رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

انفراد.. رسائل خاصة بخط نجيب محفوظ

نجيب محفوظ
نجيب محفوظ

بنت الجيران هى كلمة السر فى بداية علاقة نجيب محفوظ بعالم الرسائل، حينما كان يحركه الحب والغرام لكتابة خطاب إلى من أوقعته فى هواها، يبثها فيه شوقه وهيامه، وإن لم يعترف محفوظ بأنها خطابات أو كما يقول: «فى أيامنا لم تكن هناك خطابات بالمعنى المفهوم، ولكن كانت هناك فقط سطور تكتب فى أوراق صغيرة جدًا وتدس فى يد خادمة الحبيبة مثلًا، هذه الأوراق كانت ترسل لبنات من جيلنا، وهؤلاء إذا حصلت إحداهن على الشهادة الابتدائية كانت تصورها وتبروزها ددوتعلقها وتقعد إلى جوارها من فرط الفخر والسعادة، فماذا كنت تتصور أننا سنكتب لهن؟ كلام بسيط جدًا وعملى.. موعد، مقابلة أو شىء من هذا القبيل».

 

طبعًا هذا النوع من الخطابات من المستحيل أن تعثر عليه ببساطة، لأننا لا نعرف أسماء من أحبهن محفوظ، وحين يريد التحدث عنهن يرمز لهن فى رواياته بأسماء أخرى مثل عايدة شداد، وقد حدث أن جاءت أختها لزيارته وحضور ندوته، ولأن بصره قد ضعف فقد سأل جاره: «هى حلوة يا دكتور فتحى؟»، فقد كان لا يزال يسترجع حبه القديم من ريحة الحبايب رغم تجاوزه التسعين، وقد مارس محفوظ كتابة الشعر فى سن صغيرة، حتى إنه كتب كراسة شعر كاملة وقد عبّر فيها عن حبه، ولأن رسائل الحب والشعر مفقودة، فليس أمامنا سوى رسائل نجيب محفوظ إلى أصدقائه ونقاده، وهى المتاحة أمامنا لتصوير الجانب الآخر من شخصية أديبنا الكبير.

ورغم اعترافه لعمرو عبدالسميع فى حواره معه: «أنا من أضيق الناس بكتابة الخطابات، وحينما أشعر أننى مضطر إلى كتابة خطاب أكون فى غاية التبرم»، إلا أننا سوف نلاحظ أن محفوظ لا يهمل الرد على خطاب أو حتى تليغراف، جربت أنا ذلك معه فى أكثر من مناسبة رغم أنه بحكم عملى الصحفى كان يمكننى مقابلته أو الاتصال به تليفونيًا للتهنئة بالأعياد، ومع ذلك كنت أتلقى رده الذى يقول فيه: «للشكر والدعاء»، أو «للشكر والرجاء لكم وللأسرة بطول العمر»، وحين توطدت علاقتى به أرسل لى تليغرافًا ملونًا يقول لى فيه: «للشكر والدعاء بطول العمر»، حتى من مات ممن يعرفهم كان يتابع رحيلهم فى صفحة الوفيات ويرسل تليغرافات تعزية لأقاربهم، أو يشارك بنفسه فى جنازاتهم إذا كان بمقدوره أن يفعل، كان يعتبر ذلك واجبًا اجتماعيًا، تمامًا كالرد على الخطابات والتليغرافات المرسلة إليه حتى من مواطنين لا يعرفهم، كان لا بد أن يرد بل ويعتذر إذا تأخر فى الرد مع أنه غير ملزم بذلك، ولكن شخصيته الإنسانية كانت تدعوه ألا يهمل خطابًا أو حتى طلبًا لصحفى مبتدئ لإجراء حوار معه، فعل معى ذلك وأنا ما زلت صحفيًا تحت التمرين، وقد سمعت توفيق الحكيم يقول له: «عزز نفسك يا نجيب فلا تعطِ حديثًا لكل من هب ودب»، ولكن محفوظ كان على قناعة كاملة بضرورة تشجيع الشباب والأخذ بأيديهم، وندواته المفتوحة للجميع أكبر دليل.

