رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

بعد انسحاب الروس.. هل تتمكن المعارضة السورية من استعادة السيطرة؟

جريدة الدستور

فى صباح الإثنين الماضي، وخلال زيارة خاطفة إلى سوريا، أصدر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، قرارا بسحب عدد كبير من قواته، التي كانت تتواجد فى الأساس لدعم الجيش السوري فى مواجهة مجموعات المعارضة المسلحة. استقبل بوتين فى قاعدة حميميم العسكرية، نظيره السوري بشار الأسد، قبل أن يعطي إشارة البدء فى سحب جزء كبير من قواته. وقال إن روسيا ستحتفظ بقاعدة حميميم الجوية فى محافظة اللاذقية، وبمنشأة بحرية فى طرطوس بشكل دائم، رغم قرار بدء سحب بعض القوات من سوريا. هذا الانسحاب يأتي فى وقت تتقدم قوات النظام السوري باتجاه مناطق المعارضة على جبتهي ريف حماة وإدلب، خلال الأيام القليلة الماضية، فضلا عن تحركات لعناصر "داعش" الإرهابي باتجاه محافظة إدلب. ويبدو أن روسيا ربما أنهت دورها فى سوريا بتقديم الدعم لنظام الأسد، بعد سيطرة قوات الجيش السوري على مناطق واسعة، ودخول "داعش" على خط مواجهة المعارضة المسلحة. ويمكن أن يعول النظام السوري على "داعش" فى اقتحام مناطق المعارضة المسلحة، وحدوث قتال شديد يترتب عليه إضعاف الطرفين تماما، وهنا يأتي دور الجيش السوري فى التخلص من الطرفين. الدور الروسي روسيا أرسلت قوات عسكرية قبل ما يزيد عن عامين، بناء على طلب من الرئيس السوري بشار الأسد، فى خطوة أحدثت عدة تحولات على الساحة السورية، لناحية تراجع المعارضة المسلحة وخسارة أغلب الأراضي التي سيطروا عليها منذ اندلاع المواجهات بين الطرفين بداية من 2011. واستعادت قوات الجيش السوري السيطرة على ما يزيد عن 50% من الأراضي السورية، والنسبة الباقية موزعة بين المعارضة المسلحة إجمالا، والقوات الكردية، ومساحات قليلة لتنظيم "داعش" الإرهابي. ونجحت روسيا بشكل كبير فى تحجيم سيطرة الفصائل المعارضة، والتي وصلت فى أوقات سابقة إلى ريف دمشق، متقدمة صوب العاصمة، قبل أن يتراجع نفوذها فى تلك المنطقة، وتشهد انحسارا كبيرا. وترتكز المعارضة المسلحة بشكل أساسي فى محافظة إدلب بالشمال السوري، وهى أكبر منطقة تخضع لسيطرتها، بعد خسارة محافظة حلب العام الماضي فى معارك طاحنة وقصف جوي روسي عنيف. وبموازاة التدخل العسكري الروسي، فإنها دفعت باتجاه تحجيم المعارضة المسلحة من خلال مؤتمرات أستانة، وإخضاع المناطق التي تسيطر عليها لاتفاق "خفض التوتر"، برعاية روسيا وتركيا وإيران. ربما يمثل الانسحاب الروسي خلال الفترة المقبلة نقطة تحول فى مسار العمليات والمواجهات بين المعارضة المسلحة من ناحية، وقوات الجيش السوري، خاصة مع غياب القوات الروسية. ولكن هذا الأمر لا يمكن التنبؤ به خاصة وأن روسيا لا تزال تسيطر على قاعدة حميميم العسكرية، والتي ستكون مقرا دائما للقوات الروسية هناك. وقال بوتين خلال زيارته إلى القاعدة العسكرية: "إذا رفع الإرهابيون رأسهم من جديد، سنوجه إليهم ضربات لم يروها من قبل، ونحن لن ننسى أبدا الضحايا والخسائر التي تكبدناها أثناء محاربة الإرهاب هنا فى سوريا وفى روسيا أيضا". حديث الرئيس الروسي يشي بأن ثمة تخوفات من تأثيرات قراره على طبيعة العمليات التي يقوم بها الجيش السوري، ولذلك أطلقت تحذيرات شديدة فى هذا الصدد. فرصة للمعارضة وبقدر ما يمثل انسحاب القوات الروسية من سوريا نقطة محورية قد تستغلها المعارضة، إلا أن هذا لا يمنع من استمرار الضربات الجوية الروسية على مناطقهم، وبالتالي فإن المعادلة تظل قائمة فى ظل عدم قدرة الفصائل على مواجهة القصف الجوي. الجزئية الهامة الأخرى، أن الجيش السوري يحاصر مناطق المعارضة فى إدلب وحماة من عدة اتجاهات بما يصعب من عملية المواجهة، هذا بخلاف الخلافات بين الفصائل المختلفة. وحاولت الفصائل المسلحة فى ظل الضغوط عليهم مع دخول "داعش" على خط المواجهة والاقتراب من الحدود الإدارية لإدلب، بما يشكل تضاعف الضغوط لمواجهة التنظيم والجيش السوري، فى توحيد صفوفها مرة أخرى. وعقد قادة أربعة فصائل مسلحة وهي هيئة تحرير الشام وأحرار الشام ونور الدين زنكي، وجيش الأحرار، مع العلم أن الأخيرين كانا ضمن الهيئة قبل الانشقاق بسبب خلافات داخلية، اجتماعا وضعوا خلاله الخطوط العريضة على تشكيل غرفة عمليات عسكرية موحدة، بحسب حسابات محسوبة على المعارضة عبر تطبيق "تليجرام". وقالت مصادر سورية، إن الاجتماع وضع الخطوط العريضة فقط، ولكن آليات التنفيذ لم تبدأ بعد، ودعوات إعادة إحياء جيش الفتح مستمرة منذ الخروج من حلب. وأضافت المصادر لـ "أمان"، أن الهدف الأساسي الآن لدى الفصائل هو مواجهة تقدم عناصر "داعش" والجيش السوري، وإمكانية التوسع مستقبلا. وتابعت أن الأزمة فى الخلافات بين الفصائل ربما تهدد هذا التحالف فى أي وقت، خاصة وأن النقاط الخلافية لم تحل بشكل كامل. ولفتت إلى أن تراجع الدعم المقدم لفصائل المعارضة ربما يمثل تحديا كبيرا أمامها خلال الفترة المقبلة، لناحية توسيع سيطرتها على المناطق ودفع محاولات الجيش السوري التقدم تجاه إدلب.