رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

اعتمد "لوكاتش" علي النظريات المثالية

فى ذكراه.. «الرواية التاريخية» أبرز مؤلفات المفكر المجرى جورج لوكاتش

جورج لوكاتش
جورج لوكاتش

يعد كتاب "الرواية التاريخية"، للكاتب المفكر المجري جورج لوكاتش، والذي رحل عن عالمنا في مثل هذا اليوم من العام 1971، من أهم الكتب والدراسات التي تناولت الظروف الاجتماعية والتاريخية لنشوء الرواية التاريخية.

وجورج لوكاتش من مواليد العاصمة المجرية بودابست عام 1885، اعتنق والداه البروتستانتية بعد اليهودية، درس الفلسفة التي نال فيها درجة الدكتوراه في العام 1909، وكانت أطروحته حول الرواية والفلسفة الكلاسكية. انتسب جورج لوكاتش إلى الحزب الشيوعي المجري في العام 1918.

قدم جورج لوكاتش وألف العديد من الدراسات والمؤلفات الفكرية والسياسية والنقدية، من بينها كتابات: "نظرية الرواية" والذي يعد من أهم الكتب التي مهدت الطريق نحو الرواية وبدايتها، "حول الديمقراطية"، "تحطيم العقل"،  "الرواية التاريخية" وغيرها.

انطلق جورج لوكاتش في كتابه "الرواية التاريخية" من تصورات أستاذه هيجل صاحب الفلسفات النظرية العميقة، غير أن الفارق بين هيجل وجورج لوكاتش، هو أن الأخير اعتمد في تصوراته على المادية الجدلية الماركسية، بخلاف هيجل الذي اعتمد على النظريات المثالية. 

المادية الجدلية التي استند إليها جورج لوكاتش تعتمد على قوانين ديالكتية الجدلية أو دراسة التناقضات في جوهر الأشياء، حيث يركز في كتابه "الرواية التاريخية" حول العلاقة بين السرد والتاريخ، وتأثير فن الرواية علي العصر الحديث. حاول جورج لوكاتش في هذا الكتاب أن يربط بين الرواية وكيف أنها تجسد طبيعة المجتمعات التي تعبر عنها، وكيف أن هذه الروايات تتحول فيما بعد إلى تاريخ. فعلى سبيل المثال الروايات التي كتبت في أواخر القرن الـ 19 تحولت إلى تاريخ في العصور الحديثة.

التفاعل بين الروح التأريخية والأنواع الأدبية الكبيرة

ويشير جورج لوكاتش في مقدمة كتابه "الرواية التاريخية"، والذي وضعه في الفترة ما بين 1936 ــ 1937 بأنه ليس هدفه من الكتاب معالجة مسألة أدبية تاريخية صرفة، أي تطور الرواية التاريخية، فما دار في ذهنه تقديم دراسة نظرية للتفاعل بين الروح التأريخية والأنواع الأدبية الكبيرة التي تصور كلية التاريخ.

يقتحم جورج لوكاتش في كتابه "الرواية التاريخية"، أعماق الأمثلة التي يسوقها من الروايات التاريخية، ولا يكل عن عقد المقارنات بينها، بين شخوص وحوارات كل منها. ويستهل الكتاب بفصل معنون بـ "الظروف التاريخية والاجتماعية لنشوء الرواية التاريخية"، وفيه يشير إلى أن بدايات ظهور الرواية التاريخية، في مطلع القرن التاسع عشر، وذلك مع انهيار نابليون تقريبًا، إذ ظهرت رواية سكوت "ويفرلي" عام 1814. 

ويمضي جورج لوكاتش لافتًا في كتابه "الرواية التاريخية" إلى أنه من الطبيعي العثور على روايات ذات موضوعات تاريخية في القرنين السابع عشر والثامن عشر أيضًا. إذ ما أحس ميلًا في نفسه إلى ذلك، وأن يعتبر الأعمال القروسطية المعدة عن التاريخ الكلاسيكي أو الأساطير أسلافًا أو مقدمات للرواية التاريخية، وهي في الحقيقة تعود إلي ماضٍ أبعد حتى تبلغ الصين والهند.

ويوضح جورج لوكاتش: إلا أن المرء لن يعثر هنا على أي شئ يلقي ضوءًا حقيقيًا على ظاهرة الرواية التاريخية. وليست روايات القرن السابع عشر المسماة بالتاريخية، هي بتاريخية إلا فيما يتعلق بالاختيار الخارجي الصرف للموضوعات والأزياء. وليست سيكولوجية الشخوص وحدها، بل السلوك والتصرفات الموصوفة أيضًا، هي برمتها سيكولوجية وتصرفات زمن الكاتب بالذات.

وفي أشهر رواية تاريخية، من روايات القرن الثامن عشر، وهي رواية "قلعة أوترانتو"، للكاتب "والبول"، تجري بالمثل معاملة التاريخ وكأنه مجرد أزياء، فما يهم هنا ليس إلا غرائب وشواذ المحيط أو البيئة، وليس صورة أمينة فنيًا لعصر تاريخي محدد. وما يفتقد فيما يسمي بالرواية التاريخية قبل السير وولتر سكوت، وهو بالضبط ما هو تاريخي على وجه التخصيص، أي اشتقاق الشخصية الفردية للشخوص من خصوصية عصرهم التاريخية.