رسائل  (6)
رسائل خاصة بخط نجيب محفوظ 

كان يستمع لكُتّاب القصة ويشجع الموهوبين سواء بالتحدث عنهم فى حواراته بالصحف أو كتابة رسائل إليهم يبثهم فيها إعجابه وتشجيعه الذى يرفع من روحهم المعنوية، ويجعلهم يستمرون رغم كل العوائق، فقد كانوا يستمدون العون من سيرة محفوظ نفسه ويستلهمون منه روح الإصرار على التحقق والتواجد، فقد تجاهله النقاد خمس عشرة سنة، وحين سألته: هل كنت على استعداد للانتظار خمس عشرة سنة أخرى حتى تلقى التقدير الذى تستحقه؟

فقال: نعم.

ومن ثم كان محفوظ هو النموذج الذى يحتذيه الأدباء الشبان للاستمرار رغم الصعوبات، هذه هى الرسالة الأولى لنجيب محفوظ إلى أديب الإسكندرية سعيد سالم «الحاصل على جائزة الدولة التشجيعية» يعتذر له فيها عن تأخره فى قراءة روايته «بوابة مورو» التى أرسلها لها على مكتبه فى «الأهرام»، وذلك لقلة تردده عليه.

رسائل  (3)
رسائل خاصة بخط نجيب محفوظ 

وهذا هو نص رسالة محفوظ:

الأستاذ سعيد محمود سالم

تحية طيبة وبعد

فيؤسفنى أنك لم تتمكن من مقابلتى رغم أنه لا يوجد ما هو أسهل من ذلك، وأما عن المراسلة فأصارحك بأن الكتابة لمن أود الكتابة إليهم ليست ميسورة دائمًا، وهى تحتاج لوقت لم أعد أملكه وبخاصة لظروف السن والصحة.

رسائل  (4)
رسائل خاصة بخط نجيب محفوظ 

ومن حسن الحظ أننى تمكنت من قراءة «بوابة مورو» هذا الأسبوع- أنا لا أذهب إلى الأهرام إلا نادرًا جدًا- وأشهد لك بأنها جذبتنى إلى قراءتها بسحر فيها لا شك فيه، وهى عمل جيد فى تصويره للبيئة وبما قدمته من شخوص حية ممثلة فى الراوى والأب والفتاتين وأسلوبها نابض بالحياة والتلقائية.

وإنى أهنئك عليها كما أهنئك على إصرارك الجميل على إصدار رواياتك فى ظروف عسيرة خامدة، وأعتبر عملك من آيات البشرى ببعث الحياة الثقافية التى لم يعد لها من عماد إلا حماس بعض الشبان أمثالك من أدباء مصر العزيزة وأرجو أن تسمح الظروف باللقاء فى القاهرة أو الإسكندرية.

ودمت للمخلص

نجيب محفوظ 

٢١-٤-١٩٧٧

ولم يكتف نجيب محفوظ بمجرد كتابة رسالة مشجعة لأديب شاب مبشر، بل كان يسعى لتمكينه من النشر فى أكبر صحيفة عربية وهى «الأهرام»، حتى لو اقتضى الأمر تأخير نشر روايته ليفسح الطريق لهذا الأديب الشاب، يقول فى رسالة أخرى:

عزيزى سعيد سالم 

تحياتى وأشواقى وبعد 

فاعلم يا عزيزى أن رواية الأستاذ ثروت أباظة نشر نصفها وأظنها تنتهى فى أوائل مايو أو منتصفه، غير أن الأستاذ ثروت أخبرنى أن رواية للأستاذ عبدالمنعم الصاوى ستنشر بعد روايته، فإن صح ذلك فربما مر العام دون اتساع لأى عمل آخر.

على أى حال فإنى عندما تسنح فرصة لتقديم عمل لى سأخبر القائم بالأمر أنى أرجو نشرها بعد نشر روايتك وسأعمل على تحقيق ذلك بكل ما يسعنى كما وعدتك.

