رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«كان صادقًا وليس مهديًا».. زعيم الأنصار يغادر الحياة بعد معارك سياسية ساخنة (بروفايل)

الصادق المهدي
الصادق المهدي

رحل عن عالمنا، اليوم الخميس، رئيس حزب الأمة ورئيس حكومة السودان وإمام الأنصار والمفكر والمعارض السوداني الذي أثار الكثير من الجدل طوال حياته "الصادق المهدي"، بعد أن تعرض إلى التهاب رئوي حاد جراء إصابته بمضاعفات فيروس كورونا المستجد (كوفيد– 19) الذي أصيب به أوائل الشهر الحالي، ليأخذه من العالم الذي تعرض فيه للكثير من الاعتقالات والمنافي إلى عالم الكمال.

وتقول عنه رواية متواترة إنه كان زعيم الأنصار نسبة للتشبه بأصدقاء الرسول من "المهاجرين والأنصار" (والأنصار هم أهل المدينة النبوية الذي استقبلوا الرسول، صلى الله عليه وسلم، وأصحابه المهاجرين ، وآووهم في المدينة وقاسموهم أموالهم ولم يبخلوا عليهم بشيء، وجاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم)، كما أنه لم يقدم نفسه ولو مرة على أنه مهدي منتظر فى بلاده وبيده العصى السحرية للأوضاع، بل كان متواضعاً للغاية فى التعامل مع كل من يعرفه.

ونظرًا لعروقه الثورية المتأصلة، حيث إن جده الأكبر هو محمد أحمد المهدي– مؤسس الثورة والدعوة المهدية في السودان– ووالده الصديق المهدي– السياسي السوداني المخضرم السابق– بدأ الصادق الصديق عبدالرحمن المهدي حياته السياسية مبكرًا.

البداية من الجامعة
بدأ الصادق المهدي حياته السياسية في الجامعة أثناء تأجج الصراع الفكري بين المسلمين والشيعة في السودان، وأيضًا حينما انقسم السودان بين تيارين سياسيين إما أن يستقل السودان أو يتحد مع مصر.

وبدأ بروز دور "الصادق المهدي" السياسي حيث كان لا يوجد في الجامعة في ذلك الوقت تنظيم لحزب الأمة والأنصار، ورغم ذلك فقد تعاون مع بعض الطلبة- غير المنتمين لحزب الأمة- فكريًا وسياسيًا.

كما أنه في ذلك الوقت قد انشقت عن جماعة الإخوان المسلمين جماعة سميت بالجماعة الإسلامية، وكان يقودها "بابكر كرار"، والتي تشابهت كثيرًا مع "المهدي" وزملائه حيث إنهم ذوو فكر إسلامي ومستقلون سياسيًا، وبالتالي فقد كان هناك تعاطف بينهم ورغم ذلك لم تنشأ بينهم علاقة تنظيمية واضحة بل كانت مجرد صداقة فكرية سياسية.

معارضة نظام عبود
بعد أن تخرج "المهدي" فى كلية الاقتصاد والسياسة والفلسفة في جامعة أكسفورد بدأ في دخول المعترك السياسي السوداني من أوسع أبوابه، حيث انضم لصفوف معارضة نظام إبراهيم عبود "رئيس جمهورية السودان ورئيس الوزراء السوداني" في تلك الفترة.

فقد نادى "الصادق المهدي" بالحل السياسي وليس العسكري لمسألة جنوب السودان.. وعند اندلاع الثورة السودانية في 21 أكتوبر 1964م ضد نظام "عبود" اعتبر "المهدي" هذه الثورة نقطة الانطلاق لتغيير الأوضاع في السودان.

وبالفعل قد نجح في توحيد صفوف جميع الاتجاهات السياسية في السودان تحت قيادته حينما تقلد منصب قائد الأنصار "أحد كبرى الجماعات الدينية في السودان"، وجعل من بيت المهدي مركزًا لقيادة المسار الجديد إلى أن نجح في إطاحة "عبود".

رئاسة حزب الأمة ورئاسة مجلس الوزراء السوداني
بعد ذلك وفي عام 1964م، تم انتخاب "الصادق المهدي" رئيسًا لحزب الأمة الإسلامي المعتدل (أحد أكبر أحزاب المعارضة في عهد الرئيس السوداني عمر البشير).

ثم في عام 1966 أصبح " المهدي" رئيسًا للوزراء عن حزب الأمة في حكومة ائتلافية مع الحزب الوطني الاتحادي.

وفي عام 1967م تم إسقاط حكومته على يد الائتلافات الثلاثة المكونة من (الجناح المنشق من حزب الأمة بقيادة "عمه" الإمام الهادي المهدي، وحزب الشعب الديمقراطي والحزب الوطني الاتحادي).

