رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الولايات المتحدة تعد المنطقة للتغيير


تأتى زيارة وزير الدفاع الأمريكى جون بانيتا لمصر والمنطقة فى فترة تتسم بالنشاط الأمريكى المتزايد فى الوطن العربى، وهنا نذكر أن الوزير الذى زار تونس قبل حضوره إلى مصر والذى سافر من القاهرة إلى فلسطين

المحتلة للقاء كل من رئيس دولة الاحتلال ورئيس وزرائها ووزير دفاعها قد التقى رئيس الجمهورية وزير الدفاع وعقد مؤتمراً صحفياً، فى حين نجد أن وزيرة الخارجية هيلارى كلينتون ألقت بتصريحات بعد أن أصدرت وزارتها تقريرها السنوى عن الحريات الدينية فى العالم، بينما كان الرئيس الأمريكى باراك أوباما يجرى مكالمة هاتفية حول الوضع فى سوريا مع رجب طيب أردوغان ـ رئيس الوزراء التركى ـ مما يعكس اهتماماً مكثفاً من الولايات المتحدة وإدارتها بما يجرى فى المنطقة، بل الأكثر من ذلك محاولة هندستها وتركيبها على النحو الذى يناسبها.

لا أستطيع أن أخفى قلقى من السلوك الأمريكى حيال المنطقة خاصة، ونحن نقرأ عن تصرفات بعض أعضاء الكونجرس الأمريكى حيال مصر والمنطقة، فنحن نقرأ عن عضو كونجرس يدعو الإدارة الأمريكية ألا تتعاون مع حكومة إخوانية فى مصر، بينما يدعو أحد مرشحى الرئاسة الأمريكية على نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، ويصدق الرئيس الأمريكى على منح معونة عسكرية إضافية لإسرائيل، وسبق أن سمعنا وقرأنا عن إيقاف المعونة العسكرية لمصر لحين تسليم السلطة.

ما جاء فى المؤتمر الصحفى للوزير بعد لقائه كلاً من الرئيس والمشير أنه أكد التزام الولايات المتحدة بدعم الديمقراطية خلال هذه المرحلة، وأنه أشاد بدور المشير طنطاوى فى تأمين انتخابات حرة ونزيهة، وأشار إلى مناقشة قضية الحدود فى سيناء، وكان يمكن فهم ذلك على ضوء وجود كتيبة من الولايات المتحدة الأمريكية فى القوة متعددة الجنسيات فى سيناء، إلا أنه من الواضح أن الولايات المتحدة تهتم بأمن الاحتلال الإسرائيلى أكثر منها بأمن كتيبتها فى سيناء، لم يعجبنى سؤال وجه إليه عن موقف مرسى من السياسة الخارجية باعتبار أنه من التيار الإسلامى، مما أعطى له فرصة للتعبير عن رأيه فى السياسة المصرية والتزامه بدعم الديمقراطية والالتزام بالتعهدات الدولية.

رغم أن المسئولين الأمريكيين لم يقولوا ما يمكن اعتباره تدخلاً مباشراً فى الشئون المصرية فإن الحديث عن التزام الولايات المتحدة بدعم الديمقراطية يوحى بأن من حقها أن تختار لمصر نظام حكمها، وأن من حقها أن تقرر إذا ما كانت الانتخابات المصرية جرت حرة ونزيهة أو غير ذلك، وهو ما يعنى أن من حق الولايات المتحدة أن تقرر غير ذلك، وأن هذا فى حال حدوثه يمكن أن يبرر للولايات المتحدة أن تتصرف بالشكل الذى تراه، وإذا أشاد وزير الدفاع الأمريكى بالمشير طنطاوى فإن من حق من يشيد اليوم أن ينتقد غداً، وأن يربط المساعدات الأمريكية بما يراه من قواعد وإجراءات، بما يعنى أن الولايات المتحدة الأمريكية تتصرف على نحو يوحى بأن من حقها ومن قدرتها أن تتصرف دون أن تتوقع رد فعل مضاد من الجانب الآخر، وإذا كان من الممكن أن نتفهم أن تتصرف الولايات المتحدة بما تراه مناسباً لمصالحها، فإنه لابد أن تتوقع الولايات المتحدة عملاً مضاداً من مصر، وهنا لابد أن نشير إلى أن التعاون لا يمكن أن يكون من طرف واحد، بل من طرفين على الأقل، وأن الولايات المتحدة تتلقى تعاوناً مصرياً فى مقابل ما تقدمه من معونات، وأن هذا التعاون لابد وأن يتأثر فى حال خفض التعاون الأمريكى.

