رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

خادم الأحباب.. التهامي: لا أصعد المسرح دون وضوء وقراءة أوراد خاصة (حوار)

التهامي
التهامي

«القلعة» قريب إلى قلبى.. والمهرجان دليل على دور الفن فى تطوير الوعى 

دراستى أزهرية حفظت أشعار ابن الفارض والحلاج وتعلمت من التونى

لم ألتحق بأى أكاديمية لدراسة الموسيقى.. وأتنقل بين المقامات بالفطرة 

يؤمن شيخ المداحين، ياسين التهامى، بقوة «المدد الإلهى» التى تلهمه كلمات الإنشاد والمدح التى يلهب بها مشاعر جمهوره فى حفلاته الاستثنائية، وأن صدق حبه لله ورسوله حالة تجلٍ ينقلها إحساسه الصادق للمستمع فيصاب بعدوى «الهيام الصوفى» أيضًا. ٤٨ عامًا قضاها منشدًا لأشعار الحب الإلهى الصوفى ومادحًا لرسوله وآل بيته، وهى الرحلة التى يواصلها من خلال مشاركته فى مهرجان قلعة صلاح الدين للغناء والموسيقى، الذى انطلقت فعالياته فى ١٥ أغسطس الحالى وتستمر لنهاية الشهر الجارى. «الدستور» التقت الشيخ ياسين للحديث عن كواليس رحلته فى عالم الإنشاد، وتوقعاته لمستقبل المديح، ونصائحه للأجيال الجديدة من المنشدين.

■ ما سبب حرصك على المشاركة فى مهرجان قلعة صلاح الدين للموسيقى والغناء؟

- فى الحقيقة مهرجان القلعة قريب جدًا إلى قلبى، واعتدت المشاركة فيه ولقاء جمهورى منذ سنوات بعيدة، وفخور جدًا بإقامة الدورة الحالية التى تبرهن على الدور الكبير للفن والثقافة والإنشاد فى تطوير الوعى والارتقاء بالوجدان، وهو ما يثبته الإقبال الكبير للجمهور من مختلف الأعمار، ممن يقصدون المهرجان للاستمتاع بالفن الراقى الأصيل، وهذا يعنى أن الجمهور المصرى لا يزال يتمتع بذائقة مختلفة ومميزة فى الفن.

■ هل ترى أن احتضان المهرجان للإنشاد الدينى تقدير كافٍ؟

- فخور جدًا باحتضان مهرجانات الدولة الإنشاد والموسيقى الروحية، هذه الخطوة تشكل علامة مضيئة على الخارطة الثقافية المصرية، وتحديدًا فى هذا المهرجان الذى يقصده آلاف من مختلف بلدان العالم.

فكرة الجمع بين «الإنشاد والتاريخ» التى تتجسد فى مهرجان القلعة، بالتعاون بين وزارتى الآثار والسياحة والثقافة، تمثل قصة نجاح مصرية لمهرجان شامل يحمل الكثير من الدلالات والإمكانات.

وهنا أشيد بدور وزيرة الثقافة، الدكتورة إيناس عبدالدايم، التى تسعى بجهد لمواصلة تطوير وتحديث منابر الثقافة رغم الظروف الاستثنائية التى يعيشها العالم فى ظل جائحة كورونا.

■ ما برنامجك الذى اخترته للقاء الجمهور؟ وطقوس ما قبل الصعود للمسرح؟

- منذ أن سلكت طريق الإنشاد لم أحضر أى برامج أو قصائد محددة بعينها لألقيها على مسامع الجمهور فى الحفلات وليالى المدح والذكر بوجه عام، أنا أتوكل دائمًا فى المقام الأول على الله، وأعتمد على إحساسى وامتزاجى مع الموسيقى، وأستمد قوة إنشادى من أعين محبى الله ورسوله، وأندمج وأبحر فيما أقدمه، وأخرج كل طاقتى وقوتى فى حب الله ورسوله، وأذهب بمشاعرى إلى حالة غير الحالة.

أما عن الطقوس التى أحرص عليها دائمًا قبل أى شىء، فهناك الكثير من الأوراد التى أتلوها قبل الصعود إلى المسرح، وأقدم المشيئة وأخلص نيتى لله وحده عز وجل، وأذكر الله ورسوله بالصلاة على النبى كثيرًا، ولا أصعد المسرح دون وضوء، لأن المقام هو ذكر الله ومدح حبيبه الرسول، صلى الله عليه وسلم.