الانقلاب السوداني وسلسلة الاعتقالات
قضي "الصادق المهدي" 14 عامًا من حياته في السجون والمنافي ( 7 أعوان في السجون و7 أعوام في المنافي) التي أجبرته عليها الأنظمة العسكرية السودانية المتعاقبة.

ففي 25 مايو عام 1969م، حدث الانقلاب السوداني على الرئيس إسماعيل الأزهري، وحينها توجه الصادق المهدي إلى "جزيرة أبا" ثم اعتقل في مدينة بشرق السودان وبعدها حول إلى سجن بورتسودان؛ ثم اعتقل مرة ثانية في مدينة شندي، وبعدها نفي إلى مصر ووضع تحت الإقامة الجبرية، ثم رجع السودان معتقلًا مرة أخرى وظل هكذا حتى عام 1974م.

ثم سافر "الصادق المهدي" خارج البلاد لعدة عواصم عربية وغربية وإفريقية، وألقى بها العديد من المحاضرات بالجامعات الخاصة بها، داعيًا إلى الحل الإسلامي والصحوة الإسلامية في المجالات النفسية والاقتصادية والاجتماعية.

بعد ذلك قاد "المهدي" الجبهة الوطنية الديمقراطية لمعارضة نظام الانقلاب، والذي يسمى "نظام مايو"، وشملت هذه الجبهة "حزب الأمة، والحزب الاتحادي، وجماعة الإخوان الإرهابية"، وحاول تحرير السودان من نظام مايو من خلال انتفاضة مسلحة، وكان ذلك في عام 1976م ولكنها فشلت في إسقاطه.

ورغم ذلك أدرك النظام قوة المعارضة وقرر التصالح الوطني معهم والوصول إلى اتفاق سياسي تعين على أساسه إجراء العديد من الإصلاحات السياسية.

واعتقل "الصادق المهدي" بعد ذلك في عام 1983م بعد أن أعلن معارضته لنظام مايو، حينما تأكد من خداعه له وعدم إجرائه الإصلاحات السياسية، ثم أطلق سراحه في العام التالي ليخرج لقيادة المعارضة السودانية التي تسببت في ثورة إبريل 1985م، التي انتخب على إثرها رئيسًا لمجلس الوزراء مرة ثانية.

الصادق المهدي وعمر البشير
وعندما حدث انقلاب بقيادة الرئيس السوداني "عمر البشير"، والذي نجح في إطاحة "الصادق المهدي" من منصبه، أصبح "الصادق المهدي" أخطر شخصية مؤثرة في جناح المعارضة السودانية ضد "البشير".

وهو ما تسبب في جعله زائرا شبه دائم لسجن كوبر واعتقاله عدة مرات، حتى ذهب خارج البلاد مرة أخرى ولكن ليس لإلقاء المحاضرات بالجامعات؛ ولكن للالتحاق بالمعارضة السودانية بالخارج، وبدأ أكبر حملة سياسية ودبلوماسية شهدتها تلك المعارضة.

العودة مرة أخرى
بينما في عام 2000 عاد "المهدي" إلى السودان مرة أخرى للقيام بتنظيم حزبي وتعبئة شعبية للتفاوض مع النظام الحاكم في عملية أطلق عليها اسم "تفلحون"، إلى أن أعيد اعتقاله مرة أخرى عام 2014م وتعرضه لاتهامات تصل عقوبتها للإعدام، حتى تم الإفراج عنه تحت ضغط دولي على نظام البشير.

ثم في عام 2018م، وبعد اندلاع الثورة السودانية وتمت الإطاحة بنظام "البشير" وخلعه، انضم المهدي إلى إعلان الحرية والتغيير ضمن الائتلاف الذي قاد الثورة حينها.

علاقة البشير بقطر وتركيا والمرجعية الإخوانية
فيما قال "المهدي" أثناء حكم "البشير" إن حكومة البشير حكومة مفلسة ماليا وفكريًا وسياسيًا، وتستغل قطر وتركيا حاجة البشير للمال ويغرقانه في الديون التي قد يضطر من أجل سدادها إلى اتباع سياسية تسليم الأصول.. كما أن هناك علاقة وثيقة تربط البشير بقطر وتركيا وهي المرجعية الإخوانية.

المهدي يعتبر التطبيع السوداني مع إسرائيل استسلامًا وليس سلامًا
وفي 27 سبتمبر من العام الحالي (2020)، أعلن "الصادق المهدي" أنه سوف يقود حملة سياسية شعبية حادة لمعارضة الحكومة الانتقالية الحالية في البلاد فيما يخص التطبيع مع إسرائيل، مؤكدًا أن هذا التطبيع بمثابة استسلام وليس سلام للمنطقة.