من هو كارلو أوربانى الذى أنقذ العالم من «سارس»؟

يعاني الجيل الحالي منذ عام 2020 بسبب انتشار فيروس كورونا المستجد، خاصة بعد تفشيه وإعلانه وباءً عالميًا، وقارب عدد المصابين بيه نحو النصف مليار فرد، غير أنه لم يكن الجيل الأول الذى عانى الوباء، فقد سبقه جيل آخر عانى من ذعر وباء أشد وأسوأ، وتحديدًا في نوفمبر 2002 سجّلت مقاطعة غوانغدونغ الصينية بداية ظهور أولى حالات مرض غريب حمل لاحقاً اسم المتلازمة التنفسية الحادة واختصرت تسميته بـ"سارس".

وطيلة الأشهر التالية، سجّل العالم 8096 حالة إصابة و774 وفاة بسبب هذا المرض الذي توزع على 26 دولة. 

وكانت جمهورية الصين الشعبية أكثر الدول تضررًا حيث أصيب، بحسب الأرقام التي قدمتها، 5327 من مواطنيها، توفي 349 منهم، بينما مثلت منطقة هونغ كونغ، ذات الحكم الذاتي والتي هي تحت سيادة الصين، ثاني أكثر المناطق تضرراً بالعالم مسجلة 1755 إصابة و299 وفاة.

كما عمدت الصين لممارسة تعتيم إعلامي حول مدى انتشار المرض وتفشيه بمقاطعة غوانغدونغ وأجبرت صحفييها على عدم نقل معلومات خارج المقاطعة، وفق تقارير تلك الفترة. 

وامتنعت السلطات الصينية عن تقديم معلومات عن تفشي "سارس" لمنظمة الصحة العالمية وعطلت لأسابيع زيارة وفد المنظمة، الذي حل ببكين، لمقاطعة غوانغدونغ.

وعقب ضغوطات داخلية وخارجية، غيّرت الصين موقفها مطلع إبريل 2003، فأعلنت عن بذل جهود جبارة لاحتواء الأزمة واعتذرت عن عدم مشاركتها للمعلومات حول سارس مع بقية الدول، كما سمحت لأحد وفود منظمة الصحة العالمية بدخول غوانغدونغ.

ويرجع الفضل في إنقاذ العالم من سارس ووقف تفشيه بشكل واسع على النطاق العالمي للطبيب الإيطالي كارلو أورباني، حيث ساهم تدخله في الوقت المناسب للتعرف على طبيعة المرض في نجاة كثيرين حول العالم واحتواء الأزمة.

ولد كارلو أورباني في 15 أكتوبر 1956 بمنطقة كاستلبلانيو بمقاطعة أنكونا الإيطالية، تخرج عام 1981 من جامعة أنكونا للطب وتخصص فيما بعد بمجال الأمراض المعدية والاستوائية بجامعة ميسينا.

على إثر ذلك، باشر كارلو بالتطوع للعمل لصالح عدد من المنظمات الطبية فانتقل لأفريقيا وتواجد بإثيوبيا سنة 1987.

عمل كمستشار لدى منظمة الصحة العالمية بداية من العام 1993 وسنة 1996، انضم لمنظمة أطباء بلا حدود وترأس فرعها الإيطالي، وسنة 1999 كان ضمن فريق المنظمة الذي كرّم بجائزة نوبل للسلام.

عام 2000، شاءت الأقدار أن ينتقل إلى العاصمة الفيتنامية هانوي، حيث عيّن حينها مسؤولًا لدى منظمة الصحة العالمية غرب المحيط الهادئ.

وفي أواخر فبراير 2003، لبى أورباني نداء المستشفى الفرنسي بهانوي لفحص رجل الأعمال الأمريكي، جوني شين، الذي عانى من أعراض مرضية غريبة عقب عودته من هونغ كونغ، وبادئ الأمر، ظنّ الأطباء أن شين يعاني من أعراض إنفلونزا حادة،  ومع عجزهم عن تشخيص حالته، استدعي الطبيب أورباني المختص في الأمراض المعدية للكشف عن رجل شين وتشخيص مرضه، وبعد الفحص تحدّث كارلو أورباني عن مرض جديد وغير معروف شديد العدوى وسريع الانتشار.

على الفور، أخبر منظمة الصحة العالمية بهذا المرض محذراً من إمكانية تحوله لوباء في أي لحظة لتصدر بذلك منظمة الصحة العالمية تحذيراً لجميع الدول من المرض، الذي عرف لاحقاً بسارس، مساهمة بذلك في زواله واختفائه بعد نحو 5 أشهر ومجنبة العالم خطر مرض شبيه لدرجة كبيرة بجائحة كورونا المستجد بيومنا الحاضر.

من جهة ثانية، أقنع أورباني وزارة الصحة الفيتنامية بعزل المستشفى وفحص جميع الركاب الذين يحلون بمطاراتها لوضع حد لإمكانية تفشي المرض.

وبفضل هذا التحذير المبكّر، اتخذت جميع الدول إجراءات سريعة ساهمت في وقف تفشي سارس لينجو بذلك عدد كبير من البشر من الموت.

في الأثناء، عرف أورباني نهاية تعيسة على يد المرض الذي حذر منه، فأثناء رحلة لبانكوك يوم 11 مارس/2003، شعر بالتعب والحمى، ومع فحصه من قبل عدد من الأطباء، تبيّنت إصابته بسارس، حيث انتقلت إليه العدوى بسبب معاينته لعدد من المصابين به بهانوي.

وقد استوجب ذلك نقله إلى المستشفى حيث فارق الحياة بغرفة العناية المركزة يوم 29 مارس عن عمر يناهز 46 سنة.

وعلى حسب وصيّته الأخيرة، أمر أورباني باستئصال أنسجة رئتيه وتقديمها للأبحاث العلمية.