■ وكيف تنقل محبيك لهذه الحالة الروحية التى نراها فى حفلاتك؟

- المسألة فتح ومدد ربانى، ما كان من القلب يصل إلى القلب، بفضل الله عز وجل تأتينى «طاقة من نور»، وكل ما أفعله أننى أجتهد فيما أقدمه وأخلص النية لله، وأنا مؤمن بكل كلمة أنشدها لهذا لا أتكلف ولا أحضر لشىء، وإنما أقف وأطلق العنان لكلمات المدح والتسبيح، وأنقل هذه الحالة للمستمع فينتقل معى الحاضرون إلى حالة روحانية أخرى نعيشها معًا فى حب الله، وأرتجل باستفاضة فى رحلة السمو الروحانى.

■ لماذا اخترت الدخول فى عالم الإنشاد الدينى تحديدًا منذ البداية؟

- الإنشاد الدينى نعمة وقدر جميل منحه الله لى، وموهبة من عند الله، ودائمًا أقول إننى لم أضع خطة لدخول عالم الإنشاد الدينى، ولم أتخذ منه مهنة أو وسيلة للتربح.

ولدت بقرية الحواتكة بمركز منفلوط بمحافظة أسيوط، عام ١٩٤٩، فى بيت محب للصوفية، وفى سن صغيرة كنت أشعر بإحساس داخلى لا يمكن وصفه تجاه الله، إضافة إلى الأصول الدينية التى تربيت عليها فى بيت يسوده الحب والتدين وذكر الله والفضل الكبير هنا يعود لوالدى الشيخ حسنين التهامى.

لم ألتحق بأى صفوف أكاديمية لدراسة الموسيقى أو توظيفها مع الإنشاد، ورغم ذلك لى نهج لم يكن موجودًا من قبل يزاوج بين الإيقاع الشرقى والشعبى الذى يعتمد على مختلف أنواع الآلات الموسيقية، وبالفطرة أتنقل بين المقامات الموسيقية وأرتجل وأتجلى بذكر الله.

■ كيف أثر فيك والدك الشيخ حسنين التهامى؟

- والدى رحمة الله عليه لم يكن مُنشدًا، لكن كان صوفيًا وكان يحرص دائمًا على دعوة محبيه والمقربين إليه فى المواسم لإحياء ليالى الذكر، فى جو معطر بالنفحات الصوفية، وحرص على تعليمى بالمدرسة الأزهرية، والتحقت بالمعهد الثانوى حتى السنة الثانية، ثم تركت الدراسة لظروف خاصة خارجة عن إرادتى، وحينها بدأت فى الإنشاد، كنت وقتها فى السادسة عشرة من عمرى، أى قبل نحو ٥٠ عامًا، وحفظت القرآن الكريم، وداومت على قراءة الشعر القديم، وكل ذلك ساعدنى على تقويم لسانى لإنشاد الأشعار الصوفية بطريقة صحيحة.

■ ومن مِن رموز الصوفية الكبار كان له الفضل والأثر الأكبر فى تكوين شخصية ياسين التهامى؟

- الفضل الأول والأخير يعود إلى الله سبحانه وتعالى، الذى أرشدنى لطريق عمالقة الشعر الصوفى فى بداية مشوارى مثل عمر بن الفارض، والسهروردى، ومحيى الدين بن عربى، والحلاج، وشيخ المداحين الشيخ أحمد التونى، والقبيصى، والشيخ مرزوق.

■ كيف استطعت التواصل مع الشعوب الأوروبية بالإنشاد؟

- بفضل ربنا وأعظم نعمه التى منّ علينا بها «الإحساس» و«الصفاء»، فحين أتواصل مع جمهورى فى أى مكان فى العالم أشعر بالتجليات التى يفتح الله بها علىّ، وأفضل الأوقات التى تشبع روحى تكون أثناء الإنشاد الذى يخاطب الروح قبل أى شىء.

الحمد لله قدمت الكثير من الحفلات على أكبر مسارح لندن وباريس وبرلين ومدريد، والتواصل مع محبى الإنشاد فى أى مكان له لغة واحدة لأنه غذاء روحى ووسيلة للدعوة إلى الله بالحكمة، وفن روحانى يحفظ الهوية والثقافة العربية، عن طريق القصائد الصوفية والابتهالات وعبارات المناجاة الإلهية والمدائح النبوية.

■ ما الفرق بين الإنشاد الدينى قديمًا وحديثًا؟.. وما توقعاتك لمستقبله؟

- الإنشاد فى البداية كان أساسه صوت المنشد فقط، أما الآن فهناك من يعتمد على المؤثرات الصوتية والآلات الموسيقية، لكن بوجه عام الإنشاد لا يتغير، ويتمثل فى الحفاظ على الأخلاقيات واختيار الكلمات المناسبة والصدق مع الله.

