رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أين ذهب جمهور توفيق عكاشة

حين سألت أحد الخبراء في مجال الإعلان، لماذا يخلو برنامج توفيق عكاشة من الإعلانات رغم التيقن من أن هناك ملايين يتابعونه؟ رد ببساطة شديدة: إنه الـ image.


سوف يكون من الغريب في الأمر أن ترى إعلانات لشركات الاتصالات والبنوك والمياه الغازية كاستراحات وسط كلام توفيق عكاشة الشعبي جدا، وبالتالي ورغم الجماهير العريضة لم يحظ توفيق عكاشة بإعلانات تنقذ برنامجه من السقوط، بل وحتى السلع العادية والمنتجات الرخيصة لم تعطه الكثير.
لقد كان توفيق عكاشة نموذجا رائدا في الوصول للناس البسطاء واستخدم طريقته التلقائية ولو نظريا في الإثارة والتحفيز والثرثرة، فهو يتحدث كأنه يجلس في بيته أو بيتك أو على مقهى أو على دكة وسط الأراضي الزراعية، ويخلط بين العفوية والتسطيح ويقدم وجبة جاهزة من الآراء والتوقعات للكسالى والذين يفضلون المعلومات السريعة أو الخبايا السرية التي لا يصل إليها أحد إلا هو، وهذه التركيبة تروق للكثيرين ويحبونها ثم يتخذونها مادة للثرثرة والانفعالات والمفاجآت في حديثهم مع الأصدقاء.
الآن، أين ذهب جمهور توفيق عكاشة؟ هل اختفى؟ هل صحا من غفوته؟
بالطبع معظمهم انتبه لهذا الكلام غير المضبوط، وإذ انسجموا معه في الفترات العصيبة التي مرت بمصر، فإنهم توصلوا إلى مدى سطحيته.
لكنني أرى البعض منهم الذين ما زالوا مؤمنين بالكسل منتشرين في مواقع التواصل الاجتماعي وقد يكونون مع أمثالهم من المحركات الرئيسية للكثير من الهراء الذي ينفجر والعبث الذي يجعلك تصاب بالحنق.
إنهم فئة عابثة تنتشر في مواقع التواصل، تكتفي بقراءة سطور قليلة ولا تضغط على "لقراءة المزيد" ثم تضع تعليقا عبارة عن شتيمة قد يعاقب عليها القانون، وهم أنفسهم لا يتابعون إلا التفاهة، ويتكاثرون في متابعة شخصيات ليست لها فائدة حقيقية فيشاركون في صناعتهم كنجوم ورموز واهية للمجتمع، ولا يكلفون أنفسهم عناء البحث عن حقيقة أي خبر أو معلومة فينقلونه لمجرد الإثارة والفرقعات، وهم من يحتقرون الأفكار والمداخلات والبوستات المهمة الحقيقية، ويطلقون نقدهم قليل الأدب وغير المهم  والتافه أحيانا على أناس حقيقيين يحاولون تغيير المجتمع بشكل هادف.
المشكلة ليست في وجود هؤلاء، فحرية الرأي مكفولة قطعا ومن حقهم التعبير عن أنفسهم مهما كانت قسوتهم، لكن الواقع أنهم كثيرون ونشطون للغاية وقد نقول "فاضيين" فهم غالبا من هذه المجموعة التي تكره العمل وتهرب منه دائما وتكره حياتها الأسرية وليس أمامهم من نشاط غير تصفح الإنترنت ومشاهدة الفيديوهات ومتابعة مواقع التواصل وكتابة التعليقات الغبية، ثم التفاخر ونقل المعلومات المغلوطة لأصدقائهم الذين يحملون معلومات مغلوطة أخرى وهكذا تنتشر شائعة أو أفكار متطرفة أو مزيج من الجهل والضحالة، وحجمهم الكبير للأسف صنع قيمة لمن لا قيمة له، فيما يبتعد الكثيرون من الطبيعيين عن هذا المجتمع المزعج حيث لا يجدون لأنفسهم مكانا آمنا.
أتصور أن هذه الفئة موجودة في العالم كله، لكن حجمهم قليل وأفعالهم محصورة في نطاق معين، وهناك نطاق آخر مواز للأفكار المتبادلة الطبيعية، والتي لا تخلو أيضا من نقد وحتى هجوم، ولكن بعد قراءة وبحث بسيط عن الحقائق، أما في عالمنا العربي فلا قراءة ولا بحث ولا اجتهاد وهذا ليس بخطأ أيضا فربما تكون شخصا ملولا منغلقا أو لنقل بسيطا لا تود الخوض في هذه المتاعب الذهنية رغم بساطتها، إذن عليك أن تهدأ وتكتفي بالمطالعة وتكف عن مخاطبة الآخرين كأنك نابغة والمصدر الوحيد للفهم الصحيح لكل أحوال العالم.
جمهور توفيق عكاشة موجود ويسبب إزعاجا للجميع