رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«رسائلي إلى الأنثى الحلم».. عمل جديد لـ محمد القصبي يحمل عبق الماضي وحلم المستقبل

الكاتب محمد القصبي
الكاتب محمد القصبي

في الثامنة والستين ويغمس قلمه في أوجاع العشَّاق ويكتب.. هكذا تبدو سطور أحدث أعمال الكاتب محمد القصبي «رسائلي إلى الأنثى الحلم» الصادر عن الدار «السودانية المصرية الإماراتية» مؤخراً.

هل تبدو أنهار العشق تلك غير مستحبة، بل مستهجنة من قبل كاتب على مشارف السبعين؟ ربما خشي الكاتب أن يُشهِر النقّاد والقرّاء في وجهه «لا» قوية، مذيّلة بعبارة : «هذا لا يليق بشيخوختك»، لذا ذيّل عنوان الكتاب «رسائلي إلى الأنثى الحلم» بعبارة: 

«هذيان عاشق في دقائقه الأخيرة».

الكاتب لا يتحاشى بعبارته تلك أي اتهام يوجه لقلمه بالتصابي، يل أيضاً يتحاشى سؤالاً قد يُوجَّه إليه: لأي جنس أدبي ينتمي كتابه فلا هو بالرواية ولا بالشعر ولا القصة القصيرة، ماذا يكون؟
الكاتب لا يكتفي بعبارته تلك التي ذيّل بها عنوانه «هذيان عاشق في دقائقه الأخيرة»، بل يشرح الأمر في إحدى رسائله إلى حبيبته، قائلاً:

من المهم أن تحدد جنس هذا الذي يتخذ من صفحات إصدارك مهداً له.. أشعر هو.. رواية.. قصة قصيرة؟.. لكن هذا الذي يفعله الأدباء في الغالب وفعلته في كل كتبي السابقة يستعصي عليّ فعله الآن.. فما بين دفتي كتابي هذا ليس سوى بوح.

بل حين قرأته بدا وكأنه هذيان.. يقيناً هذيان.

فمتى كان الهذيان يطيق التبنيد في خانات التجنيس الأدبي!

والملفت أن الكاتب يوجه إلى حبيبته «سما حبشي» أيضاً في المستهل تحذيراً يتعلّق بإحدى قضايانا الأدبية.. حيث يخاطبها قائلاً:

وإليك تحديداً سما..
أعلم أنك قارئة جيّدة.. وهذا ما يخيفني.. أرجوك..أتوسل إليك..لا تقرأي صفحاتي هذه بعين رولان بارن.. ودراويشه من نقادنا ونقاد العالم.. كان يرى أن الكاتب مع سطره الأخير في حكيه..شعره.. يلفظ أنفاسه الأخيرة.. هذا الذي سمّاه في مقاله الشهير الذي كتبه عام ١٩٦٧بموت المؤلف.. لكنني في مواجهتك لست بمؤلف ولا أنت بناقدة أو حتى مجرد قارئة.. أنا الحبيب المعذل..القتيل وربما القاتل.. وأنت - أنثاي الحلم - قاتلتي.. وربما بغبائي العاطفي قتيلتي.

لذا لا تضعي سطوري تلك تحت مجهر الناقدة الأدبية.. بل في قلب حبيبة.

ومن بين هذيان العاشق عبر ١١٨ صفحة قوله لحبيبته:

لا أظن أن ذاكرتك جاحدة لتلفظ هذا الحدث الاستثنائي، كان هذا في خطونا الأول
قُبلة في مصعد
تكاد تكون اليقين الوحيد في ذاكرتي
توحدنا في لهيبها بين السماء والأرض
وهمسك المزلزل لأدغالي العميقة وأنا أودعك بعدها بساعات في مطار القاهرة لا يبرحني أبداً:
- ليتها دامت.. ليتها ما كانت!!

وكأنها رائحة أزاهير.. تلك التي تتهادى من النافذة نحو فراشي.. أنهض.. أخطو تجاه النافذة بحثاً عن مصدر الرائحة.. تسبح عيناي عبر لجج صمت الفجر المعبق بشذى الياسمين.. أظنها نسائم  الغرب التي تخصب جلال الفجر بالشذا.. تخطو عيناي نحو مصدره.. فإذا بهما تتكحلان بطيف يشع جمالاً أنثوياً استثنائياً.. سابحاً كان فوق لجة من أنهار الجنة تتهادى في السماء.. عرفت فيه نبع الشذا.. عرفت فيه طيفِك.