تحياتى لإخواننا ولك أزكى تحياتى

المخلص 

نجيب محفوظ 

٥-٣-٨١

ولك أن تصدق أو لا تصدق أن نجيب محفوظ بقيمته وقامته لم تستجب له «الأهرام» لنشر رواية أديب شاب اقتنع بموهبته، رغم محاولته ما سماه «التكتيك» بتأخير نشر روايته والاعتذار بأنه لم يكمل كتابتها بعد مع أنها جاهزة للنشر، ولكن المحرر محمد زايد المسئول يبدو أنه أراد ممارسة سلطاته، ولكن على مَن، على نجيب محفوظ، رغم أن محفوظ فى رسالة أخرى قصيرة يخبر سعيد سالم نصًا: «ولكنى رجوت محمد زايد من جديد»، تخيل نجيب محفوظ يرجو ولا يستجاب لرجائه، وكم بمصر من المضحكات المبكيات، لنقرأ رسالة نجيب محفوظ التى تكشف عن هذه المفارقة:

أخى العزيز سعيد 

تحية طيبة وشكرًا وبعد 

فقد وجب أن أخبرك بأن الأستاذ محمد زايد اتصل بى وطلب منى رواية «الباقى من الزمن ساعة»، فقلت له إن لدىّ ثلاث قصص قصيرة ولنؤجل الرواية وأرسلت له القصص، وفى الوقت نفسه ذكرته بروايتك وبوعده بنشرها مسلسلة فى «الأهرام»، فقال لى إنه عند وعده ولكن «الأهرام» يرى أن ينشر مسلسلًا لأحد كتابه أولًا، ثم ينشر قصتك، فأخبرته أن روايتى ستكون جاهزة أول العام المقبل.

رسائل  (5)
رسائل خاصة بخط نجيب محفوظ 

قمت بهذا التكتيك حتى أتصل بك وأخبرك بكل ما دار على أن يكون سرًا بيننا لا يطلع عليه ثالث «وضع محفوظ خطًا تحت (ثالث) لتأكيد السرية»، وأمامك فرصة للتحرك والاتصال بالأستاذ نافع صديقك «المقصود أحمد نافع ويعمل صحفيًا بالأهرام»، لعلك توفق لنشر قصتك فى الفترة الباقية من هذا العام.

ولك منى صادق التحيات ولجميع الإخوان «من أدباء الإسكندرية»

المخلص

نجيب محفوظ

٢٢-١٠-٨١

ويبدو أن سعيد سالم كان لديه أمل رغم كل ما حكاه له نجيب من مصاعب، فكتب إليه ليحاول مرة أخرى، واضطر الأديب العظيم مجبرًا كما قال لأن يتوسط لمن لا ترجى وساطته إرضاء لصديقه الأديب الشاب، أو كما جاء فى رسالته معربًا عن فقدانه الأمل من المسئول عن النشر فى الأهرام:

«.. ولا أخفى عنك أنى يئست منه وصممت وقتها على ألا أخاطبه مرة أخرى، ولولا خطابك الأخير ما أجبرت نفسى على المحادثة مرة جديدة، وسوف ندير الرأى معًا فى أول لقاء وإنى لآسف أولًا وأخيرًا».

ودمت للمخلص

نجيب محفوظ

٣-٦-١٩٨٢

يتأسف نجيب محفوظ لما لا ذنب له فيه، ومع ذلك فإنه فى رسالة أخرى نصح صديقه سعيد سالم: «لا بد من اتساع الصدر وتحمل الكثير مما يكره الإنسان لكى يواصل حياته».

ووضع نجيب محفوظ خطًا تحت هذه العبارة فى رسالته لكى يؤكد أهميتها فى عدم اليأس وضرورة الاستمرار.

وقد رد عليه سعيد سالم مخاطبًا إياه بـ«الأخ الجليل»، وهو أصدق تعبير عما قام به نحوه من مجهود لا يقوم به إلا أخ حقيقى، كتب إليه قائلًا: «الأخ الجليل الأستاذ نجيب محفوظ

تحية حب وتقدير وبعد 

أثلجت صدرى رسالتكم الرقيقة الكريمة وخففت كثيرًا من حدة غضبى وألمى.. فلكم منى خالص الشكر والتقدير..».

