوف حول العالم.

وجاءت نص الكلمة كالآتي:

"الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (إنما بعثتُ لأتمم مكارم الأخلاق ) وقد قال بعض العارفين : التصوف خلق، فمن زاد عليك في الخلق زاد عليك في التصوف.

ولا يخفى أن الأخلاق وإن كانت عمل، فردي إلا أنها لا تتحقق بمعزل عن الجماعة البشرية التي ينتمي إليها الفرد المتخلق بالأخلاق
فإذا نظرنا إلى الأخلاق وجدنا أن لكل عبد مع كل خلق ثلاث نسب : الأولى :التعلق
والثانية: التخلق
والثالثة: التحقق
والغالب على المتعلق بخلق معين أن يراه إنسانيا .

فإذا تخلق به ذاق كونه نبويا،وذلك لما سبقت الإشارة إليه من قوله صلى الله عليه وآله وسلم : (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق) فإن تمامها به صلى الله عليه وسلم ، كما أن كمالها فيه لكمال تحققه بما أدبه به الحق تعالى .
فإذا تحقق العبد من خلق ذاق استناد ذلك الخلق إلى اسم إلهي ، وعلى قدر تمكن ذلك الخلق المعين منه يجد فيه من الخلال ما يكون به قوامه ، فيعلم أن الخلق الواحد قد يستمد من أسماء إلهية متعددة ، كما أن الاسم الإلهي الواحد تتشعب منه الأخلاق الكثيرة ، كالكريم لابد أن يكون غنيا عن الغير،سخيا، معطاءً، عالما بمواطن الحقوق.

ولما كان كل خُلُقٍ يستند إلى اسمٍ أو أسماءٍ إلهيةٍ، فإنه متى تحقق العبد بالخلق المعين استمد من الأسماء التي يقوم عليها فيوضا وعلوما وأسرارا هي باطن ذلك الاسم .

فإذا تمكن الخلق من العبد سموا ما يظهر به العبد حالا، وإذا تمكن العبد من الخُلُقِ بحيث لا يغادره سموا ما هو فيه مقاما، وهذا هو الفرق بين الحال والمقام عند القوم، والأخلاق في كل أمةٍ وعند أهل كل مذهب غير أنه لا يدرك استنادها إلى الأسماء الإلهية واستمداد المتخلق منها إلا من فتح الله بصيرته، كما أنه لا يتحقق بها من هذا الوجه إلا من أنارَ اللهُ سريرته، وهؤلاء هم أهل الولاية والعطاء، وأصحاب الفيض ،إذ ينصبغ بأخلاقهم كل من قابلهم بوجه خالص وقلب مجلوٍ، فهم أولياء الله، للولاية فيهم حقٌّ يقومون عليه وقد قلت في ذلك شعرًا:

حقُّ الولايةِ أخفى مِن محاسنِها
هذي البيوتُ، فهل أدركتَ ساكنها
كزهرةٍ أظهرت للناس منظرها
أما الرحيق فمحفوظٌ بباطنها
والنحلُ بالوحي تدري سرَّ مشربها
كذاك أوحى لها تبني مساكنها
بيتُ الولايةِ أخلاقٌ ومظهرها
في الخَلقِ يفشى ولا تفنى خزائنها
والخُلْقُ في الناس مِن شتّى مذاهبهم
وأكثرُ الناسِ قد تخفى بواطنها
وللولايةِ سرٌ وهو نصرتُهُ
وللحقائق أقوامٌ تعاينها
أما الدعاوى فموكولٌ بصاحبها
مكرٌ خفيٌ، وللنياتِ وازنها
كذا الملابسُ قد تغري بزينتها
وما الولايةُ إلا سرُ زبائنها
فلا يغُرَّنكَ ما يبديه مُمتَحنٌ
يُبدي رسوماً ويُخفي ما يباينها

فلا بد إذا من التحقق بالأخلاق باطنًا ، وذلك لا يكون إلا بالعمل المستند إلى العلم ،وهو التصوف العملي ،وقوامه المجاهدات والرياضات فالمجاهدة عبارة عن كل عمل بدني كالقيام والصيام، أما الرياضة فعبارة عن تهذيب الأخلاق برياضة النفس والعقل .

لما كان التصوف عبارة عن طريق التربية استقي أهل هذا الفن من الكتاب والسنة النبوية والأخلاق المصطفاوية ما يلزم السالك في ترقيه وسموها آدابا ولوازما وحقوقا، فحق مع الحق تعالى ، وحق مع الخلق ، وحق مع النفس فذلك قوام الجماعة الصوفية ، فكان المجتمع الصوفي مجتمع الوفاء بالحقوق، ومن هنا ينبغي علينا أن نصل أجزاء هذا المجتمع حتى يتسع فضاؤه ويعم المجتمعات الإسلامية، ولا يبقي جزرا منعزلة ، إذ بالحق ترتقي الأفراد والمجتمعات.

ولعلنا نرى في ظل ما يشهده العالم من الأزمات والصراعات اندفاع أفراد من المجتمع إلى التشدد والتطرف، نرى ذلك جليا على الطرفين المتباعدين، إما التطرف في الاحتماء بالأحكام الدينية في كل دين وإما الهروب إلى الإلحاد والتسيب والانحلال من كل قيد أخلاقي شرعي كان أو عرفي، ولا يكون تقويم ذلك إلا بالسعي إلى إبراز القيم العليا والأخلاق السنية، إذ الكمال في التوسط والاعتدال ، كما هو الحال في كل خلق،كالتهور والجبن لا يكون بينهما إلا الشجاعة، وكالبخل والإسراف لا يتوسطهما إلا الكرم، كذلك التعصب الديني من وجه، والعزوف عن الدين على الطرف الآخر لا يكون بينهما إلا التصوف، وهو الموازنة بين المادة والروح، وتحقق القلوب بالحق، وتخلقهم بأخلاقه، وهو ما يؤتي ثماره بالعمل الجاد وإصلاح أفراد المجتمع الصوفي خاصةً والإسلامي عامةً".