أما الحديث عن دعم الديمقراطية، فكلنا نعلم مدى دعم الولايات المتحدة، خاصة فيما يتعلق بالإمداد بالسلاح، أما الهدف من الزيارة فمن الواضح أن الوزير كان مهتماً بتأمين الحدود مع فلسطين المحتلة ولم يهتم بأى حق من حقوق الشعب الفلسطينى أو أنه لا علاقة له بالديمقراطية وتقرير المصير، ولم يثر الوزير شيئاً عن السلاح الذى وافق رئيسه على منحه لإسرائيل ومدى علاقته بالديمقراطية، كما لم يشر إلى اقتراحات عضو الكونجرس والمرشح الرئاسى.

لا يختلف الوضع بالنسبة لتصريحات هيلارى كلينتون ـ وزيرة الخارجية ـ وتقريرها عن الحريات الدينية فنجدها تتحدث عن تطلع لأن ترى نائباً للرئيس من المسيحيين والنساء وكأنها تملك توكيلاً من مسيحيى مصر ونسائها لتتحدث باسمهم، وهو ما يعنى أيضاً أن من حق الولايات المتحدة أن تنتقد النظام فى مصر إذا لم يتحقق ما تتطلع إليه، ومرة أخرى لا نجد شيئاً من هذا من الولايات المتحدة حيال الحريات الدينية فى إسرائيل ولا فى كثير من الدول الأخرى.

تبقى المكالمة التليفونية المطولة بين باراك أوباما ورجب طيب أردوجان حول سوريا والحديث عن التغيير فى سوريا ولا يفسر لنا أحد كيف أن من حق رئيسى الولايات المتحدة وتركيا أن يقررا التغيير فى بلد آخر هو سوريا، وأن يتحدثا فى نفس المجال بمعيارين ومكيالين، فحينما يكون الحديث عن القوات المسلحة السورية يكون الحديث عن أن الجيش والنظام السورى يضرب الشعب والمتظاهرين أو المحتجين السلميين، أما الجانب الآخر وهو ما يسمى بالجيش السورى الحر فيصير الإشادة بأعماله، رغم أنها أعمال ينطبق عليها وصف الإرهابية.

ورغم أننا نعلم أن ما يسمى بالجيش الحر هو فى الحقيقة الستارة التى يختفى خلفها التدخل الأجنبى متمثلاً فى قوات خاصة وقوات تركية ومساعدات قطرية وسعودية وغيرها ولذلك فهم فى الحقيقة يعملون على تغيير النظام فى سوريا لأنهم يمهدون لتغيير شامل فى المنطقة مستغلين المطالب العادلة والحقيقية للشعوب لكى يقصوا ما لا يريدون ومتناسين أن أحداً لا يستطيع أن يفرض مخططاته بالكامل، وأن خططهم يمكن أن تنقلب على أصدقائهم الذين يساعدونهم عن جهل وغرور بأنهم بعيدون عن احتمالات التغيير، ولكنهم فى نفس الوقت يدفعون الوطن العربى كله نحو مخطط شيطانى يأتى على الأخضر واليابس وبدلاً من أن يحقق الإصلاح يؤدى إلى الفوضى وما حدث حتى الآن فى كثير من البلاد العربية يشير إلى ذلك.

هل تستطيع دول عربية أن تدرك قبل فوات الآوان ما يدبر لها؟ وأن تطالب بإيقاف نزيف الدم فى سوريا بأن يقبل جميع الأطراف الحوار، وأن مسئولية الدم تقع على الذين يرفضونه والذين يدفعونهم إلى ذلك، خاصة هؤلاء الذين يمدونهم بالأسلحة سواء بالمال أو بتقديم الخدمات؟ من الواضح أن ما يحدث هو تمهيد للقيام بعمل أمريكى إسرائيلى مشترك ضد إيران وأن ما يحدث فى سوريا هو مجرد تمهيد لذلك، وأن الشعب السورى يدفع ثمن هذا الإعداد، وأن البعض يعلم بذلك ولكن الغالبية لا تعلم، لكن يبقى السؤال عن مدى إدراك القيادة المصرية لمخاطر ما تتعرض له مصر والمنطقة، ومدى إدراك جامعة الدول العربية، إذا كانت مازالت جامعة، لما يبيت لها وللمنطقة؟

■ خبير استراتيجى