الغريب فى الأمر أن الأديب سعيد سالم كان يصارح نجيب محفوظ برأيه فى رواياته بما فيها نقده السلبى، كما حدث مع روايته «الباقى من الزمن ساعة» التى حاول تأخير نشرها فى «الأهرام» ليفسح المجال لصديقه الأديب السكندرى، وقد قال له بجرأة يحسد عليها حين التقاه إنه لم يتحمس لقراءة رواية محفوظ منذ الصفحات الأولى، وقال له إنه لم يقتنع تمامًا بتجربة محفوظ الأسلوبية الجديدة فى هذه الرواية، وساق له أسباب عدم اقتناعه، وقال له إنه كتب رأيه هذا بعد قراءته رواية «الباقى من الزمن ساعة»، العجيب أن نجيب محفوظ شكره على ملاحظاته وصارحه قائلًا: «ولا تدهش».. «أنا اتقرفت فى الرواية دى وكنت حأقف فى نصها لولا استخسرت الجهد اللى بذلته فيها»!، وطلب محفوظ من سعيد سالم أن يطلعه على رأيه فى روايته مكتوبًا فسلمه له باليد بناء على طلبه!

ولم تفسد صراحة سعيد سالم لأستاذه العلاقة الودية بينهما، فقد رأى محفوظ فى سالم صديقًا حقيقيًا لا يجامله ولا يتملقه، ومن ثم توطدت العلاقة بينهما إلى درجة أن سالم كان يستشيره فى أموره الخاصة، من ذلك مثلًا حينما صارحه بكراهيته للوظيفة كمهندس فى إحدى شركات البترول، ورغبته فى التفرغ للأدب، فإنه حذره بحنان أبوى شديد من خوض غمار هذه التجربة قائلًا: «إوعى تسيب وظيفتك عشان الأدب، أنا فضلت اشتغل لحد ما طلعت على المعاش».

وحينما عُرضت على سعيد سالم وظيفة مدير مصنع بالعراق بمرتب يسيل له لعاب الزاهد- حسب تعبيره- أخذ رأى نجيب محفوظ، فنصحه بقبول العرض، وفى جلسة تالية أوضح له أن أسرته تعارض سفره بشدة، فقال له محفوظ إن عليه أن يمتثل لرأى الأسرة، وبالفعل عمل بنصيحته ولم يسافر.

المفاجأة أن سعيد سالم حينما سافر إلى السويد عاد منها وكتب مقالًا بمجلة «الإسكندرية» المحلية فى مارس ١٩٨١ جعل عنوانه «نجيب محفوظ مرشح لجائزة نوبل»، وذلك قبل حصوله عليها بست سنوات، وقد أعطانى سالم نص هذا المقال الوثيقة.

وقد جاء فيه: «أندرز هارتنج هو أحد مشاهير الكتّاب بالسويد وله عشرات الكتب فى مجال الرواية والقصة وأدب الرحلات، وقد سبق له زيارة القاهرة والالتقاء بكبار الأدباء المصريين، وكذا بالأدباء الشبان، ودعانى إلى منزله وقدم إلىّ زوجته (شرستين) الحاصلة على الدكتوراه فى اللهجات العربية، كما أنها تجيد الحديث بالعربية إجادة تامة، والتى كانت منهمكة فى ترجمة (زقاق المدق)، وبعد حديث طويل صرح لى بأن نجيب محفوظ كاتب عظيم وأن أعماله على مستوى عالمى بلا شك، ثم أضاف أنه سيقول لى سرًا لأول مرة يصرح به، ذلك أن نجيب محفوظ سوف يحصل على جائزة نوبل فى الأدب خلال عامين أو ثلاثة على الأكثر، ولما سألته عن المزيد من التفاصيل امتنع بأدب عن التصريح بأكثر من ذلك».

وكان ما كتبه سعيد سالم خبرًا يستحق أن يتصدر الصفحات والتعليقات، ولكن لأنه فى صحيفة محلية لم يلتفت إليه أحد، وإن اختلف عدد السنوات التى حصل بعدها نجيب محفوظ على جائزة نوبل التى لم يحصل عليها أديب عربى بعده حتى الآن.