أما عن مستقبل الإنشاد فأنا متفائل كثيرا خاصة بعد وجود مدرسة الإنشاد التى أسسها نجلى محمود، ونسأل الله أن يزيح غُمة فيروس كورونا، كي تعود المحاضرات والحصص التعليمية التى تبرز ترسخ أصول الإنشاد وتحافظ عليه، وتقوم بتدريس هذا الفن بأسلوب راق ودراسة أكاديمية بصحبة أساتذة كبار في هذا المجال، وقد خرجت المدرسة عشرات الدفعات.

■ حصلت على العديد من الألقاب.. أيها الأقرب إلى قلبك؟

- لا أحب ألقاب التفخيم وأعتبر نفسى «خادم الأحباب» الذين يريدون التقرب إلى الله ومناجاته، وأسعد كثيرًا بهذا الوصف وعندما أتواصل مع المحبين أقول أنا العبد لله ياسين التهامى خادم الأحباب، ولا يشغلنى أبدًا ما حصلت عليه من ألقاب رغم كثرتها.

■ ما أحب الأماكن إلى قلبك التى تفضل زيارتها وتشعر فيها بالراحة؟

«عتبات أسيادنا»، وكل أضرحة أولياء الله الصالحين، أهيم فى حب بيوت الله وكل الأضرحة، وأسعى دائمًا للإخلاص فى توحيد الله تعالى، وعبادته كما يريد فى كل وقت وحين، وأتلذذ بطاعته ودُعائه، والإكثار من ذكره، ومن كمال محبة الله ورسوله وصدقها تقديمها على محبّة النفس أيضًا.

■ هل أصررت على دخول أبنائك لعالم الإنشاد الدينى؟

- إطلاقًا.. رفضت فى البداية دخول أبنائى: محمود، ومحمد، ومهدى، مجال الإنشاد الدينى، رغم أنهم كانوا متلهفين وهم فى بداية أعمارهم لهذا الأمر، واشترطت عليهم أن يشق كل منهم طريقه كما يحب بعد حفظ القرآن الكريم وإتمام التعلم والحصول على الشهادات العليا، وقد كان بفضل الله تعالى، وجميعهم دخلوا مجال الإنشاد الدينى لأنهم أحبوه وأصبح لكل واحد منهم طريقته وأسلوبه الخاص فى الإنشاد والمديح.

■ هل ترى أن اختلاف ذائقة الجمهور وراء قلة قالب «الإنشاد الديني»؟

شعب مصر ذواق للفن الحقيقي الجاد الهادف، وقالب «الإنشاد الديني» نجحنا في تقديمه للعالم كله رغم تقصير الإعلام في إحراز نجاح كبير وسط القوالب الغنائية الاخرى، وخير دليل على قولي هو رفع لافتة «كامل العدد» في حفلات الإنشاد، كما نجح الغناء الصوفي أن يفرض هيمنته على العديد من تترات الأعمال الفنية وهى فرصة لتعريف الأجيال الجديدة بالغناء الصوفي.

■ وماذا عن الصوفية من وجهة نظرك؟

«الصوفية» عالم جليل إذا فتحنا الحديث عنه لا ينتهى الكلام، لكن باختصار دائما أشرح التصوف بكل شفافية واريحية بتكوينه من أربعة أحرف يرمزون إلى التكوين الروحاني لها، بداية من حرف التاء الذي يرمز إلى التقوى، والصاد نابع من صفاءٌ، أما حرف الواو يتمثل في الولاء لعهد الله عز وجل، وكتابه وسنّة رسوله صلى الله عليه وسلم، والحرف الأخير الفاء الذي يعنى فناء فى ذات الله تعالى، وتعنى أن يتحرر الإنسان من كل الماديات بما فى ذلك حاجاته البشرية.

■ وماذا عن نصائحك للمنشدين؟

الإخلاص فيما يقدمه فيجعل كل أعماله خالصة لوجه الله تعالى، ثم يوقن أن القبول مكتسب من الخشوع، ولا يأتي التوفيق إلا من الله، وإتقان اللغة العربية الفصحى ومخارج الألفاظ واختيار الكلمات المناسبة ومراجعة الكلمات لغوياً، وأن يكون متقناً لعلم المقامات والنغم، وأن يجتهد لإظهار قدراته بدون تقليد لأحد، لكنه يستمع لكل مدارس الإنشاد الديني قديماً وحديثاً، ولا بد أن يحترم هذا المجال أخلاقيًا وسلوكيًا.