 

ولما كان أحمد الشاذلى أحمد، أحد مفتشى الأتوبيس «كمسرى» محبًا للأدب وإن لم يمارسه إلا أنه كان يتردد على نادى القصة مع بداية إنشائه ١٩٥٢، وهناك تعرف على نجيب محفوظ، وتوطدت علاقته به بعد أن التقاه يركب من محطة الغورية للاتجاه إلى العباسية كل يوم خميس، وكان يحدد دائمًا اللقاء معه فى فترة الثانية ظهرًا، حين يصعد الأتوبيس وكان يميل أن يركب فى الكرسى الثانى يمينًا بجوار الشباك، وكان سعر التذكرة «١٥» خمسة عشر مليمًا للدرجة الأولى حيث كانت الكراسى من الجلد، والثانية «١٠» عشرة مليمات حيث كانت الكراسى من الخشب، وقد حاول الكمسرى أن يجامل نجيب محفوظ فيعفيه من دفع الأجرة ولكن محفوظ كان يصر على الدفع، ويبدو أن الكمسرى افتقد صديقه نجيب محفوظ، ولم يكن يعلم أنه يشد رحاله إلى الإسكندرية فى الصيف، فأرسل إليه خطابًا ليطمئن عليه، ولكن محفوظ تأخر فى الرد حتى عاد من مصيفه، فوجد رسالة أخرى يعتب فيها الكمسرى عليه عدم رده على رسالته الأولى، ويطلب صورة لمحفوظ ليحتفظ بها للذكرى، ولكن يبدو أن الخطاب الأول لم يصل، وكتب نجيب محفوظ هذا الخطاب معتذرًا موضحًا فى الوقت نفسه موقفه من التصوير، فقال:

عزيزى السيد أحمد الشاذلى

تحية وسلامًا واعتذارًا عما ظننته إهمالًا منى فى حقك، والواقع أننى كنت فى الإسكندرية من منتصف أغسطس حتى نهاية سبتمبر، ولعل خطابك فقد فى البريد أو فى النادى «نادى القصة»، وإنى أذكر مجلسك معنا كما أذكر روحك اللطيفة، وقد صرنا فيه أصدقاء وإنى لأود أن أراك كثيرًا فى نادينا وأرجو أن تطيب نفسًا بهذا التفسير لعدم وصول رد إليك.

إنى يا سيد أحمد مشغول جدًا، وبسبب عملى الحكومى أضطر إلى السفر أحيانًا فيضيع وقتى فيما لا طائل تحته.

أما عن الصورة فأصارحك بأنى من أشد الناس تهاونًا فى هذا الشأن، لم يعد عندى صورة واحدة فى حجم أستطيع وضعه فى رسالة، وإنى أعدك وعدًا صادقًا بأننى إذا تصورت فسأرسل لك بصورة تذكارية وأنا سعيد غاية السعادة، ولا تدهش لذلك فإننى من الناس الذين لا يقفون أمام المصور إلا لضرورة.

وختامًا يا سيد أحمد تقبل خالص تحيتى وأشواقى.

المخلص 

نجيب محفوظ 

١٢-١١-١٩٥٣

وهكذا كان نجيب محفوظ متسقًا مع نفسه ولم تمنعه قيمته وقامته عن الرد على أى رسالة مهما كان شأن صاحبها، ولكنها المرة الوحيدة التى تطوع لكتابة رسالة من مجهول دون توقيعه، وقد أرسل بها إلى أم كلثوم يطلب منها تعزيز نفسها، فقد كانت لها حفلتان بالإذاعة كل يوم اثنين وخميس من كل أسبوع، وهو لا يريد أن تكون موجودة بكثرة رغم حبه لها، ولكن تكون لها شوقة، ويبدو أن نصيحة محفوظ قد لاقت صداها لدى أم كلثوم، فاشتهرت بعد ذلك بحفلاتها الشهرية التى كان نجيب حريصًا وزميله أدهم رجب على حضورها فى شبابهما، وعندما احتفل «الأهرام» بعيد ميلاد محفوظ دعا هيكل كبار الأدباء وحضرت أم كلثوم الحفل وغنت، وقالت له إن رواياته أسعدتها، فرد عليه بشعوره بالسعادة لأنه أسعد من كانت مصدرًا لسعادته.